"خريجون جامعيون بلا عمل" فمن المسؤول عن أحلامهم المهدورة؟

"خريجون جامعيون بلا عمل" فمن المسؤول عن أحلامهم المهدورة؟

خاص - نور علي
لم يعد كافياً أن تحصل على شهادة علميّة حتى تجد وظيفة أو عملاً مناسباً، فهذه الشهادة باتت للحائط فقط، وليست لك، ماعليك أيها الخرّيج الجامعي إلّا أن تختصر الطّريق على نفسك وتدرك ذلك من البداية، وتقتنع أنّ الحصول على وظيفة بات من المستحيلات. المضحك أكثر أنّك إن حصلت المعجزة ووجدت عملاً فلن يكون هذا العمل من اختصاصك، بل باختصاص بعيد عنك وقد يكون حرفة لاعلاقة للتعليم والشّهادة بها.

بطالة خريجي الجامعات باتت مشكلة متجذّرة « حصراً » في المجتمع السوري، ولعلّ الانعكاسات السّلبية للحرب وقعت بشكل أكبر على الاقتصاد، ما ساهم في تفاقم هذه المشكلة، وزاد الحاجة إلى إيجاد حلول جذريّة لها.

خريجون بمعدلات عالية ولكن "حظاً أوفر"
على اختلاف شهاداتهم وارتفاع معدّلاتهم، إلّا أّنهم في خندق واحد للبطالة، وحتّى من يعمل بينهم فطبيعة عمله بعيدة كلّ البعد عن مجاله الدراسي كما قلنا سابقاً، أما من يعمل منهم ضمن اختصاصه فهو  واحد من اثنين إمّا  «مدعوم» أو « محظوظ » وسواهم يبقى عاطلًا عن العمل وشتان مابين الاثنين. 

 لم تعد الشهادات تفيد، ولم تعد المعدّلات العالية لها وزن أو قيمة، نحن الشّباب أحلامنا بات تحقيقها مجرّد وهم، فمثلًا كيف لي أن أفكّر في أيّ مستقبل وأنا مجرد عامل براتب أقل من خمسين دولار؟

المشهد التقت بعض النماذج من طلاب وطالبات لايعرفون شيئاً عن مستقبلهم، يقول باسل وهو خريج كلية التجارة والاقتصاد: مضى على تخرّجي 3 سنوات  بمعدل 84 من 100 ، تقدّمت للعديد من المسابقات الخاصّة بالتّوظيف ولكن لم يكن لدّي الدّعم الكافي لأنجح، وبمعنى أصحّ لم يكن لدي شخصيّة اعتباريّة تدعمني، فهذا حال البلد، لم علينا الاختباء وراء إصبعنا؟ لم تعد الشهادات تفيد، ولم تعد المعدّلات العالية لها وزن أو قيمة، نحن الشّباب أحلامنا بات تحقيقها مجرّد وهم، فمثلًا كيف لي أن أفكّر في أيّ مستقبل وأنا مجرد عامل بوفيه؟، هذه هي الحصيلة بعد سنوات كثيرة من الدّراسة والتّعب“.

سوار لم يكن بأحسن حال من باسل، فهو خرّيج كليّة العلوم قسم الفيزياء ورغم معدّله العالي فهو حتّى اللّحظة لم يحظ بأي فرصة عمل مهما كان نوعها، يقول سوار :“ شعور سيء وصعب أن تدرس وتجتهد على مدار سنواتٍ لترى ثمرة هذا الجّهد تتعفّن أمام عينيك، وأن تجاهد في سبيل الحصول على عملٍ دون جدوى، وتطرق أبواباً شتّى وتغلق جميعها في وجهك، والأصعب من كلّ ذلك أن اضطر لطلب مصروفي اليومي من والدي، بدل أن أعطيه، كما لو أّنني طفل صغير، حقّاً وصلت لمرحلة اليأس الكلّي، فلا أنا أوفّق بعمل ولا أنا أملك الإمكانيات للسّفر فما الحل؟.

يقف في أول المجمّع وينادي على الخضار والفواكه، ليجذب الزّبائن إلى الإقبال عليها وشرائها، إّنه ”سليمان“ خريج إدارة الأعمال، يقول ”سليمان للمشهد: “عندما دخلت فرع إدارة الأعمال اعتقدت أّنني قد أجد فرصة عمل تناسب فرعي ودراستي، ولكن لم يخيّل إليّ يوماً أّنني سأدير أعمال بعض أصناف الخضروات، وأنّ سنين العمر الدّراسية ستنحصر في هذا المربّع الذي أحمل فيه بضاعتي، أكبر كذبة سمعتها في حياتي هي أنّ الشهادة سلاح ومستقبل، مضحك حقاً، فكم كنت مغفّلًا عندما صدقت من قال لي ذلك“.

من 500 ألف إلى 3 مليون ثمن التوظيف
إذا كنت تحلم بوظيفة حكومية فما عليك سوى أن تدفع الرّقم الفلاني للمسؤول الفلاني، أو لمن يخصه واترك الباقي عليهم، وطبعاً لكلّ وظيفة سعر فليست جميع الوظائف سواسية والمبلغ يرتفع حسب حساسية مكان التّعيين.

يقول محمود للمشهد عندما فقدت أمل النّجاح بمسابقات التّوظيف، قال لي أحد أصدقائي أنّ أحدهم يستطيع أن يوظّفني مقابل مبلغ 500 ألف ليرة سورية مقسمة على مرحلتين، النّصف الأول قبل التوظيف، والثّاني بعد الحصول على الوظيفة، مع العلم أنّ المبلغ المذكور يصلّح للتّوظيف إما في الجامعة أو مؤسسة الإسكان فقط“.

أما ”رائد“ فكان له نفس التّجربة ولكن بمبلغ مختلف حيث قال :“أثناء تواجدي في إحدى مسابقات التوظيف قال لي فلان من النّاس أنّ النّتيجة محسومة والأسماء النّاجحة تمّ اختيارها وانتهى الأمر، وهذه الامتحانات شكلية لا أكثر، لكن بإمكانه مساعدتي في الحصول على وظيفة في المديرية التي أختارها، مقابل مبلغ مليون ليرة بالضّمانات التي أريدها“، وأضاف رائد :“سألت هذا الشخص إن كان بالإمكان تعييني ضمن المرفأ، فقال لي أنّ هذا ممكن ولكن سعر الوظيفة هنا يرتفع إلى 3 ملايين ليرة ”.
الطموحات تدفن والكفاءات تهجرّ حسب الإحصاءات فإن أكثر من ٪33 نسبة طلبات الهجرة الشرّعية التي قدمّها طلاب وشباب سوريون إلى السفّارات المتاحة في بلدهم، وأكثر من 41٪ طلبات هجرة غير شرعيةّ بقصد السفّر والهروب من واقع البطالة الذي بات كابوسا يلاحق أغلبهم ويدفن آمالهم.

يقول ”شادي“ وهو ماجستير رياضيات :“قراري بالسفّر لم يأت من فراغ، ولكن عندما أتعرضّ في بلدي لكافة أنواع الذلّ لكي أحصل على فرصة عمل أقل ما يمكن أن نصفها بالمحترمة، فأعتقد أن الغربة في هذه الحالة ربما تكون هي الأب الرحيم“، أماّ ”جابر“ ماجستير هندسة حاسوب فيقول :“لا أبالغ أبدا إن اعتبرت أن شهادتي تخولّني أن أكون مبرمجا في كبرى الشركات، ولكنيّ في بلدي لست سوى مسؤول عن محل ألعاب إلكترونية للأطفال، وكل المساعي لأن أكون في موقعي كمهندس على الأقل لم تلق سوى الصدّ.
عندما اخترت هذا الفرع كنت أعتقد أن الدولة مسؤولة عن الخريّجين، حتى اتضح لي أن كل شخص مسؤول عن نفسه فقط، وإن كنت أريد إيجاد كياني كإنسان، فالسفّر هو أفضل خيار“.

في جميع المحافل والملتقيات العلميةّ يتصدرّ السوّريون المراكز الأولى، وفي جميع دول العالم يكون الأطباء والعلماء السوّريين هم النخّبة، عقول سورية نيرّة بدل أن يتم احتواءها وتطويرها واستثمارها فيما يخدم الوطن، يتم تقليصها ودفنها وعدم إخراجها إلى النوّر، لتغدو اليوم متخبطة في قاع البطالة وظلمات الحرب وعيونها تتجّه إلى مكان واحد الغرب.


 

شارك برأيك .. لتكتمل الصورة


استطلاعات الرأي

يجب ان تختار خيار قبل ارسال التصويت
هل تعتقد أن الوقت قد حان لبدء تطبيق الدفع الإلكتروني في سوريا؟
نعم، حان الوقت لبدء تطبيقه وفرضه فوراً وهو ضروري للاقتصاد
لا، يجب إعداد بنية تحتية تقنية ومن ثم البدء بفرضه
لا، غير جاهزين بالوضع الراهن نهائياً لتطبيق الدفع الإلكتروني
النتائج
نعم، حان الوقت لبدء تطبيقه وفرضه فوراً وهو ضروري للاقتصاد
لا، يجب إعداد بنية تحتية تقنية ومن ثم البدء بفرضه
لا، غير جاهزين بالوضع الراهن نهائياً لتطبيق الدفع الإلكتروني

الأكثر مشاهدة هذا الشهر