بين الفجر والعِشاء أجساد أنهكها الركض والانتظار
-
ميساء رزق - 2019/03/06
- 1486
اللاذقية - ميساء رزق
خبرنا اليوم خارج عن الصياغة المتعارف عليها لكتابة الخبر ، سننقله إليكم بلغة بسيطة تحاكي مناجاة كل واحد فينا ، نحن من نتقاسم الهواء والشمس والتراب و الماء تحت سقف هذا البلد الأمين ، سنروي لكم من خلاله مذكرات شخص ما ، قد يكون أنا أم أنت ،فالحال واحد ...واسمحوا لنا أن نسمي هذا - الشخص الما - جسد.. يعيش جسد بجوار بابك ..استيقظ اليوم أبكر من موعده فدولاب يومه سيبدأ دورانه و عليه الاستعداد للجري علّه يجني بعض رزق ..وكالعادة: مياه صنبوره باردة و مصباح حمامه مطفأ ونار مدفأته خامدة و رائحة غازه متبخرة .. التهم هذا الجسد بضع لقيمات من الخبز مغمسة ببعض زيت وملح و هام يحصّل دولاب يومه منتظراً مع بقية الأجساد أمثاله قدوم أية واسطة نقل تقله إلى عمله .. وبعد أن شارف على التعب حظي الجسد ببقعة صغيرة تتسع لشقفة منه محشورة بأعجوبة بسرفيس يتبختر بمازوت يسري في عروقه ..وبّخه مديره لتأخره عن العمل ، ابتسم.. وخرج لاعناً في سرّه نوع سيارته السوداء.. وهو في خضم عمله يأتيه اتصال : أن هلمَّ فالغاز على مشارف الحي ، يهرع هذا الجسد المسكين ناسياً مديره و يغامر بتكسي يلطش منه سائقها( حلوان الغاز ).. يركض صاحبنا و يمتطي جرته و يضع رأسه بين مئات الرؤوس واقفاً منتظراً يصرخ على هذا ويدفع ذاك.. يجادل هذا و يشتم ذاك ، وبعد طول انتظار يصل المغارة ويفتح له باب سمسم ويحظى بكنزه جرة حبلى بسيروم حياة سيجمع أفراد أسرته على كأس متة ساخنة بعد طول حرمان .. وما أن اطمأن الجسد على جرته الثمينة حتى عاود الركض ليؤمن حاجيات البيت بما بقي من نتف راتبه الذي وُعد كثيراً بمضاعفته ليتفاجأ بارتفاع سعر صرف الدولار الذي أثّر على سعر الفجل والبصل و طيَّر سعرهم بالعلالي ،قفل الجسد وعاد يجر ظله متهالكاً ببعض خبز و هندباء وارتمى في أحضان سريره عشاءً حالماً بغدٍ مشرق يصحو فيه صباحاً ..يفتح صنبوره الدافئ بعد أن يضيئ مصباح حمامه ..يشعل مدفأته قبل أن يغلي قهوته ..يدهن خبزه المحمص بعسل وزبدة ..يخرج من منزله و يصل لعمله ليقبض راتبه المجزي ويستمتع بشمس و هواء و ماء و تراب وسقف هذا البلد الأمين .
