كف اليد احتراز أم عقوبة؟

كف اليد احتراز أم عقوبة؟

عتاب حسن
لا يكفي الموظف السوري همومه المعيشية وضعف دخله وارتهانه الأبدي للعلاقة الوظيفية مع مؤسسته في كل مناحي الحياة، ليكون لديه هاجس جديد يؤرقه عند حصول أبسط إشكال، فحادث سير مثلاً، هو أمر متوقع الحدوث عند كثيرين، وسقفه توقيف لبضعة أيام يتابع بعدها المواطن حياته الطبيعية، ولكن بالنسبة إلى الموظف ضمن القطاع الحكومي فهو أشبه بكارثة تهدد وظيفته ودخله بسبب حالة كف اليد التي ستصدر بحقه، جراء غيابه عن موقع عمله لأيام وربما لأشهر، ولعل البحث في هذا الموضوع سابقاً لم يكن شائعاً بسبب عدم شيوع كف اليد، غير أن الأزمة السورية الزاخرة بالإشكالات أعطت مفاعيل جديدة لموضوع كف اليد  مثل (تشابه الأسماء) جعلت منه حالةً إشكاليةً، من الضروري وضع ضوابط قانونية لها كي لا تصبح مطيةً لكل مجتهد في التفسير على هواه، بالشكل الذي لا يجعل الموظف فريسة لأية شكوى أو تقرير كيدي.


كف اليد قانونياً
الكف الإداري والحكمي كف اليد، كتدبير وقائي معرّف بالقانون على أنه (توقيف العامل عن عمله مؤقتاً) وتتخذه السلطة العامة (سواء الجهة العامة أم القضاء) كنوع من التحفظ غايته إبعاد العامل عن مكان عمله للاشتباه بقيامه بأعمال مخالفة للقانون، ومنصوص عليه في المادة / 89 / من قانون العاملين رقم / 50 / لعام 2004 وفي قانون المحاكم المسلكية رقم / 7/ لعام 1991 (المواد 11-7-6-5 ) وقانون الهيئة المركزية للرقابة، والتفتيش رقم / 24 / لعام 1981 (المادة 47 منه)، إضافةً إلى باقة من التفسيرات والآراء المتفرقة الصادرة عن الجهاز المركزي للرقابة المالية ولجنة القرار رقم / 1/ المختصة بتفسيرات قانون العاملين إضافةً إلى الآراء الفقهية القانونية، ومجلس الدولة، وديوان المحاسبات، وفي بيان ذلك يتضح أنَّ لهذا الإجراء شكلان أساسيان هما: كف اليد الإداري أو الحكمي الإداري يتم فرضه ورفعه بقرار من الجهة العامة التي يتبع لها الموظف أو من الهيئة المركزية للرقابة والتفتيش وذلك، في سياق إجراء تحقيق ما يخص الموظف وحتى نهاية التحقيق، أما الحكمي (و هو الأكثر إثارةً للجدل) فهو الذي يحصل بحكم الواقع، أي عندما يتم توقيف الموظف من قبل الجهات المختصة (أمنيةً كانت أم قضائية) وبغض النظر عن سبب التوقيف إذا كان متعلقاً بالعمل أم لا، إلى حين إخلاء سبيله.

ثغرات وتناقضات
على أرض الواقع تبدأ الإشكالات حقيقة بالظهور في معرض تطبيق أحكام حالة كف اليد بسبب قصور النصوص الناظمة لها وغموضها من جهة، والتعامل الكيفي من قبل بعض الجهات مع هذه الحالة، إضافةً إلى ارتباط حالات قانونية وإدارية أخرى بآثار كف اليد، علماً أنه في المبدأ العام لا ضير أن يكون للسلطة العامة حق كف يد العامل أو رفعه. فإحدى الحالات الغامضة تتعلق بآثار العفو العام وأثره على كف اليد، لم يرد أي نص يعالج هذه الحالة، والنص الوحيد الذي يمكن الاستناد عليه، هو رأي لمجلس الدولة يعتبر فيه أنَّ العفو العام يعادل البراءة إذا لم يكن يفوقها، كونه لا يمحو العقوبة فقط، بل والجرم أيضاً، ولكن هذا الرأي لا يُطبق حالياً على حالة كف اليد، وعن ثغرات أخرى تظهر مسألة تتعلق بلزوم الحصول على موافقة أمنية للعودة إلى العمل في حال تجاوزت مدة كف اليد / 15 / يوماً أياً كان سبب كف اليد، وإن حصل مكفوف اليد على براءة قطعية، أو منع محاكمة، أو عدم مسؤولية، ذلك أنَّ هذه الموافقة كفيلة بأن تُبقي الموظف منتظراً لأسابيع وربما لأشهر، حتى ترد من الفرع الخاص برئاسة مجلس الوزراء، وما يثير الغرابة أكثر هو قيام بعض الجهات بطلب الموافقة الأمنية لإعادة مكفوف اليد، حتى لو كانت مدة التوقيف أقل من / 15 / يوماً، كنوع من المبالغة في الواجب » ولزوم مالا لزوم له .«

الكيفية في التعامل
تبرز إلى الواجهة قضية احتساب الخدمة في حالة ”كف اليد“ إذ تسيطر الكيفية في احتساب الخدمة (مكفوفة ومن ثم ساقطة، ومن ثم مفقودة) في موضوع احتساب الخدمة المؤهلة للترفيع، والتقاعد، إذ يبرز إشكال يتعلق بمدة كف اليد، والتعامل معها، وتأشير قراراتها، فالمبدأ يقول أنَّ قرار إنهاء كف اليد لا يحتاج إلى تأشير الجهاز المركزي للرقابة المالية(استناداً إلى رأي لجنة القرار / 1/ سابقة الذكر)، غير أن هذه الفترة تدخل في مدة الترفيع الدوري للعامل، وبالمحصلة سيحتاج إلى تأشير الجهاز وهنا يقع التناقض الذي لا يوجد نص واضح في القانون يحكمه، فبعض المفتشين يرفضون احتساب مدة كف اليد من الخدمة، والبعض يقبلون، والأمر بالمحصلة كيفي بالمطلق. من ناحية أخرى، وفي آخر اجتهادات الجهاز المركزي للرقابة المالية، فقد قسّم الفترات المتعلقة بهذا الموضوع إلى ثلاثة أقسام: القسم الأول وهو فترة كف اليد وتخضع إلى نوع الكف (إداري –حكمي) وسببه (توقيف –محاكمة –تحقيق)وسبب إنهاءه (براءة-إخلاء سبيل....)، والقسم الثاني هي الفترة الفاصلة بين إخلاء السبيل ووضع الموظف نفسه بتصرف الجهة العامة التي يتبع لها وهي ”فترة ساقطة“ تسقط فيها المطالبة بالأجر أو احتساب الخدمة أما الفترة الثالثة فهي المدة الفاصلة بين وضع الموظف نفسه بتصرف الجهة العامة، وبين ورود الموافقة الأمنية اللازمة وتعتبر ”خدمة مفقودة“ لا يستحق العامل عنها أجراً ولا تحتسب ضمن خدمته الفعلية إلا إذا قام برفع دعوى أمام القضاء الإداري وحصل على حكم قطعي بذلك.

الفساد هو الحل
ما يثير الانتباه أن أغلب الموظفين الذين تم استقصاء آرائهم (سواء كانوا من مكفوفي اليد أم لم يكونوا) اتفقت آراؤهم على نقطة واحدة وهي أن الموظف يجب أن –يدبر رأسه-بشتى الطرق (واسطة- مال-تحايل....) سواء لناحية عدم توقيفه أو إخفاء التوقيف عن جهة العمل أو لإنقاص فترة التوقيف تحت / 15 / يوماً، أو لناحية تأشير قراراته من الرقابة المالية، أحد الموظفين الذين التقتهم المشهد ورفض ذكر اسمه تحدث عن الكيفية والتباين في التعامل من حالة إلى أخرى، ذلك أنَّ حالات كثيرة دفعت موظفين إلى أساليب ملتوية لحل أوضاعهم، وأضاف قائلًا: “عدم توضيح وتنظيم مثل هذه الأمور، سيدفع الموظف إلى اللجوء للفساد بشتى أشكاله كحل منطقي. بدوره يشرح (س-أ) أحد موظفي القطاع العام أنه تعرَّض للتوقيف من قبل الجهات المختصة نتيجة تقرير كيدي من أحد زملائه في العمل، على إثر خلاف شخصي، ليتبين بعدها أنَّ التقرير كاذب وكيدي، وأضاف:“ تم إخلاء سبيلي لأقع في دوامة الموافقات اللازمة لرفع كف اليد حتى عدت في النهاية إلى عملي، لأصدم بعدها بمشكلة تأشير قرار الترفيع من الجهاز المركزي للرقابة المالية، وحاولت كثيراً أن أشرح بأنني لم أحصل على حكم براءة قضائي، كون قضيتي لم تُعرض على القضاء أساساً، حيث قمت بتقديم كتب إلى الجهات الأمنية التي أوقفتني، ومن المحامي العام، وكل ذلك لم ينفع، وما يزيد الطين بلة أنني لم أستطع رفع دعوى قضائية على شركتي بسبب نقلي إلى شركة أخرى، حيث حصلت على تأشير القرار عبر أساليب أخرى“. موظف آخر يقول: “تم توقيفي لمدة 16 يوماً بسبب ادعاء كيدي -بحسب ادعائه- حيث خرجت وأنا قيد المحاكمة حاليا، ذلك أنني انتظرت الموافقة الأمنية لأسابيع، إذ لا تزال هذه الفترة معلّقة في خدمتي إلى حين انتهاء المحاكمة، وسأحاول بشتى الطرق الحصول على حكم البراءة كي لا أفقد فترة الخدمة“.

توضح المحامية رجاء عنقة ل”المشهد“ أنَّ كف اليد بالرغم من أنه إيقاف مؤقت للعامل عن عمله سواء كان حكمياً أم إدارياً إلا أنه يثير كثيراً من التساؤلات نظراً لقصر المواد التي تعالجه في القانون الأساسي للعاملين في الدولة وترك الباب واسعاً للاجتهادات والتي تتناقض في كثير من الأحيان خاصةً فيما يتعلق بالجرم المتعلق وغير المتعلق بالوظيفة، وأثر العفو العام ووجود بعض الفجوات في إعادة العامل. وأضافت عنقة:“ موضوع انتظار ورود الموافقة الأمنية لطالب الإعادة إلى العمل قد يترك العامل وأسرته دون مردود مادي لفترة طويلة الأمر الذي يؤثر على معيشته، عدا عن الأثر الاجتماعي لهذه الحالة“.

الكف الاجتماعي
بعيداً عن حيثات وصعوبات هذه الحالة، وأكثر من موضوع الصعوبة المادية المتعلقة بتوقف أجر العامل فإن النظرة الاجتماعية المليئة بالريبة والشك من العامل المكفوف اليد وأسرته تضيف أثراً جديداً لما تم ذكره سابقاً، ولا يغير ذلك احتمالية براءته وعودته للعمل، وسيدفع ثمن كف يده ”كفاً اجتماعياً“ يعطيه مزيداً من السلبيات، والتي لا ينقص الموظف في الأساس أي منها، معيشية ومادية ووظيفية، وبالنهاية فإن مجمل ما تم ذكره هو الأساس في عزوف من يستطيع عن الوظيفة العامة ومحاولته البحث داخل وخارج البلد عن فرصة للعيش بلا ”كفوف“ أو صفعات حياتية هو متخم بها أساساً.

قصة مأساة الأجور
في نقطة لا تقل أهمية عن سابقاتها، وهي موضوع الأجور وحساب الخدمة، فوفقاً للقانون فإنَّ أجر العامل يتوقف ابتداءً من أول الشهر الذي يلي تاريخ كف اليد، وحتى إنهاءه، إذ تعاد للعامل مستحقاته عند حصوله على حكم قضائي بالبراءة مُكتسب بالدرجة القطعية، ولكن ماذا عن الموظف الذي أوقف، وتم إخلاء سبيله دون محاكمة (كمن أوقف في حالة تشابه أسماء)؟!!. يُفترض وفق القوانين الحالية أن يضع ”المكفوف“ نفسه تحت تصرف الجهة العامة التي يتبع لها كبداية، ومن ثم الانتظار لحين ورود الموافقة الأمنية، ليقوم بعدها برفع دعوى أمام القضاء الإداري بهدف الحصول على حكم قطعي بإعادة أجوره، علماً أن كلفة إقامة دعوى وتوكيل محامٍ، قد تفوق أجر العامل لأشهر عدة، وهذا ما يدفع البعض ممن تعرضوا لحالة كف اليد، أن ينسوا أجورهم عقوبة؟!! وعوضهم على الله.


 

 

شارك برأيك .. لتكتمل الصورة


استطلاعات الرأي

يجب ان تختار خيار قبل ارسال التصويت
هل تعتقد أن الوقت قد حان لبدء تطبيق الدفع الإلكتروني في سوريا؟
نعم، حان الوقت لبدء تطبيقه وفرضه فوراً وهو ضروري للاقتصاد
لا، يجب إعداد بنية تحتية تقنية ومن ثم البدء بفرضه
لا، غير جاهزين بالوضع الراهن نهائياً لتطبيق الدفع الإلكتروني
النتائج
نعم، حان الوقت لبدء تطبيقه وفرضه فوراً وهو ضروري للاقتصاد
لا، يجب إعداد بنية تحتية تقنية ومن ثم البدء بفرضه
لا، غير جاهزين بالوضع الراهن نهائياً لتطبيق الدفع الإلكتروني

الأكثر مشاهدة هذا الشهر