الاستثمار في الكراهية

الاستثمار في الكراهية

 خليل صويلح
كلما تضاءلت قيمة الفرد في حياته اليومية، وازداد بؤسه المعيشي، وانهارت قلاعه الدفاعية، يلجأ إلى التعويض عن خسائره المعلنة بإعلاء شأنه افتراضياً، ذلك أن وسائل التواصل الاجتماعي هي قارب النجاة من الغرق التام.

ههنا، في المياه الزرقاء، يقاوم الكائن الهش الأمواج العاتية بأجنحة ليست له، ليحلّق في فضاء اللغة، مستعملًا أكثر الأفعال بسالة، في تمجيد ذاته المعطوبة، وافناء خصمه المتخيّل بضربة كيبورد واحدة.

هكذا كلما توالت الصفعات والكدمات الروحية في إهانة وجوده الحقيقي، يستنفر أدواته ومخالبه الافتراضية في حروبٍ متوهَمة، هي في المحصلة ليست أكثر من إنشاء نافل مثقل بالأخطاء النحوية. أفكار شفوية لا ترقى إلى ماهو مكتوب، لكنها تأخذ طريقها إلى العلن وسط زحام المرضى الآخرين، فهذا المحارب المهزوم بأقل المعارك شراسةً، يبدي شراسة افتراضية تنهض على الشتيمة والإقصاء والتخوين، بما يعيد إليه طمأنينته الافتراضية المؤقتة، فها هو يحصي انتصاراته بصناعة ثورات، وإسقاط أنظمة، ورسم خرائط جديدة، وإبادة تضاريس، والتضامن مع ثوّار لا يشبهونه، بقصد تحقيق شهرة طارئة لليلة واحدة فقط، يؤكدها حجم التفاعلات على صفحته، لكن هذا الملاكم من وزن الذبابة يأبى أن ينسحب من المعركة رغم أنه يبعد آلاف الأميال عن بلاده، فهو يرسم الخطط في بلاد الفرنجة، ويقترح تنفيذها بالريموت كونترول متزعّماً حزب ”ثوّار بالبيجاما“. 
يجلس وراء كمبيوتره المحمول بكامل أسباب الاستنفار، يفتّش عن موقعٍ الكتروني معادٍ لبلاده، ويتتبع بوصلة ما هو مطلوب، فيما تلمع ورقة المئة دولار أمام عينيه، ببريق لا يقاوم، ثم يزفر بعمق. يخلع بيجامته ويتمطى قليلًا، ثم يلتفت إلى شؤونه الأخرى التي لا تتقاطع مع شخصيته الافتراضية على الإطلاق! 
نقرأ مايقع في باب العجب عمّا اخترعه بعض مثقفي ما وراء البحار من أوهام طاووسية، وصناعة مواقف ثورية، والمشاركة في ندوات طوباوية إرضاء لأجندات جاهزة في توطين الكراهية، وإذا بعلمانيي الصباح يرتدون عباءات الأسلاف ظهراً، فيما يعيشون كلبراليين ليلًا، وفقاً لريح ال“إن جي أوز“(المنظمات غير الحكومية)، وذلك باختراع عناوين مبهرة لإقناع الجهات المانحة بأهمية مشاريعهم وأفكارهم في نشر الديمقراطية والعدالة وحقوق الإنسان وحقوق المثليين، وتمكين المرأة، وبقية العناوين البرّاقة التي تستهوي الأوربيين.
  ولكن، بعد كل هذه السنوات من الخراب، هل نستمر في تغذية الكراهية؟ ألم نكتشف بأنها بضاعة خاسرة وطعام مسموم، ألا نحتاج إلى إعادة تموضع لفحص التربة وقلع الأشواك بحراثة مختلفة؟ المحنة أن الكراهية لا تتوقّف عند حدود ضرورة التغيير وتجاوز الأخطاء، وإعادة ترتيب البيت، إنما تأكيدها على كراهية البلد بكل مافيه بشراً وحجراً، وتقويض أي ملمح حضاري مقابل مديح الرمل والتصحّر، طالما أن العدّاد يعمل، وتالياً، فإن الكائن الهشّ نفسه لا يجد تعبيراً عن ذاته إلا عبر هذه الفوضى، أو اللعب على حبال الوقت الضائع، والاستثمار في الكراهية، وكأن المطلوب توطين فكرة السيرك والألعاب البهلوانية، وليس البلاد كجغرافيا وتاريخ.

في المحصلة بإمكاننا اختصار أمراض الكائن الهشّ بجرثومة واحدة هي: تبرير الفشل الشخصي، واختراع تاريخ بطولي مزيّف في مواجهة عدم قدرته على التحقّق في الحقل الذي كان يعمل به سابقاً، وتالياً، لن يتخلى بسهولة عن وعاء العسل في بلاد الفرنجة، مثله مثل الكومبارس المحلّي الذي وجد نفسه اليوم في الواجهة، بسبب عدم ملء الفراغات بالجملة المفيدة.
 

شارك برأيك .. لتكتمل الصورة


آخر المقالات

استطلاعات الرأي

يجب ان تختار خيار قبل ارسال التصويت
هل تعتقد أن الوقت قد حان لبدء تطبيق الدفع الإلكتروني في سوريا؟
نعم، حان الوقت لبدء تطبيقه وفرضه فوراً وهو ضروري للاقتصاد
لا، يجب إعداد بنية تحتية تقنية ومن ثم البدء بفرضه
لا، غير جاهزين بالوضع الراهن نهائياً لتطبيق الدفع الإلكتروني
النتائج
نعم، حان الوقت لبدء تطبيقه وفرضه فوراً وهو ضروري للاقتصاد
لا، يجب إعداد بنية تحتية تقنية ومن ثم البدء بفرضه
لا، غير جاهزين بالوضع الراهن نهائياً لتطبيق الدفع الإلكتروني