لماذا يتصارع العالم على افريقيا

لماذا يتصارع العالم على افريقيا

يعتقد المتابعون أن الصراع الذي تشهده القارة الأفريقية مؤخرا هو أحد انعكاسات الصراع الدولي في حقبة "ما بعد العولمة" أو "محاولة كسر هيمنة القطب الواحد"، وبالتالي، يُنظر لهذه التأثيرات باعتبارها نهاية مرحلة تاريخية وبداية أخرى في تشكّل العلاقات والمصالح الدولية، وخاصة على ضوء الصراع الفرنسي الروسي على النفوذ في هذه القارة
بعد استقلال الدول الأفريقية، قامت فرنسا بصياغة علاقة جديدة مع مستعمراتها السابقة في أفريقيا ضمنت لها استغلال الموارد الاستراتيجية لتلك الدول كالماس واليورانيوم والغاز والنفط من خلال المشاريع التي منحتها الدول الأفريقية لنحو 1100 شركة فرنسية كبرى و2100 شركة صغرى، وباتت ثالث أكبر محفظة استثمارية على مستوى العالم بعد الولايات المتحدة وبريطانيا. 
ظلت فرنسا تستغل المقدرات الأفريقية دون مقابل لشعوبها، وبلا حوافز للاقتصاديات التي تهيمن عليها، فضلا عن عدم مواكبتها للتطورات على الساحة الأفريقية وتضاؤل الثقة فيها وفي سياساتها بشكل عام مما أدى إلى تراجع صورة فرنسا لدى الأفارقة وارتباطها بالغطرسة المحمولة على روح التفوق الحضاري.
اليوم بدأت الصورة تتغير مع ظهور منافسين أقوياء كالصين وروسيا والبرازيل وهي دول ليس لها تاريخ استعماري في أفريقيا، إضافة إلى استعدادها لتقديم ما لم تقدمه فرنسا هنا مع تغيّر ميزان القوى بسبب التنافس الدولي على أفريقيا، مما يوفر شركاء جددا قادرين على الوفاء باحتياجاتها دون اشتراطات. في مقابل أزمة الثقة العميقة الناجمة عن تراكم الاستغلال الفرنسي للدول الأفريقية وتطاول الأمد عليها.
مؤخرا احتدم التنافس بين روسيا وفرنسا في عدة دول افريقية بدرجات متفاوتة واختلف الطرفان في طريقة تعاطيهما مع الدول الأفريقية؛ ففرنسا رغم معرفتها بدول القارة أكثر من روسيا فإن الأخيرة في عودتها الجديدة إلى هذه المنطقة -يبدو أنها- حرصت على النفاذ إلى متطلبات النجاح هنا مباشرة. 
تشكل الثروات الطبيعية الأفريقية التي وجدت الشركات الروسية مجالا للتعاقد فيها على حساب الحلفاء التقليديين المجال الاول للتنافس بين الروس من جهة والغرب من الجهة الاخرى.
أيضا يشكل النفط  حلبة اخرى للصراع وفي هذا المجال: وقعت شركة "روساتوم" للطاقة اتفاقات مع 14 دولة أفريقية للتعاون في المجال النووي، الذي يمتد إلى قطاعات الطب والزراعة، ومنها صفقة بـ76 مليار دولار مع دولة جنوب أفريقيا وحدها.
كما يشكل قطاع التسليح والأمن ميدانا رئيسيا للصراع بين الشركات الروسية والصينية والغربية في ظل تصاعد التهديدات الأمنية ومخاطر الجماعات المسلحة التي تتكاثر يوما إثر آخر، وحققت روسيا فيه نجاحا كبيرا خاصة في مجال التدريب والخبراء العسكريين من خلال شركات امنية خاصة.
تعيش أفريقيا فترة تحولات كبيرة -ضمن التحولات الدولية- تقتضي من دولها البحث عما يثبّت سلطتها، وتجد روسيا أقرب ما تكون في استجابتها لذلك حيث لا تتدخل روسيا في الشأن الداخلي الأفريقي كما تفعل الدول الغربية. اضافة إلى اعتماد روسيا على التعاون بدلا من المساعدات الغربية المشروطة فتظهر بصورة القوة التي تخدم الدول الأفريقية. ومؤخرا إلغاء روسيا 20 مليار من الديون المستحقة على الدول الأفريقية، وهو ما لا تتجاسر على فعله الدول الغربية إلا تحت اشتراطات محددة وقاسية.
يبدو التقدم الروسي حاليا واضحا بعد التراجع الغربي في عدة مناطق كمنطقة الساحل الأفريقي ذات النفوذ التاريخي لفرنسا، التي تعد الميدان الأكثر سخونة في القارة الآن؛ فروسيا أخرجت فرنسا من أفريقيا الوسطى منذ عام 2017 ومن مالي عام 2021، وربما قريبا من بوركينا فاسو التي تم الاعتداء على السفارة الفرنسية فيها والإطاحة بالعقيد سانداوغو المتهم بالولاء لفرنسا، وكذلك في النيجر وتشاد التي شهدت تظاهرات تطالب بخروج فرنسا كما خسرت فرنسا رواندا والغابون منذ أن تركت الدولتان المجموعة الفرانكفونية وانضمتا إلى الكومنولث وتحللتا من الهيمنة الفرنسية.
وفقا لتوقعات من المحللين، فإن العالم يتجه نحو حرب باردة أخرى، وربما هذا المرة بأقطاب متعددة وكلما اشتد صراع الأقطاب الدولية على قيادة العالم كانت أفريقيا أحد ضحاياها ومسرحها ومورد وقود حروبها الباردة والساخنة. وفي المنظور القريب، يبدو أن روسيا تتفوق على منافسيها، ولكن العبرة بالجدوى والديمومة وسياسة النفس الطويل ومصالح الشعوب الأفريقية، وهو ما سيحدد الرابح من الخاسر في هذه القارة في ظل توجهات امريكية نحو شرق اسيا وترك الساحة الافريقية لفرنسا ومن خلف الستار اسرائيل.

شارك برأيك .. لتكتمل الصورة


استطلاعات الرأي

يجب ان تختار خيار قبل ارسال التصويت
هل تعتقد أن الوقت قد حان لبدء تطبيق الدفع الإلكتروني في سوريا؟
نعم، حان الوقت لبدء تطبيقه وفرضه فوراً وهو ضروري للاقتصاد
لا، يجب إعداد بنية تحتية تقنية ومن ثم البدء بفرضه
لا، غير جاهزين بالوضع الراهن نهائياً لتطبيق الدفع الإلكتروني
النتائج
نعم، حان الوقت لبدء تطبيقه وفرضه فوراً وهو ضروري للاقتصاد
لا، يجب إعداد بنية تحتية تقنية ومن ثم البدء بفرضه
لا، غير جاهزين بالوضع الراهن نهائياً لتطبيق الدفع الإلكتروني