ينبش في القمامة وهو يردد:"يا كريم..يا كريم"!
من بعيد وصل إلى سمعي صوت ينادي:"يا كريم يا كريم"، ليتبين لي بوضوح عند اقترابي منه رجل خمسيني ينكب على حاوية قمامة أمام مشفى العثمان باللاذقية وينبش بقاياها ليلتقط مخلفاتها من قطع بلاستيكية ومعدنية يضعها بكيس الخيش بيديه،نظرت إلى وجهه ليقابلني بابتسامة خجولة وعينين تنطقان بمرارة:"إنها الحاجة وقلة الحيلة وضيق الأمل".
خاطبته بلغة من يفهم وضعه ويقدره:"يعطيك العافية ويرزقك.." ليجيبني:" الله كريم ،الله كريم..بدنا نتحايل علقمة عيشنا وما نمد إيدنا إلا للكريم..وظيفة ما فيه وعندي كوم لحم عم انكش بالزبالة واجمع ما يمكن بيعه والله بيرزق..ما بخجل من شغلي ما عم أذي حدا إلا حالي ..ربك الوحيد اللي بيعرف شعوري بس عم يكرمني..وأنا دائماً بقول يا كريم وأنا عم انبش بالزبالة".
بخجل طلبت منه أن يسمح لي بصورة توثق فعله ليعتذر بأدبه الجميل ويقول:"أنا ما بخجل بس بخاف على أولادي لا أريدهم ان يتعرضوا للتنمر من أقرانهم عند رؤيتهم لصورتي وأنا أنبش بالقمامة..فاعذريني".
احترمت طلبه وشكرته على تجاوبه بحديثي معه وطلبت من الله الكريم أن يكون كريماً ويرزقه بغير حساب ويعينه على حاجته ويزيد".
هو مثال لعدد غير قليل من أبناء جلدتنا نحن السوريون الذين جارت علينا الأيام ونسينا من كانوا علينا مسؤولين ولكن الله الكريم لا ينسى عباده مهما كان ذنبهم وهمهم ومنه فقط يطلب السؤال ويجاب.