"الانتحار" بين المرض النفسي واليأس من الحياة..

"الانتحار" بين المرض النفسي واليأس من الحياة..

"سامحوني لم أعد أحتمل هذه الحياة،الله والموت أرحم " آخر كلمات خطها أحدهم قبل أن يلف حبلاً على رقبته من سقف منزله ويدفع برجليه الكرسي ليلفظ أنفاسه الأخيرة.
للأسف كثرت في الآونة الأخيرة حالات الانتحار ضمن المجتمع السوري هذه الظاهرة التي كانت شبه غائبة عن عادادتنا وحياتنا الاجتماعية المتماسكة إلا فيما ندر.
واللافت في الأمر أن الغالبية العظمى -إن لم تكن بالمجمل- عند فئة الشباب ما يطرح جملة من إشارات الاستفهام والتساؤلات والتي بدورها للأسف معروفة الأجوبة والأسباب.
وبسؤال الاختصاصيين عن أسباب ودوافع الانتحار وما هي الشريحة المؤهلة له؟ أجابوا أن الأشخاص المرضى نفسياً هم الأكثر قياماً بهذه العملية، ليكون لبعض الأدوية والمواد المخدرة اليد المساعدة بها،ولفتوا إلى أن الضغوط النفسية والآثار الناتجة عن الحرب والأزمة التي مرت بها البلاد وما خلفته من تعطيل للحياة الاقتصادية والاجتماعية والفقر والموت والفقد كان له الأثر الأكبر في انتشار هذه الظاهرة.
وبالعودة للفئة الأكثر إقداماً على الانتحار وهي فئة الشباب إن كان من الذكور أو الإناث نجد أن حالة اليأس وفقدان الأمل بالحياة وانعدام فرص العمل وتطوير الذات وعدم وجود الدعم المادي والمعنوي إن كان من المجتمع القريب كالأهل لانعدام القدرة أو الحكومي لوجود أولويات ومسؤوليات أكبر في ظل الحرب الطويلة القائمة،ناهيك عن الأسباب الخاصة بضعف الإحساس بالقدرة على تحمل المسؤولية والواقع المفروض وبالتالي الهروب واختيار قرار إنهاء الحياة والموت.
وبالسؤال عن الحلول لمنع وتفادي الوصول لهذا القرار لفت المختصون إلى أهمية غرس مبادئ تحمل المسؤولية والتعايش ضمن جميع الظروف وإيلاء الأولاد منذ نعومة أظفارهم الاهتمام والرعاية والحب والترابط الأسري والدعم للحفاظ على أسرة سوية يعرف أبناؤها قيمة الحياة بحلوها ومرها وضرورة الرضى بالواقع وتقبله والعمل على إشغالهم بأمور تطور قدراتهم وتعطيهم الدافع للتمسك بالحياة وتقبلها.
لا يخفى على أحد أن للأسرة المسؤولية الأكبر في إقدام المنتحر على إنهاء حياته فلو أنه وجد البيئة الحاضنة للحياة لفكر ملياً قبل اتخاذه هذا القرار ولكانت دموع أمه وحسرة أبيه وعويل أشقائه الرادع الأكبر لتوقفه وتمسكه بالعيش،ولكن للأسف نجد أن غالبية المنتحرين يعانون من أسرة متفككة تتفاجأ كبقية السامعين بخبر انتحار ابنهم أو ابنتهم وعندها لا دموع ندم تعيد الروح لذلك الجسد اليائس.
وبالعودة للظروف الاستثنائية التي تمر بها البلاد طفت على سطح الظاهرة أسباباً أخرى للانتحار فقصر حال اليد والفقر المحدث المتفشي كالنار في الهشيم وفقد الأحبة وانعدام فرص العمل والغلاء الفاحش وعدم قدرة الشباب على العيش حياة طبيعية بدراسة وعمل وحب وتأسيس أسرة وزواج واقتناء منزل وفرشه وإنجاب أطفال وتأمين حياة رغيدة لهم،فكم سمعنا بشباب وضعوا حداً لحياتهم لأسباب كهذه،وكم سمعنا بآباء انتحروا لعدم قدرتهم على تأمين أبسط متطلبات أبنائهم والأمثلة تطول وتطول.
الموت قادم لا محالة وهو حق على كل العباد،ولكن الانتحار مرفوض في جميع الشرائع السماوية والأعراف الاجتماعية بالرغم من جميع الظروف المؤهلة له فهو لا يلغي الواقع ولا يهب الحلول بل يزيد الحسرة والندم على من بقي.
بالمحصلة لسنا بزمن المعجزات ولا نملك عصىً سحرية تحقق الأمنيات،الحرب الطويلة ألقت بأثقالها وأوزارها علينا جميعاً،بعضنا وجد يداً أو سنداً أوحتى همسة بثت الأمان في أجساد متعبة ورسمت الأمل ولو سراباً نجري لنحصله،ولكن بالمقلب الآخر هناك الكثيرون لم يلقوا القشة التي يتعلقون بها ليمضوا في الحياة قدماً في ظل ظروف صعبة أفقدتهم الأمل بالحياة فكان الانتحار اختيارهم وسلامهم.
بالختام:الانتحار قرار صعب ونهاية مؤسفة لحياة شخص فقد كل أمل بالحياة،أجل كل أمل فلو كان لديه مجرد بصيص ولو ضعيف لامتنع عنه،وهنا دعوة للأهل ولحكومتنا على حد سواء بتوفير البيئة الحاضنة والظروف المناسبة لأبناء هذا البلد المظلوم وتحمل المسؤولية كل في مجاله، فشبابنا أمانة الله في أعناقكم، وأرواحهم بيد خالقها فلا تدفعوهم لعصيانه باستهتاركم وإطعامهم اليأس معجوناً بخبزهم ليلفوه حبلاً على رقابهم وتدفعوا أنتم الكرسي من تحت أقدامهم.

شارك برأيك .. لتكتمل الصورة


استطلاعات الرأي

يجب ان تختار خيار قبل ارسال التصويت
هل تعتقد أن الوقت قد حان لبدء تطبيق الدفع الإلكتروني في سوريا؟
نعم، حان الوقت لبدء تطبيقه وفرضه فوراً وهو ضروري للاقتصاد
لا، يجب إعداد بنية تحتية تقنية ومن ثم البدء بفرضه
لا، غير جاهزين بالوضع الراهن نهائياً لتطبيق الدفع الإلكتروني
النتائج
نعم، حان الوقت لبدء تطبيقه وفرضه فوراً وهو ضروري للاقتصاد
لا، يجب إعداد بنية تحتية تقنية ومن ثم البدء بفرضه
لا، غير جاهزين بالوضع الراهن نهائياً لتطبيق الدفع الإلكتروني

الأكثر مشاهدة هذا الشهر