مجانية الخدمة الصحية... من ميزة سورية... إلى عبء يصعب تحمله بعد الحرب

مجانية الخدمة الصحية... من ميزة سورية... إلى عبء يصعب تحمله بعد الحرب

 

المشهد-حمص-عتاب حسن

قطاعنا الصحي، والذي بات يعمل بأقل من نصف بنيته المادية بعد الدمار الذي لحق بالكثير من المنشآت الصحيّة، يعاني صعوبة الاستمرار في تقديم الخدمة الصحيّة المناسبة لمراجعيه، فالأزمة الراهنة حمّلت هذا القطاع أعباءً مضاعفةً من ناحيتين، الأولى الأعباء الناجمة عن الزيادة الكبيرة في أعداد المصابين، و متطلبات معالجتهم، و الثانية تتعلق بما ذكرناه آنفاً من قلة عدد المنشآت التي بقيت مستمرة بالعمل فتحمَّلت تبعاً لذلك عمل بقية المراكز التي خرجت من الخدمة، ونتيجة لذلك بقيت الأولوية طوال سنوات الحرب هي تقديم الخدمة الصحية، بشكل مقبول ضمن الإمكانيات المتاحة، إلى أن يتم التأهيل بالكامل.
شهد الواقع الصحي في محافظة حمص تردياً كبيراً على مستوى الخدمات المقدمة إلى المواطنين الذين عانوا ويلات الحرب، هذا التردي أرجعه المعنيون في القطاع الصحي بحمص إلى الأزمة. وتضرر معظم المنشآت الصحية وخروج بعض مراكز الريف الحيوية عن الخدمة، حيث تفيد الأرقام التي حصلت عليها "المشهد" من مديرية الصحة بحمص بتضرر / 226/ مركز صحي منهم /41/ مركز خارج الخدمة تماماً، من حيث البنى التحتية، ونقص الأجهزة، و/28/ مركز آخر الأضرار توزعت فيهم بين الجزئي، والكلي.
لا يختلف واقع المستشفيات في المحافظة (مدينة وريفاً) عن المراكز الصحية، فأرقام مديرية الصحة تبين خروج ثماني مستشفيات رئيسة عن الخدمة بشكل كامل.

اضرار


المستشفى والمستوصف .... تكامل أم تبادل أدوار؟
اعتمدت سياسة توزيع المنشآت الصحية سابقاً على إنشاء مشافٍ مصغرة في مراكز المدن، إضافةً إلى عدد من المستوصفات في القرى والبلدات، وأحياء المدن، لتكون رديفاً للمستشفيات في تقديم الخدمة الصحية، مع التنويه إلى أن نظام المستشفيات التخصصية ليس متبعاً على نطاقٍ واسع، بل هو محصور بعدد قليل منها..
رصدت "المشهد" في جولتها على بعض المستوصفات شكاوى معظم المواطنين من تقصير الكوادر الطبية في تقديم الخدمة، أضف إلى ذلك نقص الأجهزة، وتعطل بعضها عن العمل إن وجدت، الأمر الذي وصفه البعض بعبارة "الحجج الجاهزة دائماً"، وفي السياق ذاته رأى آخرون أن الخلل سابق لعهد الأزمة، فدمار العديد من المراكز والمستشفيات أظهر مواقع الضعف في المستوصفات، وعدم قدرتها على تلبية المواطن، بعد أن تحول الضغط إليها. فمعظمها ليس مجهزاً بغرف عمليات أو عناية مشدّدة، أو طاقم جراحي للحالات الإسعافية الحرجة، والتي يكون عامل الزمن الأساس فيها.


العمل في الظروف المستحيلة
في المقلب الآخر كان رأي بعض العاملين في المستوصفات، ممن التقتهم "المشهد"، متبايناً بخصوص سبب تدني الخدمة، وإن كان أغلبهم موافقاً على عدم كفايتها، خاصة في سنوات الأزمة،  وبعضهم عزا هذا الأمر إلى قلة الدعم المادي للمستوصفات، أو عدم تناسبه مع حجم العمل المفترض القيام به، خاصةً بعد توقف الكثير من المستشفيات العامة من ناحية، وزيادة أعداد السكان في بعض المناطق بسبب المهجرين القادمين من مناطق أخرى مما خلق ضغطاً شديداً يحول دون تقديم خدمة صحية مناسبة للمواطن.
يؤكد الدكتور "حسام عودة" عضو المكتب التنفيذي عن قطاع الصحة والبيئة في محافظة حمص "للمشهد" أنَّ:" السبب الرئيس في مجمل المشكلات التي يعاني منها القطاع الصحي بحمص هو خروج العديد من المستشفيات والمراكز الصحية عن الخدمة وقت الحرب مما أثر بشكل واضح على جودة الخدمات المقدمة إلى المواطنين.
وأضاف "عودة" (بكل شفافية تُعتبر الخدمات التي تقدمها المستشفيات والمراكز في المحافظة جزئية، وليست كلية، من حيث المكان، فالبناء ضيق، والأجهزة غير كاملة، كما نعاني من سوء توزيع الكادر الطبي والتمريضي، وهجرة عدد كبير منهم خلال الأزمة، لذا طلبنا من وزارة الصحة زيادة التعاقد مع الأطباء بهدف تغطية النقص الحاصل".


مجانية الخدمة الصحيّة.. إمكانية الاستمرار
مجانية الخدمة الصحية تحولت من ميزة سورية إلى عبء يُثقل كاهل الدولة، خاصةً مع تزايد الفجوة بين تكاليف الخدمات الصحية (ثمن الأجهزة و صيانتها و مستلزمات تشغيلها ...) و مستوى الدخل الفردي، و هذا الأمر دفع بشركات الضمان الصحي لمحاولات التملص التدريجي من العديد من الخدمات المغطاة بالضمان أو تخفيض نسب التغطية أحياناً، و حتى بعض مؤسسات القطاع العام قامت بتخفيض الضمان الصحي لموظفيها، لعدم توفر موارد مالية كافية ، ما أدى إلى زيادة الضغط على المراكز الصحية الحكومية بشكل كبير، مع ازدياد نسب الفقر في المجتمع، وفي المحصلة أصبحت هذه الميزة نسبية على أرض الواقع ،فالعلاج جزء منه مجاني و جزء آخر مأجور، لا سيما  القضايا المتعلقة بجرعات الأورام، و العلاج التأهيلي، و الأطراف الصناعية و غير ذلك.


تفرغ العاملين في القطاع الصحي
تم طرح مشروع قانون التفرغ الصحي مرات عدة قبل الأزمة، كأحد الحلول لتحسين واقع الخدمات الصحية من خلال تفرغ العاملين لعملهم تماماً ليكون حائلاً دون الجمع بين العمل الخاص، و العام، والأهم من ذلك ليكون رادعاً لعمليات السمسرة المبطنة (الشائعة جداً) لبعض الأطباء ممن يقومون بعملية تطفيش ممنهجة للمرضى باتجاه عياداتهم الخاصة، أو المستشفيات المتعاقدين معها، من خلال اقناع المرضى بانخفاض جودة الخدمة الصحية في المستشفيات العامة، و تأجيل دور العمليات، و التحجج بتعطل الأجهزة، وسوء المعاملة  الغريب أن فرق التعامل مع المرضى بين المشافي الخاصة، و العامة واضح للغاية مع أن معظم الكادر العامل فيهما هو مشترك، و لذلك كان قانون التفرغ ضرورة ملحة و في كل مرة كان يتم التذرع بعدم وجود تغطية مالية كافية لتطبيق هذا القانون.


الحلول جزئية...
قام المعنيون بالقطاع الصحي في الآونة الأخيرة بتشكيل لجنة ومهامها متابعة العمل الصحي ومشاكله بدقة، من خلال رصد نقاط الضعف في مراكز الريف تحديداً، مع تأكيدهم أن الإجراءات كلها ماهي إلا حلول جزئية، وليست كلية.
مما سمعنا، ورأينا يبدو أنَّ مشاكل القطاع الصحي، أكبر من أن تحلها لجنة فالموضوع بحاجة إلى إعادة بناء هذا القطاع من جديد من ناحية الهيكلية وترتيب الأولويات وسبل توفير الدعم المادي له، والذي سيضمن له العمل بكفاءة عالية.  

 

شارك برأيك .. لتكتمل الصورة


استطلاعات الرأي

يجب ان تختار خيار قبل ارسال التصويت
هل تعتقد أن الوقت قد حان لبدء تطبيق الدفع الإلكتروني في سوريا؟
نعم، حان الوقت لبدء تطبيقه وفرضه فوراً وهو ضروري للاقتصاد
لا، يجب إعداد بنية تحتية تقنية ومن ثم البدء بفرضه
لا، غير جاهزين بالوضع الراهن نهائياً لتطبيق الدفع الإلكتروني
النتائج
نعم، حان الوقت لبدء تطبيقه وفرضه فوراً وهو ضروري للاقتصاد
لا، يجب إعداد بنية تحتية تقنية ومن ثم البدء بفرضه
لا، غير جاهزين بالوضع الراهن نهائياً لتطبيق الدفع الإلكتروني

الأكثر مشاهدة هذا الشهر