البطالة المقنعة في سورية

البطالة المقنعة في سورية

تعتبر نسبة البطالة من المؤشرات الاقتصادية الأساسية لأي بلد وعادة ترتفع نسبة البطالة في حالات الركود الاقتصادي وفي الأزمات الاقتصادية أيضاً. ويتفرع من مفهوم البطالة عدة مفاهيم ابرزها البطالة المقنعة  التي تحدث عندما يعمل في مؤسسة، أو وزارة، أو شركة أكبر من العدد اللازم لإنجاز المهام المطلوبة، وبالتالي تكون كفاءة أداء الموظفين منخفضة. أما البطالة المقنعة غير المرئية تحدث عندما يعمل الاشخاص في مهن لا تناسب درجة تعليمهم وشهاداتهم، فهذا يحصل نتيجة للظروف الاقتصادية الصعبة التي يعيشها غالبية الناس. 
عادة في البلدان التي تتبع النهج الاقتصادي الاشتراكي ينتشر مفهوم «البطالة المقنّعة» على نطاق واسع نتيجة استيعاب المؤسسات الحكومية لموظفين لا عمل لهم أو فائضين عن حاجة المؤسسة، وذلك من أجل تقليل، وتخفيض نسبة العاطلين عن العمل في اية بلد. 
عادة تلقي الحالة الاقتصادية في أي بلد ظلالها على سوق العمل من خلال التأثير على  العرض والطلب، مثل الأسواق الأخرى، وهذا ما يحصل بسورية اليوم فأصحاب المهن والحرف مطلوبون اليوم، وتراجع عددهم كثيرا نتيجة ظروف الهجرة، أما خريجو الجامعات يقسمون إلى قسمين، قسم خريجي كلية الطب وبعض الاختصاصات الهندسية لديهم فرصة الهجرة ولديهم فرصة العمل محليا، القسم الاخر لا يجدون عملا وإن وجدوا إما خارج الاختصاص وإما بأجور بخسة.
بعض الخريجين يشتكون من العقود الجائرة جداً التي تبرمها الشركات الخاصة، والرواتب الهزيلة، حيث لا يوجد أي تأمينات اجتماعية حيث يقول احد المحامين «من المتفق عليه، لدى أرباب العمل، أن نظام التأمين غير مشجع بالنسبة لهم، إذ إنهم يعتبرون الاشتراكات عن كل عامل كبيرة، ومرهقة وهي 14 في المائة ونسبة إصابة 3 في المائة فتصبح 17 في المائة، علماً أن النسبة معقولة مقارنة بالدول الأخرى، وعندما تُرسل مؤسسات التأمين مفتشيها إلى مواقع العمل، فيقوم صاحب العمل بتهريب عمّاله، أو بتخفيض الأجور التي يتقاضونها، وتغيير تاريخ الالتحاق بالعمل، وتزوير عدد العمال، والمشهد الأكثر بشاعة، هو عندما يتناغم العمال مع ربّ عملهم بإفاداتهم فيقولون عكس ما يريدون  كي لا يخسروا عملهم، وحتى إذا تم إبرام أي عقد بين رب العمل، والموظف، يكون عبارة عن حبر على ورق، لا يجدي نفعاً، حتى إن هناك العديد من الشركات توقع الموظف على استقالته مسبقاً، في حال أرادت الاستغناء عنه، فيكون الأمر جاهزاً، دون وجود أي رادع لرب العمل».
عمليا لايوجد بيانات دقيقة يمكن الرجوع اليها ولكن هناك كثيرمن البيانات التي صدرت عن مراكز أبحاث ومنظمات غير حكومية، تشير فيها إلى نسبة البطالة في سوريا التي ازدادت بشكل ملحوظ بعد عام 2011، وتستمر في الارتفاع حتى اليوم، حيث بلغت نسبة البطالة في سوريا عام 2020، نحو 75 في المائة، حسبما أفادت به منظمة العمل الدولية، حيث سجلت البطالة خلال ذلك العام معدل ارتفاع قارب الضعف عما كانت عليه عام 2016، وفي ضوء البيانات الإحصائية للمكتب المركزي للإحصاء عام 2019، بلغت 30.3 في المائة من قوة العمل، وفي دراسة تحت عنوان «اختلالات سوق العمل في الاقتصاد السوري، وسياسات تصحيحها 2001-2017»، أجراها احد مراكز الدراسات، تبين فيها أن سوق العمل السوري يعاني من مشاكل تراكمية متعددة، منها ضعف التنسيق بين المؤسسات وبرامج سوق العمل، وعدم وجود استراتيجية، أو سياسة تنظم سوق العمل، وحسب الدراسة، فإن معدلات البطالة قفزت بشكل كبير جداً إلى مستويات لم يلحظها الاقتصاد السوري من قبل، فطوال الفترة الواقعة بين (2013/2017) وصلت معدلات البطالة وبشكل وسطي إلى نحو 37 في المائة، وذلك نتيجة لتدمير القوى التحتية، وضعف البنية الاقتصادية.
اليوم موضوع البطالة بشكل عام والبطالة المقنعة بشكل خاص تحولت الى مشكلة اقتصادية ترخي بظلالها على كافة محاور العملية الاقتصادية في سورية وذلك كون البطالة المقنعة في سورية وفق مؤشرات الدخل ومتطلبات المعيشة تندرج ضمن البطالة الحقيقية وعليه تتجاوز نسبة البطالة الحقيقية الارقام المعلنة بكثير بل تصل لمستويات قياسية غير مسبوقة .
الحل اليوم ليس قرارا بيد الحكومة. الحل مرتبط بمعالجة المشكلة الاقتصادية برمتها في سورية واساسها استعادة موارد الحكومة  لنصل في النهاية لمجموعة اجراءات قابلة للتنفيذ و للقياس، والتحليل، للوصول إلى نتائج يمكن أن تخفيض نسبة البطالة المقنعة، من خلال تحسين الاجور وإعادة هيكلة مؤسسات الحكومة وصولا إلى اخراج نسب البطالة المقنعة والهيكلية  خارج مقياس البطالة الكلي وإعادة الوضع لما كان عليه قبل العام 2011 ومن ثم في مرحلة لاحقة التخلص من البطالة المقنعة تدريجيا ضمن ما تسمح به تطورات المشهد الاقتصادي في سورية.

 

شارك برأيك .. لتكتمل الصورة


استطلاعات الرأي

يجب ان تختار خيار قبل ارسال التصويت
هل تعتقد أن الوقت قد حان لبدء تطبيق الدفع الإلكتروني في سوريا؟
نعم، حان الوقت لبدء تطبيقه وفرضه فوراً وهو ضروري للاقتصاد
لا، يجب إعداد بنية تحتية تقنية ومن ثم البدء بفرضه
لا، غير جاهزين بالوضع الراهن نهائياً لتطبيق الدفع الإلكتروني
النتائج
نعم، حان الوقت لبدء تطبيقه وفرضه فوراً وهو ضروري للاقتصاد
لا، يجب إعداد بنية تحتية تقنية ومن ثم البدء بفرضه
لا، غير جاهزين بالوضع الراهن نهائياً لتطبيق الدفع الإلكتروني

الأكثر مشاهدة هذا الشهر