البيان المتاهة!

البيان المتاهة!

قدم السيد رئيس مجلس الوزراء عرنوس البيان الوزاري لحكومته لنيل ثقة مجلس الشعب، جاء البيان في اثنين وعشرين صفحة واشتمل على عناوين عريضة وبرغم أنه لا يعكس خارطة العمل التي جاءت في كلمة السيد رئيس الجمهورية التوجيهية للحكومة , إلا أنه بتضمن كل شيء , فقد بحث وسائل زيادة الأجور والحوافز للموظفين الحكوميين وتأمين الدواء رفع معدلات التشغيل والتحصيل الضريبي والحد من التهريب، والعمل على استقرار سعر الصرف وتوفير المواد الأساسية للمواطنين ومحاربة كورونا بالإضافة إلى إصلاح القطاع الصناعي ومكافحة الفساد والإصلاح الإداري والقضائي وتطوير السياسات في مجال كذا وكذا.....الخ , وبما أنه لا أحد  سيتذكر شيئا , والجميع سينظر للبيان على  أنه" وثيقة بروتوكولية" تفتقد لآليات التنفيذ والجدول الزمني ومصادر التمويل , حفل البيان  بالعناوين الفضفاضة والجمل الإنشائية وتمت صياغتها بشكل  " لائحة أماني وطموحات..." مع أن البيانات البروتوكولية تعتبر آلية عفا عنها الزمن وانقرضت . 
 صحيح أن هذا البيان الوزاري يتم تقديمه من قبل الحكومات، كإجراء دستوري لازم لنيل الثقة من مجلس الشعب ولا يثير انتباه أحد، ولكن لأن الوضع الاقتصادي في البلد يعاني من حالة فقر وحصار وركود وانكماش غير مسبوق، فإن الناس باتت تترقب الإجراءات الحكومية علها تجد فيها ملامح فرج , أو ترشدهم إلى طريق لمواجهة الأزمات العميقة التي تعصف بهم، ولأنهم خبروا خيبات أمل مزمنة مع الحكومات السابقة شككوا بإمكانية تنفيذ حتى جزء مما ورد في البيان.
تركز الغالبية العظمى من الناس على نقطتين أساسيتين: النقطة الأولى: زيادة الدخل وفرص العمل بعد أن تراجع الأداء الاقتصادي وتأكلت قيمة الليرة السورية وتدنت قدرتهم الشرائية على حدود كبيرة، الثانية: تأمين المشتقات البترولية والكهرباء، لأنه بدونها يعني أنه لا انتاج زراعي أو صناعي.. ولا نقل ولا يستطيع الناس الذهاب إلى أشغالهم والطلاب إلى جامعاتهم، 
ضمن الاسئلة والملاحظات الكثيرة على البيان، ورد بند يتعلق بتحديث النظام الضريبي والانتقال إلى ضريبة المبيعات بدل الضريبة النوعية "الضرائب المتعددة" ... معروف أن الانتقال إلى ضريبة المبيعات تستلزم فرض نظام الفوترة، وإلزام البائعين بنظام كاشيير واحد ليتم تحصيل ضريبة المبيعات وأن تذهب حصيلة هذه الضريبة إلى الخزينة العامة وليس إلى جيوب أصحاب المحلات، الضريبة بحد ذاتها .... مجدية وحصيلتها كبيرة وكثير من الدول طبقتها قبل عقود ومازالت مستمرة بها....,. ولكن، هل نحن جاهزين لعملية أتمتة شاملة بما تحتاجه من بنية تحتية وشبكات وأجهزة وبرمجيات؟؟ 
بكل الأحوال، في ظل قدرة شرائية منخفضة جدا لعموم الناس، والمبيعات تكاد تقتصر على المواد الغذائية والأدوية والسلع الأساسية وهي معفاة أصلا من الضريبة، لا أعتقد بأنه الوقت المناسب للانتقال إلى ضريبة المبيعات، هذه ليست النقطة الوحيدة المحابية للتجار والمستوردين الواردة في البيان، هناك بند آخر بخصوص تخفيف الأعباء الجمركية، ومعروف أن كبار المستوردين سيكونون المستفيدين الوحيدين من هذا البند الغير ضروري وغير مفهوم.
بالرغم من الأزمات الكثيرة التي يعيشها غالبية أفراد الشعب  ومدى تأثيرها على حياتهم , فإن المشكلة الأساس تكمن في الدخل المنخفض لعموم الناس وما ينجم عنها من مشاكل اقتصادية واجتماعية وانسانية, إن سبب الشرور كلها في أي دولة يتلخص بانخفاض القدرة الشرائية للراتب الشهري , حتى انصراف الكثير من الشباب عن التعليم سببه أنهم  رأوا بأعينهم , أن رواتب المتعلمين هزيلة جدا ,سواء للموظفين أو المعلمين وأساتذة الجامعات وصولا إلى أعلى المناصب,  في ظل هذا الواقع البائس يترقب الناس,  فرج ما أو تغير للأفضل ربما أتت به قرارات أو سياسات حكومية ....حتى الآن لا أحد يرى ضوء في نهاية النفق . 
لتنفيذ ما ورد في البيان أو جزء منه , يجب البحث عن تمويل , ومن أجل ذلك , لا بد أن تعيد الحكومة حساباتها كاملة , فتعيد النظر في كل الممكنات الكبيرة التي لديها من مرافق عامة ومؤسسات إنتاجية وثروات باطنية , ومراجعة العوائد الاستثمارية  لجميع ممتلكاتها بما فيها أملاك الأوقاف وغيرها ,وأن تقوم بإعادة تقييم هذه الممتلكات واستيفاء عائد استثماري يوازي مثيلاته بأسعار اليوم لا كما كانت الأسعار قبل عقود وهذا من شأنه أن يرفد الخزينة بمئات المليارات ,واعتقد أن هذه العوائد  يجب أن يتم ربطها بمؤشر وتعديلها بشكل روتيني حسب  قيمة هذا المؤشر , وليكن هذا المؤشر يعتمد على أسعار سلة من السلع مثلا (القمح والذهب ....الخ , 
معروف، أن الحكومة تاريخيا يصعب أن تخلق أو تبدع حلولا تتطلب نوع من التفكير بشكل غير عادي ومن خارج الصندوق، إن التغيرات الكبيرة لا يمكن توقعها من حكومة تعمل بالأسلوب البيروقراطي، الظروف الاستثنائية التي نمر بها اليوم تستلزم وجود هيكليات خارج الجسم الحكومي، مثل مجلس أو هيئة تضم شخصيات وطنية يمكن أن تخرج بحلول خلاقة قابلة للتنفيذ ...وليس مجرد عبارات منمقة وعبارات إنشائية جميلة ولكنها عبارة عن أوهام وأحلام،
 ويبقى السؤال .... هل سنبقى ندور في دوامة الفقر والبؤس وننتقل من أزمة إلى أخرى، وأمنياتنا تقع في أسفل هرم ماسلو للاحتياجات الإنسانية الأساسية؟

شارك برأيك .. لتكتمل الصورة


استطلاعات الرأي

يجب ان تختار خيار قبل ارسال التصويت
هل تعتقد أن الوقت قد حان لبدء تطبيق الدفع الإلكتروني في سوريا؟
نعم، حان الوقت لبدء تطبيقه وفرضه فوراً وهو ضروري للاقتصاد
لا، يجب إعداد بنية تحتية تقنية ومن ثم البدء بفرضه
لا، غير جاهزين بالوضع الراهن نهائياً لتطبيق الدفع الإلكتروني
النتائج
نعم، حان الوقت لبدء تطبيقه وفرضه فوراً وهو ضروري للاقتصاد
لا، يجب إعداد بنية تحتية تقنية ومن ثم البدء بفرضه
لا، غير جاهزين بالوضع الراهن نهائياً لتطبيق الدفع الإلكتروني