"سمير كويفاتي" أنا مع الشلليّة الناجحة

"سمير كويفاتي" أنا مع الشلليّة الناجحة

دمشق - مادلين جليس
 منذ سنوات طفولته الأولى، لم يترك الفنان والملحن الموسيقي سمير كويفاتي جداراً في البناء الذي كان يسكنه إلا وجعله سجلاً لتوثيق أمنيته بأن يكون الموسيقي سمير كويفاتي.
 من سني عمره الأولى كان حلم الطفل الموسيقي حارس أمنياته، وصولاً إلى ما بلغه اليوم بوصفه واحداً من أهم مؤلفي الموسيقا في سورية، والمخلص للهوية المحلية فيها، إضافة إلى كونه لاعباً رئيسياً في الموسيقا التصويرية الخاصة بالمسلسلات.
 كل ذلك جعل من مشوار سمير كويفاتي، تجربة فنية غنية، توقفت المشهد عندها، واستعادت معه شريط ذكرياته وصداقاته وشراكاته الفنية، فكان الحوار التالي معه:

تركيبة فريدة ومتأصلة
الشراكة العميقة والطويلة بين سمير كويفاتي وميادة بسيليس قوامها فني أم عائلي أكثر ما الذي يجعلها الأقرب، الإيمان بميادة الزوجة، أم الإيمان بصوتها وهل تعتقد أنك كنت الأقدر على فهم صوتها؟

فني وعائلي معاً، فمنذ أن كانت ميادة في الكورال بعمر العشر سنوات، كان صوتها مميزاً عن الجميع، كنت حينها في السابعة عشر، وكنت أدربهم.
 أنا لم أكتشفها، ولست الأقدر على فهم صوتها، بل الأقدر على إخراجه، في الأغاني المسجّلة أكثر، وخاصّةً أنّ ميادة لا تعرب كما هو دارج حالياً، فهي تغنّي بعفوية طبيعيّة جميلة، ودائماً أقول إنها تغني كما تتكلم وكما تقول الـ "مرحبا" لا تتصنّع بصوتها، وهذا يناسبني جداً فأنا لا أحب الأصوات المستعارة والمتكلّفة والمتصنّعة، فكانت هذه التركيبة التي ترونها.
ما سر الكيمياء بينك وبين الفنان أيمن زيدان، وهل تجد الصّداقة بين المبدعين، شرطاً للخروج بشراكات إبداعية ملهمة كحال الشراكة بينك وبينه؟
مع أيمن زيدان هو شيء آخر ليس كيمياء، أول مرة شاهدته فيها كان متخرجاً حديثاً من المعهد العالي للفنون المسرحية في عام 1980 وكنا مطلوبين إلى الجيش، وفي 1981 تم فرزي إلى نادي الرماية سابقاً، بينما فرز زيدان إلى المسرح العسكري، وبحكم وجود أصدقاء مشتركين فقد تعرفت عليه وأحببته،
ثمّ انقطع التّواصل حتى العام 1992 فجأة رأيته في مسلسل نهاية رجل شجاع، فأرسلت له برسالة ورقيّة مع إحدى الصّديقات أذكّره فيه بأيامٍ التقينا بها، وأرفقت الرّسالة بشريط كاسيت يحوي "بقلبي في حكي" أغنية ميادة فوجئت أّنه أخذ رقمي الأرضي وهاتفني وتحدّثنا طويلًا وعبّر عن إعجابه بالأغنية.
 بعد يومين زارني في منزلي برفقة نجدة أنزور، وعرّفني عليه بأنه مخرج مسلسل نهاية رجل شجاع، هذا اللقاء هو ما نستطيع أن نقول عنه أّنه "صحوة الكيمياء" أمّا عن علاقة الصّداقة بالعمل فليست شرطاً أبداً، أنا لا أعمل مع أيمن بقدر ما أعمل مع غيره، ولكنّني أرى أنّ الصداقة تنمي الجودة أكثر من الإبداع، وأعترف أّنني أحاول دائماً صنع ما هو متميّز لأصدقائي، في المقابل هناك أعمال تستفزّني بجماليّتها وإتقانها، فتقودني للإبداع فيها.
مثلًا فيلم أمينة لأيمن زيدان أخذ منّي الكثير، بسبب إصراري على إنجاز شيءٍ مهم وخاص، فلا يقال بعد شراكة ثلاثين عاماً مع زيدان أنني أنجزت له عملًا عادياً.

هل بات تحقيق معادلة الانتشار الواسع والسّوية الفنية العالية معاً في زمننا مستحيلًا؟
ليس مستحيلًا، لكن ما يحدث في هذه الأيّام أنه عندما تُصنع أغنية كيفما اتفق وتنجح، يقوم مطرب آخر بإنتاج أغنية مشابهة كي تنجح كالتي سبقتها. لا أحد يستطيع التحكّم بالذّائقة، تستطيع فتح الصّندوق وأخذ ما شئت منه ولا ذنب للصّندوق باختيارك الفاشل أو المنحدر أو حتى الممتاز، وكذلك اليوتيوب الآن، المشكلة فقط في اختلاف الأذواق، وبالمقابل فالتنوع مطلوب، ولا يمكننا أن نجبر أحداً على سماع ما يعجب غيره.

ما خصوصيّة العمل للدّراما التلفزيونيّة وهل ترى أّنها ساهمت بانتشار سمير كويفاتي؟

أستطيع القول أنّ العمل بالدّراما التلفزيونيّة كان له مساهمة في شهرتي، أما خصوصيّة العمل فيها فقد كانت في السّابق تحمل الكثير من الجهد والدّقة والشّغف، وعلى بساطة ما قدّمت في الماضي مقارنة بالوقت الحاضر إنه كان أكثر أهميّة منه.

لمَ لم تعد تلك الخصوصيّة موجودة؟
لم تعد لأنّ كل شيء تغير، في السّابق كنا نتابع المشاهد بالثّواني، ونسجّل في نهاية كل مشهد، وقت بدايته ونهايته وحالة الممثّل فيه، كان في ذلك متعة على الرّغم من التعب والمتابعة الأكبر، بينما حديثاً لا يوجد هذا الغوص في روح المشهد، الجميع يعمل دون أن يعطي الأهمية الصحيحة للعمل. بالمجمل لا يوجد شيء صحيح، لا حوار، ولا موسيقى، والموسيقيون لا أحد منهم يفهم "الطّيخ من البطّيخ" الممثل لا يحفظ نصّه، المخرج لا علاقة له بالعمل.

مؤسسة الموسيقى تحتاج مسؤول واعي موسيقياً
ضمن برنامج طالبت مؤخّراً “مجلس الدّراما” مع الفنان “طاهر مامللي” بضرورة إنشاء مؤسّسة للموسيقيين السّوريين أسوة بمؤسسة الدّراما، ما هي تفاصيل رؤيتك لهذا المشروع؟

إنشاء مؤسسة إنتاج موسيقي أو غنائي لم يكن مطلبي لوحدي، ولم يكن الغرض من ذلك فقط الحفاظ على حقوق الموسيقيين، من خلال منشأة أو مؤسّسة ترعاه، إنّما أيضا التّرويج الجيّد، والحفاظ على  المستوى الموسيقي العالي، ولا يمكننا ذلك إلاّ بوجود مسؤول أو مدير لديه وعي موسيقي، قادر  على أرشفة وتصنيف وفلترة هذا الإنتاج، ومن ثم يقدمه للمستمع.
هل تعتقد أنّ الشّارات  ّالغنائيّة باتت تحل مكان الأغنية السّوريّة، لاسيما أنّها تجد من يدفع مقابلها، بينما الأغنية السّوريّة ما زالت حتى الآن كالمقطوعة من الشجرة؟
لو أنّ أحداً يستطيع أن يعرف ماهي مواصفات الأغنية  السّورية كنا اعترفنا بوجود أغنية سورية حقاً يمكن أن نقول أنّ الكلمات  سوريّة، المطرب سوري، لكن  هل يمكن أن نقول أنّ اللّحن  سوري؟!مثلاً ميادة الحنّاوي مطربة سوريّة قديرة ولكنّها لم تغني أي أغنية سوريّة.

  وردّاً على السّؤال إن كانت الشارة  تستطيع أن تحلّ مكان الأغنية  السّورية برأيي: نعم إن كانت  بلهجتنا وطبيعتنا ولحننا وبيئتنا بغض النظر عمن يغني الأغنية.

ما سبب تردّي الوضع الموسيقي السّوري وما السبيل إلى تحسينه؟
 كثيراً ما أسأل هذا السؤال وجوابي دائماً أنّ الأطفال هم السبيل إلى ذلك.
 تحسين الوضع العام والذّ وق العام يحتاج وقتاً طويلاً في المقابل لدينا الأطفال وهم مفتاح هذا الإصلاح، إذ عملنا على صقل شخصيّة الطّفل  بالموهبة والأخلاق من خلال الموسيقا.
 وأنا الآن بصدد تنفيذ مشروع له علاقة بالأطفال، وسأحاول أن يبدأ بحلب، ولأول مرة سأعلن  عنه من خلال «المشهد» وهذا  المشروع يشبه ما قمت به مع  بعض الأصدقاء منهم حلمي  الجرّ اح وأنيس مبيض وهو مشروع «artist project»  حيث بدأنا مع ثلاثة أطفال، ثم ًوصل العدد إلى السّتين طفلاً ولكن الحرب أوقفت هذا  المشروع، وكنّا قد وصلنا إلى  مرحلة تجعل هؤلاء الأطفال  شريحة مهمّة وفاعلة في المجتمع.  من خلال هذا المشروع سنثبت للجميع أنّ الشّيء الوحيد الذي يلغي الحرب والظلم والفساد المعشش في البلد هو الموسيقا، لأنها تربّي الروح والذوق.

البساطة محطة القلب
 لو أردنا اختصار تجربتك الفنّية في خمس محطات رئيسيّة، ماذا تكون؟

 المحطّات المهمّة في حياتي لا علاقة لها بالفن، بل لها علاقة بالبساطة والعفوية، وأوّل محطّة لازلت أذكرها عندما كنت طفلًا في عمر الست سنوات، وكان منزل العائلة في مدينة حلب، في بناء كبير يحتوي على مصعد، ومنزلنا في الطابق الخامس، وبحكم وجود المصعد فنادراً ما كان سكّان البناء يستخدمون الدّرج.
 ولذلك قمت بأخذ أحد الأقلام من والدي وكتبت على حائط الدّرج في كلّ طابق، عبارة هنا منزل الموسيقي "سمير كويفاتي" فتشوّهت كلّ جدران البناء، ما استدعى اجتماع الجيران واتجاههم إلى والدي للشكوى، الذي قام بعد ذلك بدهن جدران البناء، لأقوم أنا بعد فترة شهرين، بذات الفعل والكتابات نفسها.
 المرحلة الثّانية كانت في عمر الثامنة عشر عاماً حينها قدمت عدة لوحات لفيروز بمشاركة كشاف، وكانت مسرحية "بترا" هي المسرحية الوحيدة التي عرضت في التّلفاز أثناء افتتاحها في عمّان، فما كان منّي إلا أن سجّلت المسرحية وأعدت كتابة الحوار، وقدّمت حينها بمشاركة زملائي عرضاً مميّزاً وجميلًا أما المراحل التي تأتي بعد ذلك فكلّها تخصّ ميّادة.
 وهناك كثير من الأحداث تمرّ بشكل تتابعي، لا أستطيع عدّها لكننّي أذكر إلى الآن عندما كان منزلنا صغيراً غرفتين وصالون كنّا نغطي الجدران، ونضع على البلكون عازل أي فرشة اسفنج، ونحضر ميكروفون ونستعير مكسر صغير من أحد الأصدقاء ونقوم بتسجيل أغنية.
 لأيمكن لأحد أن يعلم مدى سعادتي في ذلك الوقت، والآن عندما أعود لهذه الأغنيات أشعر بالإعجاب بنفسي.

بالعموم تمتاز بشراكات طويلة الأمد، ميادة أولًا المؤلّف والشّاعر سمير الطحان، أيمن زيدان، باسل الخطيب، هل تؤمن بالشلليّة الفنّية؟
أنا مع الشلليّة الناجحة، أكثر من الديموقراطيّة الفاشلة، مدرسة الرّحابنة شلّة، ولكنها شلّة ناجحة جداً، ولا يمكن لأي شخص الدخول إلى العائلة الرّحبانية بدون موافقة الرّحابنة عليه، ولكن هناك نوعٌ آخر يضع الشخص في مكان غير مناسب له لمجرد الصّداقة، وهذا يبتعد عن الشلليّة، ويذهب باتجاه العصابة.

شارك برأيك .. لتكتمل الصورة


استطلاعات الرأي

يجب ان تختار خيار قبل ارسال التصويت
هل تعتقد أن الوقت قد حان لبدء تطبيق الدفع الإلكتروني في سوريا؟
نعم، حان الوقت لبدء تطبيقه وفرضه فوراً وهو ضروري للاقتصاد
لا، يجب إعداد بنية تحتية تقنية ومن ثم البدء بفرضه
لا، غير جاهزين بالوضع الراهن نهائياً لتطبيق الدفع الإلكتروني
النتائج
نعم، حان الوقت لبدء تطبيقه وفرضه فوراً وهو ضروري للاقتصاد
لا، يجب إعداد بنية تحتية تقنية ومن ثم البدء بفرضه
لا، غير جاهزين بالوضع الراهن نهائياً لتطبيق الدفع الإلكتروني

الأكثر مشاهدة هذا الشهر