الدعم مجدداً وتقليب المواجع.. الموازنة تمهّد والمركزي يلمّح فكيف ستكون التجربة الجديدة؟

الدعم مجدداً وتقليب المواجع.. الموازنة تمهّد والمركزي يلمّح فكيف ستكون التجربة الجديدة؟

المشهد | ريم ربيع

لم تهدأ بعد ردود فعل وآثار القرار المشؤوم بالرفع الجزئي للدعم عن المحروقات قبل شهرين تقريباً، والذي ترافق مع زيادة مخيبة للرواتب والأجور، ليعود ملف الدعم للواجهة مجدداً بعد الإعلان عن مشروع موازنة 2024 المتضمن تراجعاً في قيمة دعم المحروقات لـ2000 مليار ليرة، مما يعيد "تقليب مواجع" السوريين المنهكين من شعارات دعمهم، بعد أن أصبح ذكره نذير شؤم يتمنى كثيرون زواله، بدلاً من تحميلهم ذنب الفساد الذي عجزت حكومات بحالها عن ضبطه طيلة عقود.

فما مهد له مشروع الموازنة بشكل غير مباشر من تقليص إضافي للدعم، أكده المصرف المركزي بنشره دراسة جديدة عبر إحدى الصحف الرسمية، تتضمن أثر صدمات الطاقة على السياسة النقدية، لوح من خلالها لضرورة إعادة النظر في منظومة الدعم بسبب التكلفة الكبيرة، والتشوهات السعرية التي تسببت بها أزمة الطاقة.

يقول المركزي في ورقته أن آلية الدعم باتت مكلفة جداً وذات فعالية أقل، بالنظر إلى تغير محددات الدعم ومعدلات الأسر المستحقة له، والتي يدرك المصرف أن عددها يزداد مع استمرار الصدمات السوقية وانخفاض القدرة الشرائية للدخل المرافق لها، ليصدر بعيد أيام قليلة من نشر هذه الورقة، قراراً آخر برفع أسعار المحروقات "الحرة"، وقد أصبحت بدورها شرّاً لا بد منه للأسر المستحقة للدعم التي يتحدث عنها المركزي، نظراً إلى محدودية مخصصاتهم المدعومة وتأخر الحصول عليها، فما يتم الإفصاح عنه من معرفة وإدراك لواقع الأسر المستحقة للدعم، لا يترجم على أرض الواقع إلا بقرارات متجددة برفع الأسعار دون مقابل يحمي هذه الفئة.

إحدى الطروحات التي كشفت عنها الدراسة تتمثل بضرورة توزيع الدعم على شكل إعانات أو خصومات ضريبية للأسر الأكثر ضعفاً، ليتساءل هنا الأستاذ في كلية الاقتصاد الدكتور حسن حزوري فيما إذا كانت الإعانات نقدية أم سلعية؟ وإن كانت نقدية، فلمن ستوزع، هل للعاملين بالدولة أم لكل الفئات، وبأية معايير؟ أما إن كانت على شكل خصومات ضريبية، فهل ستكون للعاملين بأجر أم لقطاع الأعمال؟ فما طرحه المركزي لا يزال غامضاً وبحاجة تفصيل.

واعتبر حزوري خلال حديثه مع "المشهد" أن استمرار الحكومة باعتماد سياسة رفع الأسعار، وخاصة للمحروقات بشكل دوري، هو دوران في حلقة مفرغة، سيؤدي إلى مزيد من التكاليف، أي مزيد من التضخم، وتدني دخل السوريين، ومزيد من فقدان التنافسية للمنتجات السورية في الأسواق الخارجية، مما يخلق صعوبات في التصدير الذي يعتبر أحد مصادر القطع الأجنبي، مؤكداً أن تحسين الوضع المعيشي للمواطنين يتطلب دعم الإنتاج الحقيقي، وفتح المجال أمام المنافسة الحقيقية والشريفة ومنع الاحتكار، وتطبيق شعار " دعه يعمل دعه يمر"، وتصحيح الخلل في السياستين المالية والنقدية.

ومع تجدد حديث الدعم، ذكّر حزوري بقرار استبعاد آلاف الأسر والأفراد والمهن من الدعم مع بداية 2022، بذريعة أنها لا تستحق الدعم، والذي كشف أخطاء واسعة في قاعدة البيانات، مما عزز المخاوف من أية خطوة حكومية في هذا الملف، طالما لا ثقة بطرق التنفيذ والنتائج، فما يحدث اليوم ليس سوى تخلٍ وإن كان تدريجياً وغير معلن، عن سياسة الدعم تحت عناوين مختلفة، كتقليصه وإيصاله إلى مستحقيه وغير ذلك.

ورأى حزوري أن رفع أسعار السلع والخدمات المدعومة بنسب كبيرة تهدد معيشة نسبة كبيرة من الأسر، مع استمرار توسع الفجوة المتشكلة بين مدخول غالبية المواطنين ومستويات الأسعار، فلو كانت هناك نية حكومية لمعالجة موضوعية لآليات إيصال الدعم والاستهداف، لكانت قد عملت أولاً على ردم تلك الفجوة ومنع توسعها، مشيراً إلى غياب الشفافية والإفصاح الحكومي عن كل ما يتعلق بالدعم لجهة التكاليف الحقيقية وغير المزيفة للدعم، وأوجه الفساد والهدر والجهات المسؤولة عنها، والاعتراف بالأخطاء السابقة التي عملت على استبعاد آلاف الأسر بذريعة الملكية، لا الدخل الحقيقي لها.

وأوضح الخبير الاقتصادي أن استمرار منظومة الدعم وآلياتها التقليدية، مع وجود سعرين لكل مادة مدعومة، سعر حر وسعر مدعوم، أدى إلى خلق منظومة فساد متكاملة وسوق سوداء للمواد المدعومة، الأمر الذي ترتبت عليه زيادة متدرجة سنوياً في فاتورة الدعم، مؤكداً أننا بحاجة ماسة إلى إعادة النظر بآلية الدعم من جهة، ودعم الإنتاج من جهة أخرى، وتخفيف فاتورة حوامل الطاقة، من خلال دعم الطاقات المتجددة، فلا صناعة أو زراعة بدون طاقة كهربائية، مما سيؤدي لتخفيف العبء الكبير على الموازنة العامة للدولة، وعلى سعر الصرف، مع ضرورة الإسراع في  تأسيس شبكة الحماية الاجتماعية مع بيانات حقيقية بعيداً عن المحسوبيات والفساد.

شارك برأيك .. لتكتمل الصورة


استطلاعات الرأي

يجب ان تختار خيار قبل ارسال التصويت
هل تعتقد أن الوقت قد حان لبدء تطبيق الدفع الإلكتروني في سوريا؟
نعم، حان الوقت لبدء تطبيقه وفرضه فوراً وهو ضروري للاقتصاد
لا، يجب إعداد بنية تحتية تقنية ومن ثم البدء بفرضه
لا، غير جاهزين بالوضع الراهن نهائياً لتطبيق الدفع الإلكتروني
النتائج
نعم، حان الوقت لبدء تطبيقه وفرضه فوراً وهو ضروري للاقتصاد
لا، يجب إعداد بنية تحتية تقنية ومن ثم البدء بفرضه
لا، غير جاهزين بالوضع الراهن نهائياً لتطبيق الدفع الإلكتروني

الأكثر مشاهدة هذا الشهر