مناحل سوريا تعود للحقول

مناحل سوريا تعود للحقول

دمشق- مادلين رضوان جليس
تضرّر إنتاج العسل في  سورية بفعل الأزمة،  وتراجعت أعداده بنسبة  وصلت إلى ٪ 75 ، وأثر ذلك على الإنتاج مباشرة وبالتّالي على الأسعار صعوداً وهبوطاً، و لن نبالغ إذا قلنا أن تدهور أعداد النّحل السّوري بفعل الأزمة كان سبباً في ارتفاع أسعار المنتجات الزراعيّة محليّاً، لأنّ النّحل يساهم في زيادة إنتاج النّباتات المستأنسة والنّباتات الرّعوية والبرّية بين 25 و 60 ٪ وفقا للنّوع النباتي، وبالتّالي يساهم أيضاً في زيادة إنتاجية الحيوانات التي تتغذّى على بعض تلك النباتات، وهذا عامل حاسم في تحديد تكاليف إنتاج السّلع الزّراعية النّباتيّة والحيوانيّة، وتحديد سعر المبيع للمستهلك، حيث تؤكّد البيانات الإحصائية أنّ أعداد طوائف النّحل ( خلايا) في سوريا ما قبل الأزمة وصلت إلى 750 ألف طائفة تشكّل 1٪ من إجمالي أعداد طوائف النّحل في العالم "86  مليون طائفة نحل" كما يشير إياد دعبول رئيس الأمانة السورية لاتحاد النّحالين العرب.

ووفقاً لبيانات منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتّحدة بلغ إنتاج العالم من عسل النّحل عام 2017 حوالي مليونين و 400 ألف طن، واحتلّت سوريا من بين دول العالم المرتبة 66 / 139 دولة في كميّة إنتاج العسل، رغم أّنها تمتلك ٪1 فقط من أعداد طوائف النّحل بالعالم، بينما تربّعت الصّين المرتبة الأولى بإنتاجٍ قدره 550 ألف طن، تلتها تركيا بإنتاج قدره 114 ألف طن، ثم الأرجنتين بإنتاجٍ قدره 76 ألف طن، وإيران بإنتاج 69 ألف طن على التوالي.

 130 غرام عسل نصيب  المواطن سنوياً و 240 غرام المتوسط العالمي
 تشير الإحصائيات وخبرات العاملين في قطاع إنتاج العسل أّنه يعمل في قطاع تربية النّحل وإنتاج العسل في سوريا حوالي 30 ألف مربّي، ووصل عدد طوائف النّحل عام 2010 إلى حوالي 631 ألف طائفة منها حوالي 75 ٪ في خلايا حديثة، وحوالي ١٢١ ألف في خلايا بلديّة، بينما يتوقّع خبراء أنّ أعداد طوائف النّحل السّوري حالياً تقع بحدود/ 178 /ألف طائفة فقط، في حين تشير بيانات وزارة الزراعة أنّ أعداد طوائف النّحل قد انخفضت من 545 ألف طائفة عام 2012 إلى  459 ألف طائفة عام 2016 .  وتنتشر تربية النّحل وإنتاج العسل في محافظات ريف  دمشق وإدلب واللاذقية وحماه، بينما يتركّز العدد الأقلّ في محافظتي دير الزور والسويداء، وقد تطوّر إنتاج سورية من العسل من / 2137 / طن عام  2004 إلى حوالي / 3000 / طن  عام 2010 وفقاً للمكتب المركزي للإحصاء، وبذلك تكون حصّة الفرد من العسل المنتج محلياً حوالي 130 غراماً سنوياً، بينما متوسّط حصّة الفرد في تركيا تصل إلى 1.2 كيلو غرام بالعام.

متوسط نصيب الفرد من العسل في سوريا وعدد من دول العالم


من جهة ثانية يؤكّد خبراء أن إنتاج القطر من العسل تجاوز ال / 4500 / طن قبل الأزمة،  ويتراوح إنتاج الطّائفة بين 7- 10 كغ، من العسل بينما سجّل إنتاج الطّائفة في مزرعة كليّة الزّراعة بين 12 الى 16 كغ من العسل سنوياً، في حين يبلغ متوسّط إنتاج الطّائفة من العسل في استراليا / 40 / كغ، و/ 30 / كغ في فرنسا، و/ 17 / كغ في تركيا،  كما يشير الجدول التّالي إلى تبدّل قيمة العسل وشمع  العسل في سوريا للفترة 2000 2016 مع الإشارة إلى أن هناك منتجات باقية لم يتم حصرها مثل العكبر والغذاء الملكي إضافة إلى القيمة المضافة للإنتاج الزّراعي والنّاتجة عن دور النّحل في زيادة إنتاج النّبات والحيوان وهي أرقام عملاقة بالتّأكيد وتتجاوز عشرات المليارات من الليرات السورية.

لماذا تتدهور تربية النحل؟
يشير منتجو العسل إلى أنّ تأثير الأزمة كان صاعقاً على قطاع النّحل حيث أعاقت نقل طوائف النّحل إلى مراعيها، كما عجز كثير من النّحالين عن الوصول إلى مناحلهم مما  تسبّب في هلاك أعداد كبيرة جداً من النّحل، إضافة إلى وجود أسباب متعددة ساهمت بتواضع إنتاجيّة طائفة النّحل في سوريا، منها تراجع المراعي المناسبة ومحدوديّة طول موسم الرّعي وارتفاع الحمولة الرّعوية (عدد الطوائف في الهكتار )، وانتشار بعض  الأمراض التي تسبّبت في  موت أعداد كبيرة من النّحل إضافة إلى الظّروف الجويّة غير المناسبة التي يتعرّض لها القطر أحياناً مثل انخفاض معدّلات الأمطار والحرارة العالية، والصّقيع والرّعي الجائر من الماشية للنّباتات المزهرة التي يرعى منها النّحل، والحراثة الصّيفية للأراضي، إضافة إلى ارتفاع أجور ترحيل النّحل والحراسة واستئجار المراعي وعوامل بيئية وإدارية،  علماً أّنه في دول العالم المتطوّر يدفع أصحاب الحقول الزراعيّة مبالغ كبيرة للنّحالين لقاء وضع طوائف النّحل  في حقولهم، بينما يتعرّض النّحال السّوري لمضايقات من أصحاب الحقول الزّراعيّة بل ويدفع لهم لقاء وضع طوائفه في حقولهم، وهذا بطبيعة  الحال ناتج عن عدم وضوح  الدّور الكبير للنّحل في زيادة إنتاجية المحاصيل.الحقليّة وإنتاج الأشجار المثمرة.
محميّة طبيعيّة للنّحل
 تثبت الدّراسات العلميّة أنّ مجموعة واسعة من المحاصيل البريّة تسمح بزيادة تنوّع النّحل وتحسّن صحّته، ما يسمح له أيضاً بتلقيح المحاصيل  المزروعة إلى الجوار، حيث تمّ التّأكيد بأنّ ترك ثلث مساحة الأرض دون زراعة لتنمو فيها الأعشاب البرّيّة التي يتغذّى عليها النّحل قد ضاعف مردود إنتاج ثلثي المساحة المزروعة المتبقيّة بمحاصيل اقتصادية،  أي أنّ رأس المال الطّبيعي الذي تمثّله المحاصيل والحيوانات البريّة في الطّبيعة يمكن أن يحقّق منافع ضخمة للإنتاجيّة الزّراعيّة، لكن هذه المنافع نادراً ما يتمّ تتبّعها، ولعلّ القيام بذلك سيضمّ أساليب الزّراعة الحديثة والتّقليديّة مع دور الطّبيعة وما تقدمه من خدمات النّظم الإيكولوجية، لكنّ الاستفادة من تلك الخدمات يتطلّب أن يقوم  المزارعون والسّلطات الحكوميّة بحماية عناصر الطّبيعة سريعة التدهور.
وتبيّن النّتائج البحثيّة أنّ الزّراعة الصّديقة للتّنوع الحيوي، والتّخطيط لاستخدام الأراضي ليسا من الخيارات الجيّدة فحسب، بل هي أيضاً أدوات يمكن أن تزيد الإنتاج الزراعي، ومن ثمّ الإنتاج الغذائي ودخل المزارعين، ويجب أن يكونا جزءاً من خيارات التّنمية في السّعي للنّمو الاقتصادي، وتحقيق الأمن الغذائي، وبشكل عام، فإنّ هذا المثال يوضّح أّننا بحاجة إلى مزيد من التّحليل الاقتصادي للقيمة المخفيّة للنّحل في التنمية.
لعلّه من الإنصاف الإشارة إلى أنّ وزارة الزّراعة بدأت الاهتمام بالنّحل منذ منتصف ثمانينيات القرن الماضي عندما تمّ إحداث مديريّة مختصّة بالنّحل لتعمل على تطوير إنتاج النّحل السّوري وزيادة عدد طوائفه، وتشجّع الوزارة النّحالين لاعتماد الطّرق الحديثة بإدارة النّحل للحصول على أكبر إنتاج بتكاليف منخفضة، وزيادة الرّقعة المزروعة بالنّباتات والأشجار الحراجيّة الرّحيقية التي تشكّل مصدراً للرّحيق وحبوب الطّلع إضافة إلى أّنه تمّ إنشاء أوّل محميّة للنّحل السّوري بمنطقة الرّحملية باللاذقية، وبهدف حماية الثّروة النّحلية من الأمراض والحشرات والأعداء التي تصيبها تمّ تجهيز جميع شعب النّحل بمخابر لتشخيص  الأمراض مزوّدة بالأجهزة المخبريّة والفنّيين لحصر تلك الأمراض ودراسة الواقع الصّحي للمناحل، إضافة إلى تأمين الخلايا الخشبيّة الحديثة وتقديم جميع التّسهيلات للنّحالين والتّدريب المتواصل للفنيين والمربّين في هذا القطاع، ومنع استيراد ملكات نحل وطوائف وطرود نحل بهدف حماية  الثّروة النّحليّة من الأمراض والآفّات الجديدة.
 

شارك برأيك .. لتكتمل الصورة


استطلاعات الرأي

يجب ان تختار خيار قبل ارسال التصويت
هل تعتقد أن الوقت قد حان لبدء تطبيق الدفع الإلكتروني في سوريا؟
نعم، حان الوقت لبدء تطبيقه وفرضه فوراً وهو ضروري للاقتصاد
لا، يجب إعداد بنية تحتية تقنية ومن ثم البدء بفرضه
لا، غير جاهزين بالوضع الراهن نهائياً لتطبيق الدفع الإلكتروني
النتائج
نعم، حان الوقت لبدء تطبيقه وفرضه فوراً وهو ضروري للاقتصاد
لا، يجب إعداد بنية تحتية تقنية ومن ثم البدء بفرضه
لا، غير جاهزين بالوضع الراهن نهائياً لتطبيق الدفع الإلكتروني

الأكثر مشاهدة هذا الشهر