الإمبراطوريتين، ولكن أين؟

الإمبراطوريتين، ولكن أين؟

محمود عبد الكريم
إن ارض الصراع هي الهلال الداخلي أوروبا والشرق الأوسط ومن ضمنه تركيا وإيران وصولا إلى أفغانستان من يسيطر عليه يسيطر على العالم.
لقد شهدنا حربين عالميتين خلال عشرين عاما في أوروبا هزمت فيها إمبراطورية البر الصاعدة ألمانيا.
لم تعد أوروبا أرضا صالحة لصراع دموي طويل لعوامل موضوعية وذاتية منها مثلا إمكانية الحشد والتجنيد ومنها أن الحرب في أوروبا قد تتحول بسرعة إلى حرب نووية تقتل الجميع إنه الشرق الأوسط إذن.
وفي اللحظة الفاصلة تدخل الروس بمخاطرة بالغة الدقة في سورية وأوقفوا الغزوة الأميركية بلباسها الداعشي واستأنفوا
هجوماً مضاداً.
ثم تحولت الحرب من حرب شوارع وأبنية إلى ما يشبه حرب الخنادق والجيوش المتقابلة. لقد سقطت أمكانية التهام المشرق العربي كتمهيد لا يمكن تجنبه لإسقاط إيران وتحويل الحصار على روسيا والصين إلى حقيقة لا يمكن تخطيها.
لم تنته الحرب وربما ما تزال نهايتها بعيدة فالصراع يتعلق بمستقبل العالم بأسره وفي هذا النوع من الصراعات تسقط كل
المحرمات وقد شهدنا سقوطها بأم العين واحدة وراء الأخرى كما حبلت بنهر من المفاجآت التي كانت عصية على التصديق قبل أسبوع واحد من حدوثها: (فاجأناكم موه) العبارة الشهيرة لـ«الثوار» عام 2011. كانت المفاجأة صادمة حقا لكنها كانت أمريكية بالمطلق حقاً  وفعلا. ما يزال مشهد السفير فورد في حماة مثلا جارحا مع تابعه البولدوغ الفرنسي وما تزال تعليمات هيلاري وأوامرها للثوار على الهواء مباشرة ترن بقسوة فضائحية في كل الخراب السوري، لا تلقوا البنادق، احرقوا النفط، دمروا معامل الكهرباء، اقتلوا الطيارين، وأوامر مرافقة باتت أكثر من معلنة دمروا كل شيء، الصواريخ الدفاع الجوي المعامل سكك الحديد، الجامعات المشافي خطوط النفط والغاز، كل شيء، وقد نفذ الشباب الأوامر بحذافيرها وزادوا عليها من إبداعاتهم وتجلياتهم ما أذهل عقولنا وأفئدتنا.
وأخرها احتفالية عبد الباسط الساروت حارس «الثورة» ومنشدها الابادي بإدارة من اليساريين السابقين الذين رفعوا صور
الأيقونة في شوارع العالم بتبني غربي لالبث فيه، نعم نحن ميدان المعركة لنقولها هكذا.
بين الشرق والغرب، هذا النوع من المعارك لاينتهي بسرعة، ولايحسم بالضربات القاضية، وتشهد فصوله صعوداً ً ونزولا، وفواحش وفجوراً وتوحشاً وضراوات تجعل العقل في حيرة وشبه انقطاع عن مدركاته ويقيناته وتدفع الجمهور إلى التمسك بالخرافة لأنه لاسبيل لعقل بشري عادي أن يستوعب مجرياتها ومندرجاتها وأحداثها، وقد شهدنا صعوداً مذهلا لكل أنواع الخرافات كان أخرها خرافة الساروت من لاعب كرة قدم في منتخب الشباب إلى أسطورة؟ من يدخل إلى النت سيصاب بالدوار من سيادة التوقعات الغريبة وقرب قيام الساعة واقتراب ظهور المهدي وحتى التهديد الساحق بالمذنبات والبراكين والتسونامي والأعور.
 الدجال، علما أن الحرب السورية والعراقية والليبية واليمنية شهدت مئات ألاف العور الدجالين وعشرات الآلاف من فئة أبو رغال، دليل جيش أبرهة ومحرضه لهدم الكعبة في القرن السادس م. حروب سحقت المفاهيم والمسلمات كلها، ولعل أقساها المعنى العميق للدين كرافعة أخلاقية متسامحة وجامعة، والعروبة كانتساب جمعي وألف مشترك تاريخي وثقافي وسياسي ذرته ريح الحرب العالمية على أرضنا كطحين نثر على شوك في ليلة عاصفة وهيهات أن يجمع حتى بدا المتفائلون بإعادة جمعة أشبه بلاعبي الخفة وسحرة السيرك.
في العقل الغربي البارد والقاتل بان ثمة مسلمة لا يمكن للغرب قبولها أو التعامل معها أو تمريرها، إنها وبلا مقدمات التحالف الروسي الصيني، أي نهوض الشرق العظيم؟ الذي يطلق عليه الغرب «التحالف المميت» هذا التحالف هو رافعة نهوض الشرق العظيم، نهوضاً لا يستطيع الغرب مجرد السماع به.
كيف أذن سيتعاملون معه وقد صار حقيقة واقعة لا بل الحقيقة الأعظم في العالم المعاصر، فروسيا كنز العالم في كل مايحتاجه العالم من الرغيف، إلى كل الفلذات والطاقة والماء والأخشاب، والى جواره ودون ان يمر بأية بقعة يسيطر
عليها الغرب خزان من الثروات البشرية الصينية الخبيرة في كل شيء وبإعداد هائلة والتحالف بين العملاقين يكاد يصل
حد التطابق. فالجانبان يحتاجان بعضهما عضويا وفي كل شيء والطرفان لديهما نفس الأعداء وطموح لايحد للحضور الذي لا عودة عنه في مقدمة العالم، أميركا تمارس التهويل والصخب والاكشن وتستخدم الثلاث ورقات ومنها الورقة الاسلامية بكل مندرجاتها وروسيا العملاق المتطلع إلى الغرب وخلفه ثروة العالم وأوروبا العجوز المدنفة التي تكاد تكف الا عن ابداع لاعبي كرة القدم. أنها معركة الشرق والغرب لقيادة العالم بين غرب افل وشرق ناهض بقوة محيرة
ومدهشة، فوق أرضنا تجري فصول اخطر تداعيات هذا الصراع الكوني التاريخي الرهيب ولايمكن تجنبه.
هنا الجوهر والاس والمعنى وعلى أساسه سوف يتحدد المال ويكتب فصل الختام. أن ماتبقى هو تزويق اللوحة لإقناع
المقاتلين بضرورة استمرار القتال، ملحمة مخيفة لاسبيل للتراجع فيها أو النكوص أو الإعياء والتعب، كل طرف ينتظر الأخر على حد السكين، لكن المؤكد أن التحالف الروسي الصيني ومعه حلفاءه الموضوعيين في المنطقة والعالم غير قابل للهزيمة، لكنه بالتأكيد يقبل بتسوية تاريخية هو الرابح الأكبر فيها.
والغرب أمام خيارين، أما الحرب التي قد تتطور إلى محرقة كونية أو التسوية وقبول خسائرها، فإلى أين يمضي العالم؟
من كفرنبودة إلى شنغهاي؟
 

شارك برأيك .. لتكتمل الصورة


استطلاعات الرأي

يجب ان تختار خيار قبل ارسال التصويت
هل تعتقد أن الوقت قد حان لبدء تطبيق الدفع الإلكتروني في سوريا؟
نعم، حان الوقت لبدء تطبيقه وفرضه فوراً وهو ضروري للاقتصاد
لا، يجب إعداد بنية تحتية تقنية ومن ثم البدء بفرضه
لا، غير جاهزين بالوضع الراهن نهائياً لتطبيق الدفع الإلكتروني
النتائج
نعم، حان الوقت لبدء تطبيقه وفرضه فوراً وهو ضروري للاقتصاد
لا، يجب إعداد بنية تحتية تقنية ومن ثم البدء بفرضه
لا، غير جاهزين بالوضع الراهن نهائياً لتطبيق الدفع الإلكتروني