اقتصاد الظل يرتفع إلى 80% و أباطرته يتحكمون في الاقتصاد النظامي

اقتصاد الظل يرتفع إلى 80% و أباطرته يتحكمون في الاقتصاد النظامي

مادلين جليس
مخطئ من يظن أن اقتصاد الظل أوجدته الحرب وظروفها القاسية، فهذا الاقتصاد الذي يعتمد عليه الكثير من العباد "المعترين" في أرزاقهم والمهربين والتجار المحتكرين في زيادة أرباحهم كان موجوداً بنسبة قد لا تتعدى 30%، لكن حينما جثمت كارثة الأزمة بندباتها الكثيرة تمدد اقتصاد الظل على نحو غير مسبوق لتجاوز نسبته على لسان الخبراء سقف80% ، وخاصة أن من يدير دفته "أباطرة" ومافيات منظمة وليس مجرد باعة بسطات كما يظن البعض، متمكنين من تعبئة جيوبهم بمليارات الليرات كان يفترض توجيه مساربها نحو الخزينة العامة على نحو ينعكس فائدة على الاقتصاد المحلي المنهك وجيوب المواطن المنتوفة، لكن للأسف لا يزال أصحاب القرار يجلسون مرتاحين على كراسيهم المسؤولة من دون تعكير صفو تفكيرهم في اتخاذ إجراءات جدية فاعلة تضمن تنظيم اقتصاد الظل وتوجيه مقدرته إلى الاقتصاد النظامي، وهنا نتساءل من المسؤول عن ضياع هذه المليارات لصالح المهربين والفاسدين في هدر واضح للمال العام، ولماذا لا يبادر المعنيون في تصحيح المسار بخطوات جدية تنصف التاجر والصناعي الحقيقي بدل دعم المشتغلين في اقتصاد الظل على نحو يطرح الكثير من إشارات الاستفهام والتعجب؟!..

أباطرة الظل
توسع اقتصاد الظل بمستويات متسارعة خلال السنوات الماضية، لكن الذي اختلف عن السابق هو تضخم حجمه وتنظيمه وممارسته جهاراً على مرأى من عيون الأجهزة الحكومية، بحسب الدكتورة والباحثة الاقتصادية الدكتورة رشا سيروب، إذ ظهر ما يمكن أن نطلق عليه "أباطرة" اقتصاد الظل في انتعاش تجارة الأرصفة من بسطات وأكشاك، ولكن ما يميز هؤلاء الأباطرة أنهم منظمين وقادرين على السيطرة على الاقتصاد والتحكم بتوافر السلع وأسعارها.

اقتصاد رمادي
يخفي اقتصاد الظل خلفه الكثير من الأثار السلبية على مستوى الاقتصاد الكلي، حيث  تشير الدكتورة سيروب إلى مساهمته  في انخفاض الموارد

الدكتورة رشا سيروب: اقتصاد الظل يضيع على الخزينة العامة 500 مليار ليرة..

العامة للدولة واللجوء إلى زيادة الضرائب غير المباشرة للتعويض عن النقص في الضرائب المباشرة، مما ساهم في تراجع قدرة الدولة على القيام بالإنفاق العام بالشكل الأمثل وانخفاض السلع والخدمات العامة كماً ونوعاً من صحة وتعليم وبنية تحتية، والملتزمون بدفع الضرائب يشعرون بعدم العدالة.
وتتابع سيروب في سردها سلبياته لتؤكد أن اقتصاد الظل يضعف قدرة السياسات الاقتصادية على التأثير على المتغيرات أو تحقيق الأهداف، إذ يتم فعلياً وضع سياسات واتخاذ إجراءات لجزء من الاقتصاد (المصرح عنه)، أما القسم الأكبر فهو خارج قدرة صانع القرار للسيطرة عليه باستخدام الأدوات الاقتصادية، مما يؤثر على التنمية.
وتضيف سيروب: إذا لجأنا إلى مؤشر قياس اقتصاد الظل وفقاً لحجم الدخل غير المصرح به الذي يمثل الفرق بين الدخل والاستهلاك، سنجد أن نسبة الدخل غير المصرح به تصل إلى 88%، بناء عليه فإن حجم الأموال التي تضيع على الخزانة العامة للدولة، أو مقدار الضرائب التي يمكن تحصيلها في حال قوننة اقتصاد الظل وإدراجه ضمن الاقتصاد الرسمي تقدر بالحد الأدنى 500 مليار ل. س، إذا افترضنا أن وسطي معدل الضريبة 10% على النشاطات الاقتصادية، علماً أنها وفق قانون ضريبة الدخل تصل إلى 22%.

الدكتور عابد فضلية: اقتصاد الظل ضرورة في  الحرب

كما ترى الباحثة الاقتصادية أن آثاره السلبية تظهر في التوزيع غير العادل للدخل بسبب التهرب الضريبي، وإعادة توزيع الموارد لصالح الأنشطة الأقل كفاءة، وعدم توافر شروط الأمان والضمان الاجتماعي والعمل في بيئة لا تضمن شروط الصحة والسلامة المهنية.
وتختتم سيروب متسائلة، هل تستطيع الدولة أن تتحكم بذلك وتنظم هذا الاقتصاد، لكي تستطيع اتخاذ قراراته الاقتصادية للاقتصاد السوري ككل؟
يوافقها الرأي على سلبياته الدكتور عابد فضلية الذي يشير أن أكثر حالات الغش تتم في الأنشطة غير المرخصة، وما يطلق عليه اسم الاقتصاد الرّمادي، مؤكدا أن عدم قانونية هذا النوع من الاقتصاد جعل الغش يزداد في منتجاته، باعتبارها مخفية، تتم في السر، أي في الأقبية وتحت الأدراج، ويبين أن من أهم مساوئ اقتصاد الظل أنه قد يؤدي لتبعات اجتماعية سيئة منها، عمالة الأطفال، وبالمقابل لو كان رسمياً ومرخصاً ويعمل في النور لما تمكّن من تشغيل الأطفال.تأثير الاقتصاد السلبي يبينه على أرض الواقع الصناعي ماهر الزيات إذ يقول: على الرغم من أن اقتصاد الظل يخفف التكاليف على الصناعي من حيث عدم تسجيل العمال في التأمينات الاجتماعية إلا أن ذلك يعرض

السلعة التي ينتجها لسوء الإنتاج بسبب عدم وجود الرقابة عليه. ويضيف أن أكثر عمليات الغش وعدم توفر الجودة والنوعية المناسبة توجد في هذه المشاريع والمعامل وبالتالي هي تخرج من المنافسة.

ضرورة في الحرب

الزيات: أغلب اليد العاملة تتجه نحو المعامل غير المرخصة

اقتصاد الظل غير الأسود مرغوب، بحسب ماذهب إليه فضلية الذي يرى أنه منتج لكثير من السلع المطلوبة، على الرغم من أنه غير مرخص وعماله غير مسجلين في التأمينات، ولا يدفع ضريبة.

وبرأي فضلية لهذا الاقتصاد إيجابيات ولو كانت بسيطة، فهناك كثير من أصحاب المعامل والمصانع التي دمرت، اضطروا إلى النزوح، وممارسة نشاطاتهم السابقة في أماكن جديدة وبظروف غير جيدة وغير رسمية كما في السابق، ويشير فضلية أن هذا الاقتصاد أصبح ضرورة في الحرب، ومع أنه حالة مرتبطة بالحرب إلا أنها أيضا مرتبطة بالمستبقل بإعادة البناء والإعمار وإعادة التنظيم.

وفي ذات الاتجاه يذهب الخبير الاقتصادي وعضو جمعية العلوم الاقتصادية الدكتور بشار المنير إذ يؤكد أنه طالما تراجعت الصناعة والزراعة والتصدير والخدمات فالناتج المحلي الإجمالي اقتصر على بعض الاعمال الحكومية مضافاً إليها اقتصاد الظل، لذلك يمكن الاستفادة من هذا النوع من الاقتصاد من خلال تشجيع الشركات على التسجيل وإنشاء شراكات معهم لتقنين أعمالهم وإشراك عمالهم في التأمينات الاجتماعية، وسن تشريعات تشجعهم على الدخول في الاقتصاد النظامي، من خلال تخفيض الضرائب عن بعض النشاطات التي يمارسونها إضافة إلى مساعدتهم لتحويل هذه الاقتصادات إلى نظامية.
ولا يختلف رأي أهل الصناعة والتجارة عن رأي الباحثين الاقتصاديين، حيث يؤكد ماهر الزيات خازن غرفة صناعة دمشق إيجابيات اقتصاد الظل بقوله: أغلب اليد العاملة تتجه نحو المعامل غير المرخصة والتي تنتمي إلى مانسميه اقتصاد الظل، وذلك لأن الشروط في هذه المعامل أقل تعقيداً من غيرها، وهذه إيجابية لهذا النوع من الاقتصاد انه يساهم في تشغيل يد عاملة خاصة في ظل لظروف السائدة في البلد.

اقتصاد النجاة
وعلى الرغم من حجم الأموال التي تضيع على خزينة الدولة بسبب اقتصاد الظل، إلا أنه من غير المنطقي أن ننكر آثاره الإيجابية، حيث ترى سيروب أنه شكل دعامة للأسرة السورية وكان الضامن والمنقذ من الجوع وعوز الحاجة في ظل عدم قدرة السياسات الاقتصادية على تأمين السلع والخدمات وتحسين مستويات المعيشة، بذلك يمكن اعتبار اقتصاد الظل الاقتصاد الحقيقي لكنه خارج نطاق السجلات الرسمية، ورغم إيجابيات اقتصاد الظل التي يمكن أن نعزو إليه تأقلم المجتمع السوري مع ظروف الحرب (فقد كان بمثابة اقتصاد "النجاة" أو اقتصاد "التأقلم") وتحسين المؤشرات على المستوى الجزئي، وقد لعب دور المسكّن الاجتماعي وساهم في الحفاظ على الاستقرار الاجتماعي.

تضييق الفجوة
وتتفاوت الآراء بين قدرة الدولة على تنظيم اقتصاد الظل وخاصة بعد ارتفاع نسبته بشكل كبير وبين إمكانية تحقيق ذلك ولو بنسب بسيطة إذ يشير

المنير: الدولة غير قادرة على تنظيم كل اقتصاد الظل

الباحث الاقتصادي بشار المنير أن الدولة غير قادرة على تنظيم كل اقتصاد الظل، ولكن بمقدورها تنظيم النشاطات الأبرز فيه، وبدا المنير غير متفائلا في إمكانية الخروج من اقتصاد الظل، حيث وضح أنه قد يكون من غير المفيد التخلص منه حقاً، وإن تم فعلا العمل على تنظيم اقتصاد الظل، فلن يتوقف كلياً لكنه يقنن، وتبقى هناك أعمال استطاعت تلبية الأسواق في أوقات كانت حرجة حقاً.
بينما يرى الدكتور عابد فضلية أنه ليس من الطبيعي منع اقتصاد الكل بشكل كلي أو ترخيصه كله، فهناك جزء يجب أن يبقى بدون ترخيص منه المزارع الذي يبيع منتجاته بشكل مباشر، لكن الدولة تستطيع ان تضيق هذه الفجوة فبدل أن يكون 60 أو 70% يصبح 30 أو 20 %.

 




بيئة غير مشجعة

الحلاق: الحكومة لاتشجع على الاقتصاد الحقيقي

رغم صحة الآراء التي ذهب إليها الباحثون الاقتصاديون إلا أن صوتا جريئا تحدث عن أحد الأسباب الأهم في تنامي ظاهرة اقتصاد الظل، حيث يرى محمد الحلاق عضو غرفة تجارة دمشق أن المشكلة الحقيقية في عدم تشجيع الحكومة على الاقتصاد الحقيقي،

و يشير الحلاق أن كل من يعمل بالاقتصاد الحقيقي لا يشجع أحد على الدخول أو العمل نتيجة تضارب التشريعات وعدم استقرارها.

ويطالب الحلاق بخلق حوافز تشجع انتقال أي شخص من اقتصاد الظل إلى الحقيقي، ويضرب مثالاً على ذلك حيث أن تسجيل العمال بالتأمينات بالشكل

الذي صدر شجع الكثيرين على الانتقال من الحقيقي إلى الظل.

تحميل الحلاق المسؤولية في جزء ما على الحكومة يقابله رمي لكرة الاتهام بتوسيع اقتصاد الظل على قطاع الأعمال الذي تحمل سيروب ممارسات بعض أفراده السبب في اتساع الاقتصاد الخفي كالتهرب الضريبي فبرأيها أن بيئة الأعمال والاستثمار غير مشجعة على المنافسة، فضلاً عن انتشار الفساد الذي شجع على إخفاء جزء كبير من حجم الأعمال بغية التهرب والتجنب الضريبيين

شارك برأيك .. لتكتمل الصورة


استطلاعات الرأي

يجب ان تختار خيار قبل ارسال التصويت
هل تعتقد أن الوقت قد حان لبدء تطبيق الدفع الإلكتروني في سوريا؟
نعم، حان الوقت لبدء تطبيقه وفرضه فوراً وهو ضروري للاقتصاد
لا، يجب إعداد بنية تحتية تقنية ومن ثم البدء بفرضه
لا، غير جاهزين بالوضع الراهن نهائياً لتطبيق الدفع الإلكتروني
النتائج
نعم، حان الوقت لبدء تطبيقه وفرضه فوراً وهو ضروري للاقتصاد
لا، يجب إعداد بنية تحتية تقنية ومن ثم البدء بفرضه
لا، غير جاهزين بالوضع الراهن نهائياً لتطبيق الدفع الإلكتروني

الأكثر مشاهدة هذا الشهر