صلاح جاهين "فنان الشعب"

صلاح جاهين "فنان الشعب"


 القاهرة - أسماء الأمين

تمكن صلاح جاهين ببساطته وتلقائيته من التعبير عن كل ما يشغل البسطاء بأسلوب سلسل سهل الاستيعاب، وهو ما جعله فارساً يحلق برسومه وكلماته ويطوف بها بين مختلف طبقات الشعب المصري، وكانت جواز سفره لمختلف البلدان العربية التي رددت كلماته تحَفيْزاً للعمل والانجاز.

يعتبر صلاح جاهين الذي ولد سنة 1930 وتوفى عام 1986 عن عمر يناهز خمس وخمسين عاماً، من الشخصيات العملاقة التي تركت أثراً كبيراً في مجال الشعر والفن والكتابة في مصر، فهو شاعر ورسام كاريكاتور، وكاتب سيناريو، عمل رساما في العديد من الصحف والمجلات منها روز اليوسف وصباح الخير وآخرها الأهرام، كما أنتج العديد من الأفلام السينمائية المصرية التي لاقت نجاحاً جماهيرياً باهراً.

التحق جاهين بكلية الفنون الجميلة ولكنه لم يستكمل دراسته بها وتركها ليلتحق بكلية الحقوق بناءً على رغبة والده الذي كان يعمل بسلك القضاء قاضياً يجوب المحافظات المختلفة، وهذا ما أثر في صلاح جاهين وجعله على معرفة واسعة بنمط حياة ولهجات مختلفة في مصر.

كتب أولى قصائده عام 1936 في رثاء شهداء مظاهرات الطلبة في المنصورة، وبدأ بكتابة الشعر الكلاسيكي في أواخر الأربعينات، قبل أن يبلغ العشرين من عمره لكنه قرأ يوماً قصيدة بالعامية المصرية للشاعر فؤاد حداد، الذي تأثر به تأثراً كبيراً وجمعتهما صداقة عميقة استمرت وتوطدت بزواج ابنة جاهين بابن فؤاد حداد.

جاهين شاعراً
كأنه كان يعرف أن القدر لن يمهله من العمر الكثير دخل جاهين في سباق مع الزمن أنجز خلاله مئات القصائد التي تراوحت بين الزجل والشعر العامي والشعر الشعبي التي تحولت إلى أغنيات غناها عشرات المطربين المصريين، وتنوعت بين أغاني الحب والأغاني الوطنية والأغاني الخفيفة، كما كتب أيضا عدداً من الأوبريتات أشهرها أوبريت العرائس الشهير (الليلة الكبيرة) بالتعاون مع الملحن السيد مكاوي الذي ما زال يحتفظ بتألقه حتى اليوم، وأوبريت (القاهرة في ألف عام) الذي شهد البدايات الفنية لأحمد ذكي.

بدأ صلاح جاهين حياته العملية محرراً في جريدة بنت النيل، ثم جريدة التحرير وأصدر في هذه الفترة أول دواوينه كلمة سلام عام 1955، وفي الفترة من أواخر الخمسينيات وحتى النكسة أصدر عدة دواوين شعرية مثل: (موال عشان القنال) 1957 ، (الرباعيات) 1963 ، (قصاقيص ورق) 1965 ، وقد قام بتأليف ما يزيد عن 161 قصيدة أشهرها قصيدة "على اسم مصر" وأيضا قصيدة "تراب دخان"  التي ألفها بسبب نكسة يونيو 1967  وقصيدة "انتهى الدرس" التي ودع بها ضحايا مجزرة مدرسة بحر البقر الابتدائية 1970 . خلال الفترة التي فصلت بين أواسط الخمسينات والخامس من يونيو 1967 غنى صلاح جاهين للثورة المصرية وزعيمها جمال عبد الناصر، وشهدت فترة الستينات تعاوناً دائماً بينه وبين (عبد الحليم حافظ) و(كمال الطويل) في الغناء عن مبادئ ثورة يوليو لتبسيطها للعامة في أعمال غنائية مثل: (صورة)، (يا أهلا بالمعارك)، (احنا الشعب)، (بالأحضان)، (بستان الاشتراكية)، (ناصر يا حرية) وغيره، حتى أنه كتب أغنية "راجعين بقوة السلاح" ولحنها كمال الطويل لتغنيها أم كلثوم عشية هزيمة الخامس من يونيو 1967، وفي اليوم التالي جاءت النكسة على نقيض مروع من الأمل الذي تحمله كلمات الأغنية.

ولكنه بعد النكسة التي حدثت في ذلك اليوم لم يحتمل قلب جاهين المثقل كل هذا الألم فدخل في حالة اكتئاب رافقته حتى مماته، حيث أعتبر نفسه أحد المسئولين عن خداع المصريين بأغانيه، وسرعان ما تدهورت حالته فسافر إلى مصحة علاجية في روسيا ليعود بعدها معلنا رفضه لكل مبادئه السابقة وخصوصاُ الفنية، فتوقف عن كتابة الأغاني والأناشيد الوطنية.

اتجه جاهين إلى كتابة الأغاني الخفيفة وربما كان أشهرها تلك الأغاني التي غنتها الممثلة سعاد حسني في فيلم ”خللي بالك من زوزو“، مثل الأغنية التي حملت عنوان الفيلم، و “يا واد يا تقيل“ وغيرها، والطريف أن ملحن هذه الأغاني هو الموسيقي الكبير كمال الطويل، الذي كان في الفترة السابقة يلحن له أغانيه الوطنية الحماسية.

أما اتجاه الكتابة الثاني الذي سلكه جاهين بعد النكسة، فهو الشعر التأملي العميق كما في الرباعيات، التي تعتبر قمة أعماله الفنية وتجاوزت مبيعات إحدى طبعات الهيئة المصرية العامة للكتاب لها أكثر من 125 ألف نسخة في غضون بضعة أيام، كما لحنها الملحن الراحل سيد مكاوي وغناها الفنان علي الحجار.

”لا تجبر الإنسان ولا تخيّره يكفيه ما فيه من عقل بيحيّره اللي النهارده بيطلبه ويشتهيه هو اللي بكره ح يشتهي يغيّره عجبي!“ ”إنسان.. أيا انسان ما أجهلك ما أتفهك في الكون وما أضألك شمس وقمر وسدوم وملايين نجوم وفاكرها يا موهوم مخلوقة لك؟..عجبي!“

جاهين رساماً
تباري موهبة جاهين في الرسم موهبته في الكتابة الإ أن شهرته كرسام لم تجاري شهرته في الكتابة، استهل جاهين مسيرته الفنية التشكيلية منتصف الخمسينات وأبدع مئات الرسوم الكاريكاتيرية منذ بدأ الرسم أسبوعياً في مجلة روز اليوسف، ثم مجلة صباح الخير التي شارك في تأسيسها عام 1957 ، واشتهرت شخصياته الكاريكاتورية مثل قيس وليلى، قهوة النشاط، الفهامة، درش وغيرها من الشخصيات، قبل أن ينتقل إلى صحيفة الأهرام التي كانت آنذاك في أوج ازدهارها، فكان يلخص في رسومه اليومية الموقف السياسي السائد آنذاك في صورة كاريكاتيرية ساخرة.

تميزت رسومه الكاريكاتورية بالتنوع والتجدد والشخصية المميزة، كما عاصر جاهين نخبة متميزة من الرسامين في صباح الخير منهم الفنان جورج بهجوري الذي أعلن جاهين ملكاً على عرش الكاريكاتير، والفنان الكبير الراحل محيي الدين اللباد، الذي قال عنه: إنه الرقم القياسي في تاريخ الكاريكاتير المصري، والرقم القياسي، هو قدرته على القيام بفعل، لا يمتلك الآخرون ممن هم في نفس مجاله القدرة على فعله، أو حتى القيام بعمل مشابه.

يسهب اللباد، في وصف صلاح جاهين، خلال ألبومه الأول "نظر" ويقول إنه الفنان الوحيد الذي ظل متجدد الأفكار، رغم فترة الضحالة الفنية التي صاحبت التحولات السياسية في خمسينيات وستينيات القرن الماضي، ففي الوقت الذي اقتصر فيه الكاريكاتير على الأفكار والموضوعات الاجتماعية، وأصبح محصورا في إيفيهات هزلية مبتذلة، هدفها تجاري بحت، لم يُصَب جاهين بحالة النضوب تلك، لكنه أبدع رسومات مهمومة بواقع المجتمع، وسياسية لا تخلو من خفة الكاريكاتير.

سيناريست، منتجاً وممثلاً
في عام 1972 قام بكتابة فيلم (خلي بالك من زوزو) -مع الفنانة (سعاد حسني) والتي كانت تُعرفه دائما بأنه "أبوها الروحي"- والذي أثار وقتها جدلا شديداً ووصفه والنقاد بالتافه والمُقلل من شأن الحركة الطلابية المصرية، إلا أن الفيلم حقق نجاحاً لا يمكن وصفه وأستمر عرضه مايزيد عن 54 أسبوعاً متوالياً. استمر بعد ذلك في كتابة السيناريوهات السينمائية من بينها: (أميرة حبي أنا) 1974 ، (عودة الإبن الضال) 1976 ، (شيلني وأشيلك) 1977 ، (شفيقة ومتولي) 1978 ، وفيلم المتوحشة كما عمل مستشاراً فنيا لفيلم (الكرنك) 1975 . فترة الثمانينات أيضاً شهدت تألقا فنياً مختلفاً له فقد خلالها المسلسل الناجح (هو وهي) 1985 ، وعمله السنوي في كتابة أشعار وأغاني فوازير رمضان مع (نيللي). كما شارك بالتمثيل في عدة أفلام مثل: (اللص والكلاب) 1962 ، (لا وقت للحب) 1963 ، و(المماليك) 1965 ، وشهيد الحب الإلهي، وأنتج العديد من الأفلام التي تعتبر خالدة في تاريخ السينما الحديثة مثل أميرة حبي أنا وفيلم عودة الابن الضال، ولعبت زوجته أدوار في بعض الأفلام التي أنتجها. قال احسان عبد القدوس متحدثاً عنه: ” كانت طاقة صلاح جاهين الفنية تدفعه الى ممارسة كثير من الفنون، كان يرسم الكاريكاتير، ويؤلف الأغاني والمسرحيات والسيناريوهات، وكان موسيقيا يضع الألحان، ويقوم بالتمثيل على المسرح وأمام الكاميرا، وكان ناجحاً نجاحاً باهراً في كل هذه الاعمال » بينما وصفه أحمد بهجت بقوله: ”كان صلاح جاهين شمساً تشع بالفرح رغم أن باطنه كان ليلًا من الأحزان العميقة، وكان يدارى أحزانه ويخفيها عن الناس، ويصنع منها ابتسامة ساخرة ويظهر على الناس بوجهه الضاحك كل يوم.
 

شارك برأيك .. لتكتمل الصورة


استطلاعات الرأي

يجب ان تختار خيار قبل ارسال التصويت
هل تعتقد أن الوقت قد حان لبدء تطبيق الدفع الإلكتروني في سوريا؟
نعم، حان الوقت لبدء تطبيقه وفرضه فوراً وهو ضروري للاقتصاد
لا، يجب إعداد بنية تحتية تقنية ومن ثم البدء بفرضه
لا، غير جاهزين بالوضع الراهن نهائياً لتطبيق الدفع الإلكتروني
النتائج
نعم، حان الوقت لبدء تطبيقه وفرضه فوراً وهو ضروري للاقتصاد
لا، يجب إعداد بنية تحتية تقنية ومن ثم البدء بفرضه
لا، غير جاهزين بالوضع الراهن نهائياً لتطبيق الدفع الإلكتروني

الأكثر مشاهدة هذا الشهر