فن الاحتيال على المواطن

فن الاحتيال على المواطن

حمص - عتاب حسن

  فن تطويع الأتمتة
منذ سنوات عدة، والتجارب الحكومية المتلاحقة لضبط التلاعب بالمحروقات، وتهريبها تبوء بالفشل، ذلك أنَّ محاولات ضبط الحدود، وتشديد الرقابة على الطرق العامة، لم تفلح إلا في الإمساك ببعض صغار المهربين، وبقي المتلاعبون الحقيقيون مسيطرين على السوق السوداء للمشتقات النفطية.  
وكان لتجربة إدخال البطاقات العائلية، وتنظيم الدور عن طريق المخاتير ولجان الأحياء، دوراً في زيادة المحسوبيات، والظلم الواقع على من كان اتكاله على الله فقط.
وبعدها قامت الحكومة  بإدخال التكنولوجيا إلى سوق التوزيع ببطاقات "ذكية" سواء للمركبات أو للمنازل، لتصبح الرقابة على التوزيع (مؤتمتة ومركزية)، للحد من العامل البشري المؤثر بأهوائه وطمعه على التوزيع، ومن أسف سبق هذا التطبيق الجديد ابتكار فنون التحايل والاحتيال، ليصبح الإجراء المتخذ عقيماً كغيره من الإجراءات، ذلك أنَّ مشاريع الأتمتة الجديدة، التي استبشر بها "المتفائلون" على أمل تخليصهم من نير المتسلطين والمحسوبيات، لم تقدم جديداً سوى أنها ضاعفت الازدحام وزادت من سلطة السوق السوداء، ولم تسهم في تحصيل شيء من المحروقات المسَّربة إلى جيوب المتنفذين .
حمص وحماة نموذجاً:
واقعياً، وفي مراحل سابقة، لم تكن المحافظات السورية كافة على سوية واحدة من حيث التلاعب بكمية المحروقات وغيرها من مشاكل، فدمشق والمحافظات الساحلية إن لم تكن الأفضل، فهي أقل سوءاً من بقية المحافظات، في الوقت الذي تخطت به محافظتا حمص وحماه مستويات قياسية من حيث التفلت والرقابة المفقودة  

حمص خط "الزعران"!
في حمص، وبسبب خروج كثير من محطات المدينة عن الخدمة جراء الأزمة، وبقاء القليل منها عاملاً، ابتدع أصحاب المحطات أسلوباً، فريداً لتنظيم الدور بتقسيمه إلى دور عادي و خط "عسكري" مخصص أساساً للعسكريين و السيارات الحكومية، و التسمية جاءت مثل العادة للمتاجرة بالأزمة و باسم الجيش و العسكريين ، وواقعياً  هذا الخط يغص بالزعران من مرتدي البدلة العسكرية زوراً و حاملي البطاقات المزورة أو منتهية الصلاحية (و التي صدرت قرارات بإلغائها) مع المحسوبين على صاحب المحطة و منهم من يمتهن تعبئة البنزين و بيعه لمرات عدة يومياً، ثم يأتيك خط آخر للدخول، و هو خط "الأكثر زعرنة" و هم كبار الزعران، راكبوا سيارات الدفع الرباعي المفيمة مع أتباعهم ،و هؤلاء لهم ميزة الدخول المباشر "بالمعاكس" و عرقلة الدور حتى يقوموا بالتعبئة، والمواطن العادي (مدنياً كان أم عسكرياً) ليس له سوى الانتظار بصمت،  لأن أصحاب المحطات استعانوا بعدد من البلطجية كموظفين لديهم بهدف حل أي إشكال، و تربية أي مواطن معترض على آلية الدخول للمحطة عن طريق الكلام البذيء والضرب إذا تطلب الأمر، و لم يغير إدخال البطاقة "الذكية" شيئاً من هذا الواقع فأصحاب المحطات أكثر دهاءً من البطاقة و واضعيها، و جميعهم قاموا بجمع عشرات البطاقات ليقوموا بالتعبئة من رصيدها لمن يرغبون، هذا عدا   بطاقة الماستر المخصصة لحالات معينة والتي قاموا بتخصيصها لمصلحتهم الشخصية فقط، والأمر ينسحب أيضاً على بعض المحطات الحكومية، فالمواطن يعاني من نفس الظواهر الآنفة الذكر، وإن كانت بنسب قليلة، لذا فهي تشهد إقبالاً أكثر من غيرها.
  يزداد هذا المشهد تعقيداً في الأرياف بسبب انعدام الرقابة تماماً، فأغلب المحطات مقفلة أمام العامة والجواب جاهز: "خلصنا"، والتوزيع ينحصر وقت وصول الصهاريج، لساعة أو اثنتين على الأكثر، وبعدها تُقفل المحطة أمام المواطنين لتفتح أبوابها للمهربين والتجار، وهذا ما يفسّر وجود الأكشاك المنتشرة على الطرقات مليئةً بالمحروقات بسعر السوق السوداء و بكمية غير محدودة ، و من يريد التأكد فإن جولةً بسيطةً على طريق حمص طرطوس و على طريق قريتي المختارية  المشرفة إلى السلمية، كفيل بإثبات ما سبق ذكره .
حماه محطات بلا رقابة
في حماه بدا الوضع مشابهاً، فالمحطات بلا رقابة، وعادة ما تكون مقفلة، ويعتمد أصحابها على البلطجية المنتشرين حولها، لاسيما في الريف الحموي، الذين درجت عندهم عادة بأخذ البطاقة الآلية من صاحبها في عملية هي أشبه "بتوطين الحساب المصرفي"، والغرض الاستيلاء على الكمية المتبقية فيها، وكثير من سكان منطقة سهل الغاب اشتكوا إلى "المشهد" أنهم يضطرون للسفر مسافة 60 كم إلى مدينة جبلة، لتعبئة الوقود هرباً من زعرنة أصحاب المحطات و لتوفر الوقود هناك دائماً بعكس منطقتهم التي يقول بعضهم أن أغلب كميات الوقود يتم تهريبها خارج المنطقة و كما هو الحال في حمص فالبنزين و المازوت متوفر بكثرة في محلات البيع و الأكشاك و بكميات غير محدودة .
هذا المشهد بتعقيداته لم يتولد من فراغ، ولا ريب أن تضافر العديد من العوامل أوصل الحال لما هو عليه، من انعدام الرقابة وفسادها  إن وجدت إلى انعدام الأخلاق لأصحاب المحطات و انتشار الزعران و فوضى السلاح، وللعلم فإنه حصل في السنوات الأخيرة من الأزمة تكاثر للعديد من المحطات بشكل غير منطقي، ورغم هذه الزيادة،  فأزمة الوقود إلى تصاعد، و هذا يفضي حتماً إلى كون هذه المحطات تمتهن بيع المحروقات للمهربين أساساً، لأن أغلب من يملكونها هم من تجار الأزمة (محدثي النعمة) و قد فضلوا استثمار أموالهم في هذا المجال لما فيه من أبواب مشرعة للزعرنة و الاحتيال وهو يناسبهم تماماً.
أسئلة كثيرة تراود ذهن المواطن الذي يتلقى يوماً تلو الآخر سلسلة من الضربات عبر قرارات _ذكية_ من الحكومة.
هل ستسمر الحكومة في رحلة البحث عن حلول أكثر ذكاءً؟! أم أنَّ سماسرة الوطن سيجدون طرقاً أكثر ذكاءً من هذه الحلول؟!
 نحن بدورنا نتمنى أن تجد الحكومة حلولاً ناجعة، وأن تكون أكثر ذكاءً، ولا عيب في تحويل  جزء من ذكاء هذه البطاقات الى الجهات المناط بها مهام المراقبة والردع للمتلاعبين والسماسرة.

 

شارك برأيك .. لتكتمل الصورة


استطلاعات الرأي

يجب ان تختار خيار قبل ارسال التصويت
هل تعتقد أن الوقت قد حان لبدء تطبيق الدفع الإلكتروني في سوريا؟
نعم، حان الوقت لبدء تطبيقه وفرضه فوراً وهو ضروري للاقتصاد
لا، يجب إعداد بنية تحتية تقنية ومن ثم البدء بفرضه
لا، غير جاهزين بالوضع الراهن نهائياً لتطبيق الدفع الإلكتروني
النتائج
نعم، حان الوقت لبدء تطبيقه وفرضه فوراً وهو ضروري للاقتصاد
لا، يجب إعداد بنية تحتية تقنية ومن ثم البدء بفرضه
لا، غير جاهزين بالوضع الراهن نهائياً لتطبيق الدفع الإلكتروني

الأكثر مشاهدة هذا الشهر