هذا النفق المظلم!

هذا النفق المظلم!

خليل صويلح

ﻓﻲ بلاد الهويات المكتملة، تصنّف الدراما التلفزيونية كمادة مسليّة لربات المنازل وحسب، بالطبع لن يوافقني أحد على وضع هذه الدراما في منزلة متدنيّة، فهي تحتل الواجهة عربياً لجهة التأثير الجمعي، منذ أن انتصرت شخصية المشاهد على شخصية القارئ، واندحار الكتاب أمام الحنفيّة المفتوحة للشاشة الصغيرة، على حساب أجناس فنيّة راقية كالسينما والمسرح.

مهما يكن، فنحن أمام مطحنة بصرية فرضت نفسها على الفضاء العام بوصفها خزّاناً ثقافياً بديلًا للأجناس الإبداعية الأخرى المندحرة بقوة دفع القرار السياسي في المقام الأول، وإلا ما سرّ انتشار عشرات المحطات التلفزيونية التي تبث المسلسلات، فيما تغلق دور السينما والمكتبات أبوابها، وفيما يحتضر المسرح، دون أن تُقرأ الفاتحة على روحه؟ عدا حقبة الأبيض والأسود كمنتج محلي تماماً، وحفنة من الأعمال الملوّنة النوعية المهرّبة تحت مظلة الفكر التنويري، لا يحق لنا أن نطلق اسم دراما سورية باطمئنان على هذا المنتج الهجين الذي اغرق السوق، في العقد الأخير، على نحوٍ خاص، إذ كنّا نصدّر بضاعة بلا هوية وفقاً لمتطلبات السوق الخليجية، لا تختلف كثيراً عن بضائع سوق الحميدية بفارق علامة المهارة لدى الأخيرة، وذلك بعد اقتحام الهواة والعاطلين عن العمل والمخيّلة بشجاعة الجهل وحدها باب الدراما المفتوح على مصراعيه.

نستثني هنا بالطبع بعض الأعمال المنجزة برصانة، لكنها، حيال الأمواج الجارفة لدراما ”الغرض بعشرة“، تبدو مثل وجود الكرام على مائدة اللئام. هكذا تفتت الهوية المحليّة لهذه الدراما على مراحل، لنسف تاريخ حضاري طويل، وخصوصية ثقافية راسخة، وذلك بإعادة الاعتبار إلى المسلسلات البدوية أولًا، ثم أتت موجة الفانتازيا التاريخية تلك التي عملت على إقصاء التاريخ والجغرافيا معاً، ثم جاءت موجة البيئة الشامية كأفضل نموذج لإعادة إنتاج التخلف ممزوجاً بعسل الحنين، نساء مجللات بالسواد، ورجال بشوارب مفتولة، وإذا بالتاريخ الوطني رهينة بأيدي القهوجي والحلّاق وقطّاع الطرق، وبدلًا من نبش كنوز المكتبة الظاهرية وتراجيديا القاع، وانتهاك القوانين، صدّرنا الكبة والمحاشي والغنج الأنثوي الشامي كبديل لصناعة اللذة المصرية المستهلكة.

هكذا خرجت الثقافة ﺍﻟﺘﻨﻮﻳﺮﻳﺔ ﻣﻦ "ﺍﻟﺒﺎﻳﻜﺔ" ﻭﻟﻴﺲ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﺪﺍﺭﺱ ﻭﺍﻟﺠﻤﻌﻴﺎﺕ ﻭﺍﻟﺼﺤﻒ. ﻣﺎ ﺃﻥ ﺍﻛﺘﻔﻰ ﺻﺎﺣﺐ ﺭﺃﺱ ﺍﻟﻤﺎﻝ ﺍﻟﻮﺍﻓﺪ، ﻣﻦ ﺍﻟﻐﻨﺞ ﺍﻟﺸﺎﻣﻲ ﺍﻟﻘﺪﻳﻢ ﺣﺘﻰ ﺍﻟﺘﻔﺖَ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻐﻨﺞ ﺍﻟﻤﻌﺎﺻﺮ ﺑﺠﺴﺎﺭﺓ ﺃﻛﺒﺮ، ﻓﺄﻣﺮ ﺑﺨﻠﻊ ﺍﻟﻌﺒﺎﺀﺓ ﻭﻣﺎ ﺗﺤﺘﻬﺎ، ﻟﻴﻔﺘﺘﺢ ﺍﻟﻤﺸﻬﺪ، ﻫﺬه ﺍﻟﻤﺮّﺓ، ﺑﺄﻋﻤﺎﻝ ﻣﻦ ﻃﺮﺍﺯ“ﺻﺒﺎﻳﺎ“ ﺑﺄﺟﺰﺍﺋﻪ ﺍﻟﻤﺘﻌﺪﺩﺓ، ﺛﻢ ﺃﻏﻠﻖ ﺍﻟﻘﻮﺱ ﻋﻠﻰ ﺑﺪﺍﻭﺓ ﺟﺪﻳﺪﺓ، ﻭﻧﺴﺨﺔ ﻣﻘﻠّﺪﺓ ﻟﻠﺪﺭﺍﻣﺎ ﺍﻟﺘﺮﻛﻴﺔ، ﻟﻨﺠﺪ ﺃﻧﻔﺴﻨﺎ ﻓﻲ ﻋﺮﺍﺀ ﺍﻟﺠﻐﺮﺍﻓﻴﺎ ﻭﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺦ، ﻣﺮّﺓ ﺃﺧﺮﻯ ، ﺩﻭﻥ ﺃﻥ ﻧﻨﺴﻰ ﻣﺮﺣﻠﺔ ﺩﺭﺍﻣﺎ ﺍﻟﻌﺸﻮﺍﺋﻴﺎﺕ، ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺘﻲ ﻭﺟﺪﺕ ﺗﺴﻠﻴﺔ ﻣﻤﺘﻌﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﻔﺮﺟﺔ ﻋﻠﻰ ﺑﺸﺮ ﻣﻨﻜﻮﺑﻴﻦ، ﻣﻦ ﺩﻭﻥ ﺃﻥ ﺗﺸﻴﺮ ﺑﻌﻤﻖ ﺇﻟﻰ ﺳﺒﺐ ﺍﻟﺒﺆﺱ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﻠﻘﻲ ﺑﻈﻠﻪ ﺍﻟﺜﻘﻴﻞ ﻋﻠﻰ ﺣﻴﻮﺍﺗﻬﻢ، ﻣﺜﻠﻤﺎ ﺃﺩﺍﺭﺕ ﻇﻬﺮﻫﺎ ﻟﻠﻄﺒﻘﺎﺕ ﺍﻟﻔﺎﺳﺪﺓ ﺍﻟﺘﻲ ﺃﻟﻘﺖ ﺑﻬﺆﻻﺀ ﻓﻲ ﻋﺮﺍﺀ ﺍﻟﻬﺎﻣﺶ، ﻭﺍﻟﺤﺎﻝ ﻓﺈﻧﻨﺎ ﻟﻦ ﻧﺴﺘﻌﻴﺪ ﻫﻮﻳﺔ ﻫﺬه ﺍﻟﺪﺭﺍﻣﺎ، ﺑﺪﻭﻥ ﺭﺃﺱ ﻣﺎﻝ ﻭﻃﻨﻲ ﻧﻈﻴﻒ، ﻭﺇﺑﻌﺎﺩ ﺗﺠﺎﺭ ﺍﻟﺨﺮﺩﺓ ﻭﺍﻟﻜﺒﺎﺏ ﺍﻟﺤﻠﺒﻲ ﻭﺗﺒﻴﻴﺾ ﺍﻷﻣﻮﺍﻝ ﻣﻦ ﺟﻬﺔ، ﻭﺍﻟﻬﻮﺍﺓ ﻣﻦ ﺟﻬﺔٍ ﺛﺎﻧﻴﺔ ﻋﻦ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻔﻀﺎﺀ، ﻭﺇﻗﺼﺎﺀ ﺩﺭﺍﻣﺎ ﺍﻟﻨﻔﺎﻕ ﺍﻟﺘﻲ ﺃﻭﺻﻠﺘﻨﺎ، ﻓﻲ ﻧﻬﺎﻳﺔ ﺍﻟﻤﻄﺎﻑ، ﺇﻟﻰ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻨﻔﻖ ﺍﻟﻤﻈﻠﻢ.

ﺍﻟﻔﻨﺎﻧﺔ ”ﺱ“ ﺗﺸﻌﻞ ﻣﻮﺍﻗﻊ ﺍﻟﺘﻮﺍﺻﻞ ﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻲ ﺑﻨﺸﺮﻫﺎ ﺻﻮﺭﺍً ﺟﺮﻳﺌﺔ، ﻫﺬه ﺍﻟﻌﺒﺎﺭﺓ ﻛﻔﻴﻠﺔ ﺑﺠﺮّ ﻗﻄﻴﻊ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﺘﺎﺑﻌﻴﻦ ﻳﺘﻔﻮّ ﻕ ﺑﻤﺮﺍﺣﻞ ﻋﻠﻰ ﺣﺎﺩﺛﺔ ﺍﺷﺘﻌﺎﻝ ﺣﺮﻳﻖ ﺣﻘﻴﻘﻲ ﻓﻲ ﻣﺪﻳﻨﺔ ﻣﻨﻜﻮﺑﺔ، ﺧﺎﺻﻴﺔ ﺍﻻﺷﺘﻌﺎﻝ ﻫﻨﺎ ﺗﺘﻌﻠّﻖ ﺑﺼﺪﺭ ﻣﻜﺸﻮﻑ ﺃﻭ ﻣﺆﺧﺮﺓ ﺑﺎﺭﺯﺓ، ﻹﺣﺪﻯ ﺍﻟﻤﺠﻬﻮﻻﺕ ﻓﻲ ﻣﺤﺎﻭﻟﺔ ﺑﺎﺋﺴﺔ ﻻﺳﺘﺪﺭﺍﺝ ﻣﺨﺮﺝ ﺃﻭ ﻣﻨﺘﺞ ﺇﻟﻰ ﺑﺴﺘﺎﻥ ﺛﻤﺎﺭﻫﺎ ﺍﻟﻤﺤﺮّﻣﺔ، ﻭﻧﻘﻞ ﻗﻴﺪ ﻧﻔﻮﺳﻬﺎ ﻣﻦ ﺧﺎﻧﺔ ﺍﻟﻜﻮﻣﺒﺎﺭﺱ ﺇﻟﻰ ﻣﺮﺗﺒﺔ ﻧﺠﻤﺔ ﻓﻲ ﻣﺴﻠﺴﻞ ﺃﻭ ﻓﻴﻠﻢ، ﻭﻫﻮ ﻣﺎ ﻳﻨﺠﺢ ﻏﺎﻟﺒﺎً، ﺫﻟﻚ ﺃﻧﻨﺎ ﺳﻨﻔﺎﺟﺄ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺪﻭﺍﻡ ﺑﻮﺟﻮه ﺟﺪﻳﺪﺓ، ﻻ ﻧﻘﺼﺪ ﺑﺎﻟﻄﺒﻊ  ﺣﻔﻴﺪﺍﺕ ﺷﻜﺴﺒﻴﺮ ﻭﺭﺍﺳﻴﻦ ﻭﺑﻴﻜﻴﺖ، ﻣﻤﻦ ﺩﺭﺳﻦ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﻌﺎﻫﺪ ﺍﻟﻤﺴﺮﺣﻴﺔ، ﺇﻧﻤﺎ ﻧﺠﻤﺎﺕ ﺍﻟﺴﻴﻠﻴﻜﻮﻥ ﺍﻟﻤﺘﺴﻜﻌﺎﺕ ﻓﻲ ﺍﻷﺭﻭﻗﺔ. ﻧﺤﻠﻢ ﺃﻥ ﻧﻘﺮﺃ ﻋﻦ ﺍﺷﺘﻌﺎﻝ ﺍﻟﺴﻮﺷﺎﻝ ﻣﻴﺪﻳﺎ ﺑﺨﺒﺮ ﻋﻦ ﺷﺨﺼﻴﺔ ﺧﻄﻔﺖ ﺍﻧﺘﺒﺎه ﺍﻟﻤﺸﺎﻫﺪﻳﻦ ﻓﻲ ﻋﻤﻞ ﺗﻠﻔﺰﻳﻮﻧﻲ ﻟﺠﻬﺔ ﻣﻬﺎﺭﺓ ﺍﻷﺩﺍﺀ، ﻭﺍﻟﺤﻀﻮﺭ ﺍﻟﻤﺨﺘﻠﻒ، ﻟﻜﻨﻨﺎ ﺳﻨﻘﻊ ﺛﺎﻧﻴﺔ ﻭﺛﺎﻟﺜﺔ ﻋﻠﻰ ﺧﺒﺮ ﺍﺷﺘﻌﺎﻝ ﺁﺧﺮ ﺑﺴﺒﺐ ﺍﻟﻘﺒﺾ ﻋﻠﻰ ﺷﺒﻜﺔ ﺩﻋﺎﺭﺓ ﻳﺪﻳﺮﻫﺎ ﺍﻟﻔﻨﺎﻥ(ﺱ)، ﺃﻭ ﺍﻟﻔﻨﺎﻧﺔ(ﺱ) ﻭﻛﺄﻥ ﺍﻻﻧﺤﻄﺎﻁ ﺑﺎﺕ ﺳﻤﺔ ﻓﻨﻴﺔ، ﺫﻟﻚ ﺃﻥ ﺍﺷﺘﻌﺎﻻﺕ ﺃﺧﺮﻯ ﺳﺘﺸﺐّ ﻫﻨﺎ ﻭﻫﻨﺎﻙ ﻷﺳﺒﺎﺏ ﻣﺸﺎﺑﻬﺔ ﺗﺘﻌﻠﻖ ﺑﺎﻟﻤﺨﺪﺭﺍﺕ ﻣﺜﻼً ، ﻧﺤﻦ إﺯﺍﺀ ”ﺑﺎﺯﺍﺭ“ ﻓﻀﺎﺋﺢ. ﻻ ﺗﻔﺘﺸﻮﺍ ﺇﺫﺍً، ﻋﻦ ﺟﻤﻠﺔ ﻣﻔﻴﺪﺓ ﻓﻮﻕ ﺳﺒﻮﺭﺓ ﺍﻟﺘﻠﻔﺰﻳﻮﻥ، ﻃﺎﻟﻤﺎ ﺃﻥ ﺍﻟﺒﻀﺎﻋﺔ ﺍﻟﻤﻌﺮﻭﺿﺔ ﻣﻐﺸﻮﺷﺔ ﻭﻣﻜﺘﻮﺑﺔ ﻋﻠﻰ ﻋﺠﻞ.

شارك برأيك .. لتكتمل الصورة


استطلاعات الرأي

يجب ان تختار خيار قبل ارسال التصويت
هل تعتقد أن الوقت قد حان لبدء تطبيق الدفع الإلكتروني في سوريا؟
نعم، حان الوقت لبدء تطبيقه وفرضه فوراً وهو ضروري للاقتصاد
لا، يجب إعداد بنية تحتية تقنية ومن ثم البدء بفرضه
لا، غير جاهزين بالوضع الراهن نهائياً لتطبيق الدفع الإلكتروني
النتائج
نعم، حان الوقت لبدء تطبيقه وفرضه فوراً وهو ضروري للاقتصاد
لا، يجب إعداد بنية تحتية تقنية ومن ثم البدء بفرضه
لا، غير جاهزين بالوضع الراهن نهائياً لتطبيق الدفع الإلكتروني