العبودية في أنشط حالاتها: 40 مليون عبداً حول العالم (صور)

العبودية في أنشط حالاتها: 40 مليون عبداً حول العالم (صور)

القاهرة - اسماء الأمين 

استوقفتني وثيقة عمرها أكثر من 135 عاماً ساقتني الأقدار للاطلاع عليها صدفة، قرأتها مراراً وما بين سطورها تجلت أمامي حقيقة لا تدع مجالاً للشك أن الانسان يعد أكثر المخلوقات إثارة للرعب في العالم!!

 كانت الوثيقة عبارة عن تذكرة حرية وعتق رقبة لجارية صادرة من قلم عتق العبيد بالإسكندرية سنة 1882، ومثل هذه الوثائق كان يتم إصدارها اثباتاً لحرية الشخص الذي تم عتقه أو تحريره وحماية له حتى لا يرزح تحت نير العبودية مرة أخرى؛ بكونه قد أصبح حراً والدليل هذا الصك الحكومي وكان مذكور في هذه التذكرة مواصفات الجارية تفصيلياً وتبين سنها واسم مالكها.

تعود بداية الرق والاستعباد لعصور غابرة، فيما يعتقد الجميع أن الرق قد انتهي بموجب اتفاقية إلغاء العبودية منذ أكثر من قرنين، لكن الحقيقة المروعة والمؤكدة أن تجارة العبيد مزدهرة ومستمرة إلى وقتنا الحالي تمارس طقوسها بصورة حرة تماماً مستعينة بكل الوسائل الحديثة المتاحة خاصة الإنترنت العميق لتسهيل صفقاتها.

أسواق النخاسة تاريخياً
فيما مضى كانت أسواق النخاسة منتشرة في كل أسواق المدن المهمة تاريخياً، وبالرغم من أن عتق رقبة مؤمنة يعد من أمور التقرب إلى الله في الإسلام إلا أن ذلك لم يمنع ازدهار تلك التجارة أو يقنن ممارستها، على العكس تسبب الفتح الإسلامي للبلاد والأمصار في تعزيز سوق العبيد ورواج تجارة النخاسة نظراً للسبايا والغلمان الذين كانوا بمثابة غنائم للفاتحين من البلدان المختلفة، وتطورت تجارة الرق عبر العصور الإسلامية وصولاً للعصر العباسي وما تلاه حتي عهد الدولة العثمانية التي اتبعت نهج السلف.

وخلال الحكم العثماني كانت مصر مركزاً أساسياً للعبيد ذوي البشرة الداكنة الذين كان يتم جلبهم من أفريقيا وجنوب السودان ومنها يتم توزيعهم على الأناضول وبلاد الشام، فيما كان يتم جلب العبيد ذوي البشرة البيضاء من جورجيا وشرق أوروبا من المستعمرات الشركسية للأسرة العلوية، وكان البيع يتم أما في وكالة الرقيق في الخراطين، أو في وكالة الجلابة التي تقع في شارع الصنادقية في منطقة الأزهر، وهي مركزاً رئيسياً لتجارة العبيد وسميت بالجلابة نسبة للاسم الذي يطلق على التجار الذين يجلبون العبيد والجواري داكني البشرة، بينما كان يطلق علي التجار الذين يتاجرون في العبيد ذوي البشرة البيضاء اسم "اليسرجية".

وفي تلك الوكالات كان يتم عرض العبيد والجواري شبه عرايا حتي يتمكن المشترين من تعريتهم وفحص أجسادهم عن كثب واختيار المناسب لاحتياجاتهم منهم، وفي تلك الأيام كانت تختلف أسعار العبيد وفقاً لأصولهم العرقية، حيث يتراوح سعر العبد الأبيض من جنيه ونصف حتي 3 جنيهات بينما يتراوح سعر العبد الحبشي ما بين 6 إلى 10 جنيهات أما الجارية الحبشية فيصل سعرها 15 جنيهاً، وقد بلغ عدد العبيد عام 1840 في مصر وحدها 30 ألف عبد وأمة.
إضافة لعبيد الخدمة والجواري كان يوجد نوع ذو شهرة عالمية من هذه التجارة ألا وهو تجارة الخصيان وكان مركزهم في أسيوط، وكان تجارة رائجة نظراً لتشجيع واقبال السلطات العثمانية عليها فقد كان الولاة ينتظرون قوافل العبيد ليختاروا اعداداً ذات صفات معينة منهم لارسالهم إلى مختصين بعملية الإخصاء في مدينة أسيوط وتجهيزهم ومن ثم يرسلوهم إلى القاهرة للخدمة في بعض القصور أو كهدايا إلي الباب العالي في إسطنبول.
ظل الحال على ما هو عليه حتى عام 1855 عندما أصدر سعيد باشا فرماناً بإعطاء الحرية لمن يرغب من عبيد وجواري مصر، وأدي هذا القرار إلي تحويل تلك التجارة من نشاط يمارس على الملأ في العلانية إلى نشاط يقتصر على البيوت لا يتعدى جدرانها، حتى تم محاربة الرق من خلال الإجراءات التي اتخذها الخديوي إسماعيل والتي أدت لخسارة التجار فقام بصرف بعض التعويضات لهم واستمر الحال حتي توقيع اتفاقية بين مصر وبريطانيا في 1877 التي بمقتضاها تم انشاء وانتشار أقلام حكومية متخصصة في عتق الرقيق وتوثيق منحهم الحرية عبر تذاكر يتم تحريرها في مكاتب تلك الأقلام.
 

العبودية الحديثة
بالرغم من إعلان اتفاقية الأمم المتحدة لقمع هذه التجارة في 1942 وكل مساعي الدول والأمم المتحدة للحد من الرق وملاحقة مرتكبيه كونه نشاطاً غير قانوني، لم يتغير الحال كثيراً وتظهر فظاعات استعباد البشر ليس فقط في الدول الفقيرة وأثناء الحروب، وإنما في كل بقاع العالم حتى الأكثر غنى وتطوراً منها، فوفقاً لتقرير «مؤشر العبودية العالمي لعام 2018» الذى أصدرته منظمة «ووك فري» العالمية للبحوث، المعنيَّة بمكافحة جميع أشكال العبودية الحديثة،

ويشير التقرير إلى أن الاتجار بالبشر نشاط تجاري كبير وان أعلى معدلات انتشار الرق في العصر الحديث توجد في كل من هايتي والهند ونيبال وموريتانيا وباكستان، في حين أن أكبر عدد من ضحايا العبودية الحديثة موجود في الصين وإثيوبيا والهند ونيجيريا وباكستان وفي الهند، والغريب أنه ما زالت أوروبا وجهة ومصدر لاستغلال البشر رغم تاريخها الطويل في مكافحة العبودية، ووفقًا لنتائج المركز الإحصائي للاتحاد الأوروبي، فإن 65% من المسؤولين عن العبودية الحديثة أوروبيين.

 وقد ساهم تدفق اللاجئين لأوروبا مؤخراً إلى خلق ثغرات سهلت استغلال الشبكات الإجرامية لهم في تجارتها، ويقدر عدد الضحايا في أوروبا بحوالي مليون وربع المليون شخص. ووفقاً لمنظمة العمل الدولية  فإن العمل القسري ينتج أرباحًا سنوية قدرها 150 بليون دولار، وهذا يتخطى بكثير أرباح أكبر ثلاث شركات في سيليكون فالي مجتمعة، ويمكن أن يصل العائد السنوي للاستثمار في ضحايا الاتجار بالبشر إلى 500٪  للعمالة وإلى ما يصل إلى ألف في المئة لضحايا تجارة الجنس.

وتتخذ العبودية الحديثة عدة أشكال منها العمل القسري، والزواج القسري للفتيات، والاتجار بالبشر، واستغلال اللاجئين والمهاجرين، عمالة الأطفال، وسرقة الأطفال، ويعد العمل القسري كارثة إنسانية بكل المقاييس وينتشر بشكل واسع عالمياً بل أنه لا يوجد بلد واحد محصَّن من هذا النوع من الاستعباد وقد تخطى ضحاياه 21 مليون شخص حول العالم ومن أشكاله: السُّخرة، والعمل سداداً للديون؛ والاستعباد المنزلي والجنسي، والزراعة، والدعارة القسرية، وفقاً لتقديرات منظمة العمل الدولية.
ومن أهم أمثلة العمل القسري في الوقت الحالي العمالة في قطاع الملابس الجاهزة المجبرون على العمل لساعات طويلة قد تصل إلى 14 إلى 16 ساعة يومياً مع الحرمان من العطلات المرضية أو الرسمية إضافة لمنع الحديث فيما بينهم، ودفع أجور أقل من الحد الأدنى للأجور – تصل إلى 18 دولار شهرياً في الحالات القصوى – والعمل في حالة انعدام الأمان الوظيفي بدون تقاعد أو تأمين صحي.
وفي هذه الصناعة يتم إرغام النساء على العمل تحت التهديد وبقطع أجورهن حال حملهن مع حرمانهن من اجازات الوضع، ويتعرض العاملين في مصانع الملابس في الصين وبنغلاديش وفيتنام وميانمار وغيرها لمعاملة مهينة وظروف عمل صعبة تضطرهم عليها ظروف الفقر التي يعيشونها ولعل أبرز مثال لذلك ما حدث في مصنع رانا بلازا الذي يعد أكبر كارثة صناعية شهدتها بنغلاديش منذ 5 سنوات، حيث انهار المجمع الصناعي المتهالك ذي الثمانية طوابق مما أدى لقتل 1100 عامل فيما تم انتشال الـ2500 عامل الباقيين من تحت الانقاض.
 وتتورط في هذه القضية عدة شركات وماركات عالمية شهيرة منها زارا ومانغو وجاب واتش آند أم، هيرميس، ونايك وغيرها، يحدث ذلك في إطار اتجاهات الموضة الحديثة التي اصطلح على تسميتها إعلامياً بـ"الموضة السريعة" والتي تدفعهم للبحث عن أيدى عاملة أرخص بساعات عمل أطول في دول فقيرة بعيداً عن أعين القانون لتلبية حاجات مستهلكي الملابس في أوروبا والولايات المتحدة.

 

للأطفال أيضاً نصيب

وفقاً لليونيسف حول عمالة الأطفال يوجد حوالي 246 مليون طفل عامل تتراوح أعمارهم بين 5 إلى 17 عاماً حول العالم،  منهم أكثر من 171 مليون طفل يعملون في ظروف وقطاعات خطرة كالمناجم ووسط الآلات الخطرة والمواد الكيميائية.
 
ويبلغ عدد عمالة الأطفال في قطاع الزراعة 70٪ من إجمالي الأطفال العاملين في العالم، ويتوزع عملهم في قطاعات الفلاحة والثروة الحيوانية وصيد الأسماك وتربية الأحياء المائية، ولساعاتٍ طويلة وفي ظل مخاطر حرفية في معظم الأحيان، وفقاً لمنظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (FAO). و التي تشكل حوالي ثلثي إنتاج الكاكاو في العالم.

 ومن تلك الدول يتم توريد المواد الخام لمنتجي حلوى الشوكولاتة مثل هيرشي ومارس ونستله وفريرو وغيرهم من الشركات، والتي يستهلك الكثير منها في البلدان الغنية والمتقدمة خلال عطلة عيد الميلاد، ولنا ان نتخيل ان وراء كل قطعة شوكولاتة بمذاقها الرائع يوجد طفل قد انتهكت حقوقه وطفولته لتصل تلك القطعة بين أيدينا بينما لم يذق ناتج عمله في حياته ولو مرة واحدة.
وتؤكد منظمة العفو الدولية إن العمل القسري للأطفال لا يتوقف علي مزارع الكاكاو فقط بل يتخطاه إلى مزارع زيت النخيل في إندونيسيا التي تديرها شركة "ويلمار" الزراعية – التجارية ومقرها سنغافورة، والتي تستفيد من منتجاتها تسع شركات عالمية كبرى هي: آفاماسا، وآدي إم، وكولجيت- بالموليف، وإليفانس، ونستله، وبروكتر أند جامبل، وريكيت بنكايزر ويونيلفر.
بالإضافة لسرقة الأطفال، فقد تم بيع حوالي 20 مليون طفل خلال السنوات العشر الأخيرة، وتتباين النسب بين الذكور والإناث حسب الهدف من وراء التجارة؛ وتشير تقديرات المكتب الدولي للهجرة أنه في مناطق مثل أنغولا والبيرو يمكن أن تصل نسبة الاتجار هناك إلى 60%، تشكل الإناث منهم 70% من ضحايا هذه الجرائم، بينما في جمهورية بنين، يتجاوز الضحايا 40,000 طفل، ويفيد المؤشر العالمي للرق أنه يتم تهريب هؤلاء الأطفال في دول داخل المنطقة، وتهريبهم من الريف إلى المناطق الحضرية داخل الدولة الواحدة.
ومن طرق استرقاق الأطفال واستغلالهم، استخدامهم إجبارياً في الصراعات المسلحة، هو صنف آخر من الأصناف الشائعة للرق المعاصر منتشر في أفريقيا ومناطق الحروب، وفي هايتي يتم إرسال الأطفال من الريف إلى المناطق الحضرية للعمل كخدم في المنازل للأسر الأكثر ثراءً وهذا يحدث في مصر أيضاً، وقد يتعرضون في مثل هذه الحالات للاستعباد المنزلي والاستغلال الذي ربما يكون جنسي أيضاً.

موريتانيا وليبيا
بالرغم من تجريم الرق في موريتانيا أخيراً عام 2007، إلا أنه لا تزال العبودية تمثل مشكلة خطيرة هناك، وتفيد تقديرات المؤشر العالمي للرق بأنه لا يزال هناك ما بين  140,000 إلى 160,000 شخص يرزحون تحت نير العبودية في موريتانيا.

فيما نشرت شبكة "سى إن إن" الأمريكية في نوفمبر الماضي فيديو يصور بيع مهاجرين أفارقة في أسواق عبودية فى ليبيا، ويظهر الفيديو سمساراً ينادى في مزاد علني من أجل بيعهم للعمل في المزارع! في مشهد يذكرنا بأسواق النخاسة في الأفلام التاريخية قديماً، هذه الواقعة أثارت جدلاً دوليًا واسعاً. ولعل السؤال الذي يطرح نفسه هنا ماذا عن ملايين العبيد الغير معروفين حول العالم؟ هل سننتظر فيديو آخر لينتفض العالم؟ هل كل منا يستطيع أن يأمن على نفسه من أن يكون ضحية لهذه التجارة الرخيصة يوماً ما؟!! أم سيأتي الغد بفجر جديد؟.

كوادر

تتورط عدة شركات كبرى من ضمنها نستله في هذه الممارسات غير القانونية في حق الطفل وقد رفعت دعوى تتهم هذه الشركات بانتهاك حقوق الإنسان واستعباد الأطفال، حيث ينشط استغلال الأطفال للعمل في مزارع الكاكاو في ساحل العاج وغانا ويبلغ عددهم حوالي 2 مليون طفل يعملون في مزارع الكاكاو

 تم بيع حوالي 20 مليون طفل خلال السنوات العشر الأخيرة، وتتباين النسب بين الذكور والإناث حسب الهدف من وراء التجارة؛ وتشير تقديرات المكتب الدولي للهجرة أنه في مناطق مثل أنغولا والبيرو يمكن أن تصل نسبة الاتجار هناك إلى 60%، تشكل الإناث منهم 70%
تتورط في هذه القضية عدة شركات وماركات عالمية شهيرة منها زارا ومانغو وجاب واتش آند أم، هيرميس، ونايك وغيرها، يحدث ذلك في إطار اتجاهات الموضة الحديثة التي اصطلح على تسميتها إعلامياً بـ"الموضة السريعة" والتي تدفعهم للبحث عن أيدى عاملة أرخص بساعات عمل أطول
يوجد أكثر من 40 مليون عبد حول العالم حالياً، من بينهم 400 ألف بالولايات المتحدة الأميركية، ونحو 136 ألفاً آخرين يعيشون في بريطانيا
أهم أمثلة العمل القسري في الوقت الحالي العمالة في قطاع الملابس الجاهزة المجبرون على العمل لساعات طويلة قد تصل إلى 14 إلى 16 ساعة يومياً مع الحرمان من العطلات المرضية أو الرسمية إضافة لمنع الحديث فيما بينهم


العبودية في أنشط حالاتها 40 مليون عبد حول العالم


شارك برأيك .. لتكتمل الصورة


آخر المقالات

استطلاعات الرأي

يجب ان تختار خيار قبل ارسال التصويت
هل تعتقد أن الوقت قد حان لبدء تطبيق الدفع الإلكتروني في سوريا؟
نعم، حان الوقت لبدء تطبيقه وفرضه فوراً وهو ضروري للاقتصاد
لا، يجب إعداد بنية تحتية تقنية ومن ثم البدء بفرضه
لا، غير جاهزين بالوضع الراهن نهائياً لتطبيق الدفع الإلكتروني
النتائج
نعم، حان الوقت لبدء تطبيقه وفرضه فوراً وهو ضروري للاقتصاد
لا، يجب إعداد بنية تحتية تقنية ومن ثم البدء بفرضه
لا، غير جاهزين بالوضع الراهن نهائياً لتطبيق الدفع الإلكتروني