"5 أشهر هزت معيشة السوريين" بالأرقام: أسعار 9 سنوات بكفة .. وأسعار 2020 بكفة أخرى!

"5 أشهر هزت معيشة السوريين" بالأرقام: أسعار 9 سنوات بكفة .. وأسعار 2020 بكفة أخرى!

زياد غصن
بخطى متسارعة تتصاعد وتيرة الغلاء في الأسواق المحلية، فعلى مدار الأشهر الأولى من العام الحالي زادت أسعار السلع والمواد بمقدار يعادل الزيادة التي حصلت منذ بداية الأزمة ولنهاية العام 2019 . ومن المتوقع أن يستمر مسلسل الارتفاع السعري مع استمرار تراجع سعر صرف الليرة ودخول قانون »قيصر « حيز التنفيذ في شهر حزيران، وهو يعني مزيداً من الضغوط على الوضع المعيشي للسوريين.

 إذ وبحسب دراسة نشرتها مدرسة لندن للاقتصاد، فإن أسعار »جميع السلع والخدمات العامة زادت تقريبًا 27 ضعفًا عن مستواها في 2010 مقارنة ب 17 مرة في كانون الثاني 2020 .

 ومن المهم ملاحظة أنه منذ شهر كانون الثاني 2019 ، كانت الزيادة المتراكمة في مؤشر أسعار المستهلك لكافة السلع وصلت إلى ٪ 230 . وهذا يعني أنه في أيار 2020 ارتفعت أسعار جميع السلع 3.3 مرة مقارنة بمستواها في كانون الأول .«2018

 وتضيف الدراسة التي أعدها الباحث السوري زكي محشي أن »التقديرات تشير إلى ارتفاع أسعار المواد الغذائية والمشروبات في سورية بمعدل 32.5 مرة منذ عام 2010 . وقد حدث ما يقرب من نصف هذه الزيادة خلال الأشهر الخمسة الأولى من عام 2020 ، وخاصة في شهر أيار. الزيادة في مؤشر أسعار المستهلك للأطعمة والمشروبات كانت أعلى من مؤشر أسعار المستهلك لجميع السلع نظراً لعوامل عديدة، أبرزها العوائق التي تحول دون تمكن الحكومة من استيراد المواد الغذائية وتخزينها، واحتكار بعض التجار في السوق لبعض المواد الغذائية .«

 وكان من الطبيعي في ضوء هذا الارتفاع غير المسبوق في أسعار السلع والمواد، أن تتعمق ظاهرة انتشار الفقر بين السوريين وليتجاوز معدلها العام ما كانت قد أعلنته منظمة الأمم المتحدة بداية العام 2019 من أن نسبة انتشار الفقر بين السوريين وصلت لحوالي 85% . وهذا ما خلص إليه أيضاً المركز السوري لبحوث السياسات في تقريره الصادر مؤخراً، والذي أكد فيه أن »مؤشر أسعار المستهلك ارتفع 18 ضعفاً بين شباط 2011 وكانون الأول 2019 ، وهو ما أدى إلى تدهور حاد في الدخل الحقيقي للأسر وزيادة معدلات الفقر «. فقد بلغ »متوسط خط الفقر الكلي للأسرة الواحدة في الشهر 280 ألف ليرة سورية في نهاية عام «2019 . ويمكن في ضوء ذلك تخيل عدد الأسر التي دخلت في دائرة الفقر بحديه الأعلى والأدنى، لاسيما مع استمرار تدني الدخل الفردي، وتسجيل »معدل البطالة تراجعاً من حوالي % 51.8 عام 2016 إلى حوالي % 42.3 في العام الماضي، حيث فقد سوق العمل حوالي 3.7 ملايين فرصة عمل، وهو ما رفع »نسبة الإعالة الاقتصادية من 4.13 شخص لكل مشتغل في العام 2010 إلى 6.4 شخص في العام .«2019

 مشجب سعر الصرف!

 تُلقى المسؤولية في كل ذلك على ما لحق بالإنتاج السلعي والخدمي من تدهور وتخريب كبيرين خلال سنوات الحرب، وكذلك على »كاهل « سعر صرف الليرة الذي تراجع بشكل كبير منذ بداية العام 2019 ، وهو أيضاً ما يتحجج به الصناعيون والتجار في معرض دفاعهم عن المتغيرات التي طرأت على أسعار منتجاتهم المحلية أو المستوردة. ورغم إعلان المصرف المركزي تمويله لبعض المستوردات الأساسية بسعر الصرف الرسمي، إلا أن ذلك لم ينعكس ايجاباً على أسعار السلع الممولة، بدليل أنها بقيت تواكب دوما كل ارتفاع سعري يجتاح الأسواق المحلية.

 تناقض يبرره البعض بعملية استغلال تعرضت لها الحكومة من قبل شريجة تجار وصناعيين، مول المصرف المركزي مستورداتهم بالسعر الرسمي ثم باعوها للمستهلكين وفقاً لسعر الصرف السائد في السوق السوداء، محققين بذلك أرباحاً مضاعفة تزيد قيمتها وفق تقديرات غير رسمية عن 200 مليون دولار في العام 2019 .

في حين أن هناك من يعيد التناقض الحاصل إلى أن التمويل الحكومي للمستوردات شمل بعض الكميات، وليس كل الكميات المستوردة من هذه السلعة أو تلك، وهذا ما سمح بحدوث تلاعب في عملية التسعير.

 في مواجهة ظاهرة الغلاء وتأثيراتها الخطيرة على الفقراء وأصحاب الدخل المحدود، لا يجد اقتصاديون مخرجا في هذه الظروف إلا ثلاثة خيارات، خيار استراتيجي يتمثل في التركيز على تنشيط العجلة الإنتاجية لقطاعي الصناعة والزراعة، وخيارين اثنين آنيين: الأول ضبط سعر صرف الليرة وفق إجراءات اقتصادية تتشارك جميع الجهات بتنفيذها، إذ أن التجربة أثبتت خلال السنوات السابقة فشل الإجراءات العقابية والزجرية بدليل أن الاتهام مع كل انخفاض يطرأ على سعر صرف الليرة يوجه للمضاربين!

 أما الخيار الثاني فهو يتمثل في تمويل المصرف المركزي لاستيراد احتياجات البلاد من السلع الغذائية الرئيسية والأدوية، على أن تتولى الوزارات والمؤسسات الأخرى مهمة ضبط أسعارها في الأسواق المحلية بما يمنع التجار والمستوردين من التلاعب والتحايل بسعر الصرف.

 لكن ما هي احتياجات السوريين الغذائية الأساسية؟ وكم يكلف استيرادها من قطع أجنبي؟ وهل المصرف المركزي قادر على توفير ذلك التمويل؟

 ست أساسيات

 وفق بيانات رسمية، فإن إجمالي قيمة مستوردات البلاد من ست سلع غذائية رئيسية بلغت في العام الماضي حوالي 457.2 مليون يورو، أي ما معدله شهرياً 38.1 مليون يورو.

 وتشمل هذه السلع كل من: الأرز، الزيوت والسمون النباتية، الشاي، التونة والسردين، سكرر مكرر، وبن غير محمص. في حين أن قيمة مستوردات الأدوية خلال العام نفسه بلغت حوالي 33.7 مليون يورو، وبوسطي شهري قدره 2.8 مليون يورو، وليكون بذلك إجمالي قيمة مستوردات ست سلع غذائية مع الأدوية حوالي 491 مليون يورو، وهو مبلغ لا يشكل سوى 9.4% من إجمالي قيمة مستوردات البلاد في العام 2019 والبالغة حوالي 5.201 مليارات يورو.

 وتؤشر البيانات المذكورة إلى أن تناول السوريين لفنجان القهوة والشاي في العام 2019 كلف استيراد كميات من القهوة، الشاي، والسكر غير المكرر بما قيمته 245.7 مليون يورو، أي ما معدله شهرياً 20.4 مليون يورو. وهذه لا تمثل التكلفة الحقيقية لمشروب السوريين من القهوة والشاي، بالنظر إلى وجود تكاليف أخرى تتعلق بالتصنيع المحلي والتعبئة والنقل والتخزين وربح الحلقات التجارية وغيرها.

 وبهذا يكون إجمالي قيمة مستوردات البلاد من مواد: الأرز، الزيوت والسمون النباتية، والتونة والسردين قد بلغ في العام الماضي حوالي 211.5 مليون يورو، أي ما معدله شهريا حوالي 17.6 مليون يورو.

 وتتفق معظم الآراء على أن تمويل المصرف المركزي للسلع الست السابقة ذكرها وتسعيرها بشكل موضوعي يمكن أن يخفف من وطأة الظروف الاقتصادية الصعبة على شريحة واسعة من السوريين، إذ على الأقل سيكون هؤلاء قادرين على تأمين وجبة الغذاء الرئيسية من دون الاضطرار إلى بيع ممتلكاتهم أو الاستدانة أو التضحية بأولويات أخرى، لاسيما وأن متوسط الأجر الشهري ارتفع من 11500 ليرة سورية في عام 2010 إلى حوالي 60000 ليرة سورية في عام 20202 . وبحسب الباحث محشي واستناداً إلى تقديرات مؤشر أسعار المستهلك المذكورة أعلاه، فإن متوسط الراتب الشهري يجب أن يكون 310000 ليرة سورية لوصول القوة الشرائية لدى المشتغلين بأجر إلى مستواها المسجل في عام 2010 ، الأمر الذي يتطلب رفع الأجور الحالية بنسبة ٪ 420 بالنسبة للعمالة العامة. وفي مثل هذا السيناريو فإن الحكومة ستكون مضطرة لإضافة 500 مليار ليرة سورية شهرياً، بالنظر إلى أن الميزانية العامة الإجمالية في عام 2020 تبلغ 4000 مليار ليرة سورية، إلا أن دفع 6 تريليون ليرة إضافية يتجاوز القدرة الحكومية، وإن كان هناك من يؤمن أن تفكيك شبكات المصالح والفساد الواسعة واسترداد الأموال المنهوبة يمكن أن يتيح للحكومة توفير هذا المبلغ.... وأكثر أيضاً.

شارك برأيك .. لتكتمل الصورة


استطلاعات الرأي

يجب ان تختار خيار قبل ارسال التصويت
هل تعتقد أن الوقت قد حان لبدء تطبيق الدفع الإلكتروني في سوريا؟
نعم، حان الوقت لبدء تطبيقه وفرضه فوراً وهو ضروري للاقتصاد
لا، يجب إعداد بنية تحتية تقنية ومن ثم البدء بفرضه
لا، غير جاهزين بالوضع الراهن نهائياً لتطبيق الدفع الإلكتروني
النتائج
نعم، حان الوقت لبدء تطبيقه وفرضه فوراً وهو ضروري للاقتصاد
لا، يجب إعداد بنية تحتية تقنية ومن ثم البدء بفرضه
لا، غير جاهزين بالوضع الراهن نهائياً لتطبيق الدفع الإلكتروني