ماذا بعد زمن كورونا إذا كان هناك بعد؟

ماذا بعد زمن كورونا إذا كان هناك بعد؟

أثبت أزمة الفيروس التاجي كوفيد 19 أنه عندما تسوء الأمور، تكون قوى السوق الحر هي أول من ينهار، هذا ماحدث عندما وقفت الشركات الكبرى، تلك الديناصورات العملاقة عاجزة وغير قادرة على تقديم المبادرة والحلول.

سياسات اللبرلة الاقتصادية، وانسحاب وتحييد دور الدولة، بحماس شديد، أدى إلى تبديد الثروات أو تمركزها في ايدي قلة من النخب، بدلاً من استثمارها في القطاعات الحيوية

في نهاية المطاف، وفي أوقات الأزمات، يتطلع الجميع إلى الدولة


من أهم سمات هذا العصر أن النيوليبرالية أصبحت ديناً جديدا تبنّاه كتاب ومفكرون، وحتى مثقفون مرموقون، لبوا الدعوات إلى مؤتمرات دافوس المسماة خداعا بالاجتماعية، وانتشوا برفقة الرؤساء والنجوم وأثرياء العالم، وقبلوا أن يكونوا ديكورات ضرورية، ، لتجميل بشاعةٍ تزاوج الرأسمال العالمي بالسياسة.
 
لا يمكن التقليل هنا من الفساد المالي في وصول العالم إلى مدى من العزلة والذعر غير مسبوق في العصر الحديث، فنحن نكتب ولا نعرف مصير العالم أو مصيرنا الشخصي، إلا بدرجة قد يشعر المرء فيها بأنه لا فائدة من الكتابة، فكل من عارض النظام العالمي القائم تم تهميشه، وحركة مناهضة العولمة التي انطلقت في التسعينيات تم تهميشها، بل والاستهزاء منها أيضا، مشكلة النظام الرأسمالي العالمي في عهد كورونا أنه ساهم في إغراقنا جميعا، إلا إذا اقتضت حساباته المالية محاولة إنقاذ البشرية، رغبة في إنقاذ نفسه، وجرّنا إلى مصيبة جديدة إذا لم نتصدّ لها.


حتى رئيس متطرف مثل دونالد ترامب، الذي بذل كل ما في وسعه لإضعاف الدولة، أدرك أنه بدون تدخل حكومي مكثف، فإن السوق - مع البورصة كمؤشر - سيستمر في الانهيار. وخلص إلى أنه يجب تعبئة سلطة الدولة، الحكومة الفيدرالية، لإنقاذ الاقتصاد ومنع البطالة الجماعية. ووصول البلاد إلى حافة الكساد الكبير.
.
 الرأسمالية لا تتعلم
 يبدو أن هناك موجة عالمية لتحميل الصين مسؤولية انتشار فيروس كورونا ولا تكاد تخلو وسيلة اعلامية غربية إلا وفيها غمز من طرف الصين وتشويه لطريقتها في معالجة أزمة كورونا، والتصدي للوباء، رغم أن هذه الأمة العظيمة قدمت نموذجاً في الرعاية الاجتماعية والتفاني وفي حين كانت هناك فرصة للغرب للاستفادة من التجربة الصينية والتعجيل بأخذ احتياطات مناسبة، إلا أن كل دول الاتحاد الأوروبي وأمريكا ودول أخرى في العالم تأخرت في ردود الفعل.

التهمة الظالمة للصين بأنها تأخرت في نشر المعلومات، جاءت حجة لتوجيه اللوم وتحميل المسؤلية، ولكن أي دولة كانت ستصاب بالذعر لو كانت مكان الصين، بالنظرا لهول الكارثة التي حلت فجأة، فيروس خطير مستجد وآلاف الوفيات وعشرات آلاف الإصابات كانت كفيلة بإحداث صدمة لأي مجتمع في العالم.
 الدولة في الصين أثبتت أهمية دور الدولة، الدولة التي اهتمت بالجميع ووفرت كل شيء للجميع وقامت الطواقم الطبية والعلمية وامكانات الدولة الأخرى بالتفاني في تقديم المساعدة
 وقف الغرب يتفرج على الصين شامتاً ومتمنياً فشلها وسقوطها اقتصادياً واجتماعياً كما فعل مع إيران، وعندما وصلت الكارثة الى ايطاليا وقلب القارة القديمة انكشف معها الضعف والتهلهل في الجسم السياسي والاجتماعي وضعف الدولة الغربية في الاستجابة لمواجهة الكوارث، فخلال عقود من الزمن روجت الليبرالية الجديدة لتنحي الدولة عن قيادة المجتمع، وروجت بكل إمكاناتها تسليم زمام الأمور الى مجموعة من الشركات ورجال المال بحجج سوقتها آلة إعلامية جبارة وعالمية الانتشار وبلغت الصفاقة أوجها بتسمية الفيروس بالفيروس الصيني وفيروس ووهان.


 في النتيجة كانت الشركات ورأس المال أول المنسحبين من مواجهة الكارثة المستجدة، ليس فقط  لم يقدموا المساعدة. بل تم تجيير امكانات الدولة لانقاذها وانقاذ  النظام المالي في أمريكا مثلاً بأكثر من 2 تريليون دولار كدفعة أولى. وقدم لقطاع الطيران نصفها، بينما لم يلتفت النظام لتطوير قطاع الرعاية الصحية الذي استنزف وتم تدميره لصالح شركات الأدوية وشركات التأمين العملاقة.

و ظهرت الحاجة جلية لدور الدولة ومؤسساتها وإلى نظام الرعاية التكافل الاجتماعي الذي دمرته السياسة

النيوليبرالية المتوحشة

حسبها العقل الليبرالي البارد القائم على تحقيق الربحية أن موت كل متقدم في العمر سيوفر على نظام الرعاية الصحية 280 ألف يورو سنويا
 ودعا إلى اتباع نظرية القطيع في انتشار المرض مما أدى إلى انتشاره بسرعة أوضحت أن الجسم الطبي لا يستطيع تحمل عدد المصابين  مما دفع جونسون وترامب إلى تغيير سياستهما، على حين سارعت  الصين وقامت الدولة بما يجب أن تقوم به،  خاصة على الصعيد الاجتماعي والرعاية الصحية للجميع .

المضحك والهزلي في أوروبا أن يطلع ماكرون مستنكرا موقف الصين وروسيا اللتين قدمتا المساعدة لإيطاليا وحذر من المساعدات الصينية والروسية مشككا بها.
هذا الموقف يدعو إلى التمعن أكثر في انحطاط الموقف الغربي عموما من هذه المسالة وبدلاً من المسارعة إلى مساعدة أيطاليا وهي في نفس الحلف ونفس المركب الغربي يلجؤون إلى عزلها وحصارها، ويتفقون على عدم مساعدتها مالياً من الاتحاد الأوروبي.
قمة التخلي عن المسؤوليات الإنسانية والأخلاقية والعته السياسي.

 إلى أين أيها العالم الأعمى؟
أما وأن الفايروس صار وصفة عالمية لنقارن بين معالجة الصين وروسيا للأزمة، وبين موقف أوروبا وأمريكا، الفرق واضح، منتهى الاهتمام وتحمل المسؤولية في الصين وروسيا من خلال مجموعة إجراءات مدروسة وشاملة الفائدة لعموم المواطنين، إجراءت بمنتهى الجدية وتحمل المسؤولية إذا اعتمدت سياسة العلاج والمواجهة الحكومة، بينما لجأ الغرب إلى حساب الأزمة بالقروش
يبدو أننا لم ندرك بعد بوضوح إلى أي مرحلة وصل الانحطاط الأخلاقي للنظام الرأسمالي باعتماد سياسات قائمة على مصلحة الربح والربح فقط،   الغرب يحسب كم سيخسر  من مأساة كورونا، وكم سيربح إذا ترك الأمر لاستراتيجية القطيع،
على العكس فقد انحصر هم ترامب بما ذا سيضره أو ينفعه الأمر انتخابيا هو ومنافسه الديمقراطي الذي سارع إلى التصريح باستبعاد برامج الرعاية الصحية من برنامجه الانتخابي وبدا واضحاً انه سباق لإرضاء وتمثيل الطغمة المالية القائمة على تحقيق الربح والفائدة لصالح نظام 1% .
 بالمقابل سارع الرئيس الروسي إلى اقتراح وتنفيذ مجموعة من الإجراءات والحلول اللازمة ووضع خريطة طريق لاستيعاب الأثر السلبي على بلاده
المقارنة مع مافعله ترامب وجونسون باستثناء ميركل لم يكن أي من الرؤساء الأوروبيين على مستوى الازمة وظهروا وكأنهم مجموعة من الموظفين الفاشلين.
 
ماذا بعد كورونا إذا كان هناك بعد؟

الاقتصاد القائم على تحقيق أرباح هائلة لن يكون له مستقبل العالم بعد الآن وهذا العالم أصبح أكثر فقرًا وهشاشة ليتحمل شركات متوحشة هدفها تحقيق الربح بأي طريقة والميل المخيف للاحتكار أشد خطورة على الاقتصاد العالمي وشعار الرأسمالية" دعه يعمل دعه يمر" لم يعد له وجود، من يريد العمل عليه الخضوع ومشاركة الكبير بأرباحه، العالم صار أفقر وأقل قدرة على التحمل، وسياسة النهب وتمركز رأس المال بيد واحد أواثنين بالمائة لم يعد قابلا للحياة،

بعد كوفيد 19 ما الذي ينتظر العالم؟

شارك برأيك .. لتكتمل الصورة


استطلاعات الرأي

يجب ان تختار خيار قبل ارسال التصويت
هل تعتقد أن الوقت قد حان لبدء تطبيق الدفع الإلكتروني في سوريا؟
نعم، حان الوقت لبدء تطبيقه وفرضه فوراً وهو ضروري للاقتصاد
لا، يجب إعداد بنية تحتية تقنية ومن ثم البدء بفرضه
لا، غير جاهزين بالوضع الراهن نهائياً لتطبيق الدفع الإلكتروني
النتائج
نعم، حان الوقت لبدء تطبيقه وفرضه فوراً وهو ضروري للاقتصاد
لا، يجب إعداد بنية تحتية تقنية ومن ثم البدء بفرضه
لا، غير جاهزين بالوضع الراهن نهائياً لتطبيق الدفع الإلكتروني

الأكثر مشاهدة هذا الشهر