مليون أسرة... تحت "التهديد"!

مليون أسرة... تحت "التهديد"!

قبل تسريب كتاب اللجنة الإقتصادية ، كان هناك تصريح لرئيس الحكومة لم يلق منا جميعاً ما يستحق من نقاش وتحليل. 

وأعتقد أن اللجنة الإقتصادية في كتابها المذكور كان جل همها تنفيذ أو التقيد بما ورد في ذلك التصريح، والذي أشار فيه المهندس عرنوس إلى أنه مع بداية العام القادم سيتم رفع الدعم عن 25% من السوريين، معتبراً أن النسبة يجب أن تكون أكبر، لكن الحكومة لن تظلم أحداً.

التصريح يعني ببساطة أن هدف الحكومة في المرحلة الأولى رفع الدعم عن مليون أسرة سورية، على اعتبار أن الأسر الحاصلة على بطاقة إلكترونية يصل عددها إلى حوالي 4 ملايين أسرة، ولذلك كان من الطبيعي أن يجري اعتماد معايير غير موضوعية، وغير علمية، للوصول إلى تحقيق الهدف المنشود، والمشار إليه في تصريح رئيس الحكومة...!

وليس هذا فحسب، إذ إن عدد الأسر "المحرومة" من الدعم يمكن أن يزداد لاحقاً إلى أكثر من مليون أسرة، تطبيقاً للفقرة الثانية من كلام رئيس الحكومة، والتي جاء فيها أن نسبة غير المحتاجين للدعم أعلى من 25%...!

تعالوا لنناقش سوية أبعاد تصريح رئيس الحكومة، ما دام أنه تحول إلى محدد تسير بموجبه إجراءات معالجة الدعم..

أولاً... ما هي البيانات والمؤشرات الإحصائية، التي جعلت رئيس الحكومة يستنتج أن مليون أسرة سورية، وأكثر، لا تستحق الدعم حالياً؟

فمثلاً... هل هناك بيانات إحصائية حديثة متعلقة بمتوسط دخل ونفقات الأسرة السورية قادت رئيس الحكومة إلى استنتاج النسبة السابقة؟ ومن هي الجهة التي أنجزت تلك البيانات؟ أم أن الحكومة اعتمدت على بيانات مسح الأمن الغذائي الأول، الذي جرى في العام 2015، وخلص إلى أن نسبة الأسر الآمنة غذائياً آنذاك بلغت حوالي 16%؟ وإذا كان هذا صحيحاً، فما هي الأسباب التي جعلت الحكومة تهمل نتائج المسوح الثلاث اللاحقة، والتي كان آخرها مع نهاية العام 2020 بنسبه المرعبة؟

ففي مثل هذه الحالات لا يمكن المغامرة اعتماداً على إستنتاجات شخصية ووجهات نظر خاصة، ولا يمكن تقرير مستقبل معيشية مليون أسرة بناء على رأي من هنا أو قناعة من هناك!

لكن للأسف.. هذا ما يحدث حالياً.

ثانياً.. ما حجم الوفر الذي ستحققه الحكومة من إستبعادها لمليون أسرة من دائرة الدعم؟

بناء على الاعتمادات المقترحة لبند الدعم الاجتماعي في موازنة العام القادم، فإن متوسط نصيب كل أسرة سورية من الدعم يبلغ سنوياً حوالي 1.382 مليون ليرة، وعليه فإن متوسط الوفر الذي يمكن أن يتحقق جراء إخراج مليون أسرة يصل إلى حوالي 1382 مليار ليرة.

وبحسبة أخرى، فإن الوفر المتحقق يمكن أن يصل نظرياً إلى أكثر من ألف مليار ليرة، وذلك نتيجة توفير حوالي 346 مليار ليرة جراء بيع البنزين بالسعر الحر لأكثر من 165 ألف سيارة يراد حرمانها من الدعم، 60 مليار ليرة من مازوت التدفئة، 104 مليارات ليرة غاز منزلي(تم احتساب أسطوانة للأسرة كل 70 يوماً)، 288 مليار ليرة من السكر والرز التمويني( تم اعتماد متوسط عدد أفراد الأسرة بأربع، ولكل فرد كيلو سكر وكيلو رز شهرياً)، و300 مليار ليرة من الخبز بمعدل وسطي قدره ربطة يومياً لكل أسرة.

ومما سبق يمكن استنتاج الملاحظات التالية:

-عدم دقة تكاليف الدعم المعلنة حكومياً، والتي ينقصها الشفافية والوضوح، بدليل أن قطع الحسابات الأخير الذي ناقشه مجلس الشعب لم يتضمن رقماً واضحاً حول ما تم إنفاقه على الدعم. كما أن اعتمادات دعم مادتي السكر والرز في موازنة العام القادم تبلغ حوالي 300 مليار ليرة، في حين حساب الوفر السابق يظهر أنه قد يقارب 288 مليار ليرة. وهذا يعني إما أن الحكومة تخطط لعدم الالتزام بتوزيع المقننات بشكل شهري كما حدث هذا العام وفي العام الماضي، أو أن حساباتها غير شفافة لسبب من الأسباب.

-تباين استفادة أسر كثيرة من بنود الدعم لأسباب مختلفة. فهناك أسر كثيرة وبحكم أحوالها المادية الجيدة تستفيد من بعض السلع المدعومة كالبنزين والغاز المنزلي، ولا تعير اهتماماً للاستفادة من باقي السلع الأخرى كالخبز والمقننات التموينية. وهناك في المقابل أسر أخرى تتباين استفادتها من الدعم وفقاً لمدى سهولة إجراءات الوصول والحصول على السلع المدعومة.

-علينا أن نتصور ماذا سيحل بأسر كثيرة عندما تجبرها الحكومة بعد حرمانها من الدعم على زيادة إنفاقها لتلبية احتياجاتها من بعض السلع، خاصة وأن إجمالي ذلك المبلغ المقدر سابقاً، وأياً كان، سيكون له تأثيراته على السوق والأسعار.

في ملف الدعم، ما كان يقال حكومياً منذ سنوات لا يزال هو نفسه يردد اليوم، ولذلك لا تتوقعوا أن تكون ردة الفعل الشعبية مختلفة... ولا تتوقعوا أن يكون الوضع الاقتصادي والمعيشي غداً أفضل...!

شارك برأيك .. لتكتمل الصورة


استطلاعات الرأي

يجب ان تختار خيار قبل ارسال التصويت
هل تعتقد أن الوقت قد حان لبدء تطبيق الدفع الإلكتروني في سوريا؟
نعم، حان الوقت لبدء تطبيقه وفرضه فوراً وهو ضروري للاقتصاد
لا، يجب إعداد بنية تحتية تقنية ومن ثم البدء بفرضه
لا، غير جاهزين بالوضع الراهن نهائياً لتطبيق الدفع الإلكتروني
النتائج
نعم، حان الوقت لبدء تطبيقه وفرضه فوراً وهو ضروري للاقتصاد
لا، يجب إعداد بنية تحتية تقنية ومن ثم البدء بفرضه
لا، غير جاهزين بالوضع الراهن نهائياً لتطبيق الدفع الإلكتروني