سياسة الدعم وإصلاح الرواتب والأجور

سياسة الدعم وإصلاح الرواتب والأجور

ينحو معظم السوريين وأنا منهم إلى حصر موضوع الدعم الذي تقدمه الدولة للمواطنين بسعر المواد الغذائية وغير الغذائية التي يشتريها المواطن ( خبز – محروقات – كهرباء – ماء) في حين أن الموضوع أوسع بكثير ويكاد يطال كل مناحي حياة المواطنين من تعليم وصحة وزراعة وصناعة وخدمات على مختلف أشكالها وهذا واجبها بموجب الدستور طبعاً.

حتى الحكومة وأعضاؤها عندما يتحدثون عن إعادة توجيه الدعم لإيصاله لمستحقيه يحصرون أنفسهم ضمن إطار الحلقة النهائية لشراء السلع الأساسية بأسعار مدعومة، ولايذهبون إلى جوهر مفهوم الدعم الذي يتمثل بدعم الإنتاج سواء كان زراعياً وهو أولوية، أم صناعياً أم إنتاج الخدمات بمختلف أشكالها الصحية والتعليمية وغيرها وتقديمها للمواطنين بأسعار مدعومة.

هل يمكن الاستمرار بالدعم كما هو؟

السؤال المطروح على لسان معظم السوريين ..هل يحقق مسار الدعم بشكله الحالي مراده وهدفه؟ الجواب بالتأكيد هو النفي، لأن هذا المسار تشوبه الكثير من التشوهات بدءاً من تخصيص المبالغ وفق أولويات قد لا تكون هي الأجدى، وليس انتهاء بقنوات الفساد واستفادة أصحاب الثروات من الدعم بنسب تفوق استفادة الفقراء والمستحقين الحقيقيين للدعم، فمثلاً تستفيد الأسرة التي تمتلك عدة بيوت وعقارات من دعم الكهرباء والماء أكثر بكثير من أسرة لا تمتلك سوى منزلاً واحداً، وكذلك في دعم المحروقات هناك الكثير من المواطنين لا يمتلكون سيارات وبالتالي لا يحصلون على الدعم الذي يحصل عليه أصحاب السيارات بمختلف أنواعها، وإن كان جميع المواطنين يستفيدون من الدعم المقدم لوسائل النقل العامة.

ما تطرحه الحكومة اليوم من إعادة توجيه الدعم لمستحقيه وإخراج فئات قادرة مادياً من مظلة الدعم الحكومي قد لا تكون الآلية الأفضل حالياً، وربما ليست في التوقيت المناسب خصوصاً مع سنوات الحرب العشرة التي استهلكت مقدرات السوريين جميعاً وتآكلت مدخراتهم خلالها وانخفضت قدرتهم الشرائية باستثناء بعض الميسورين وتجار الحرب والمتلاعبين بسعر الصرف الذين يشكلون نسبة لا تزيد عن 5 % من السوريين. لكن بالمنطق ما جرى للمواطن السوري تعرضت له الدولة ومؤسساتها ومواردها أيضاً، فهل يمكن أن يبقى الوضع على ما هو عليه في وقت تراجعت فيه موارد الدولة وتقلصت قدرتها المالية والاقتصادية بسبب الحرب والحصار؟ 

إن عملية إعادة توجيه الدعم لمستحقيه ضرورية، شرط أن تكون منطقية ومتناسبة، بحيث يذهب الدعم الأكبر للأسر الأشد فقراً واحتياجاً وينخفض للأسر الأقل احتياجاً وهكذا بالتدريج حتى ينعدم كلياً لمن لا يحتاج الدعم. أمّا أن يتم استبعاد شرائح من المواطنين بناءً على المهنة أو الملكية بمعزل عن تقاطع معلومات دقيقة عن مداخيل كل أسرة فهو إجحاف كبير، إذ ينبغي مقاطعة مجمل عوامل اقتصادية مع المداخيل حتى يتم انجاز الأمر بأعلى درجات الدقة الممكنة.

تقسيم الدعم إلى شرائح 

اعتقد ومعي الكثير، أن نسبة السوريين المستحقين للدعم حالياً تتجاوز 85% ولكن بنسب متفاوتة، أي لا يمكن أن يكون جميعهم بحاجة للدعم بنفس المستوى، لذلك فإن دراسة فكرة توجيه الدعم تتطلب دراسات وإحصائيات دقيقة، ولا يجوز إقرارها بناء على آراؤ مزاجية لا تعتمد الرقم الإحصائي، وعندما يكون توجيه الدعم بطريقة مدروسة ودقيقة سيحظى بدعم شريحة المستفيدين منه وهي نسبة كبيرة .

ويمكن في هذا الإطار تقسيم الدعم إلى شرائح تبدأ مثلاُ من 60% إلى 50% فـ 40% و 30% فـ20% وانتهاء بـ10% وصولاً إلى الشريحة غير المدعومة، وتقوم الحكومة بوضع مبلغ مالي يعادل هذه النسب في حساب البطاقة الالكترونية للأسر بشكل شهري بحيث تتحصل كل أسرة على فرق سعر المادة في السوق والتي يتم تحديدها في الأساسيات من خبز غاز ومازوت وكهرباء وماء وسكر ورز وشاي وسمن وزيت وغيرها على أن يتم توحيد سعر المادة في السوق حسب الكلفة وبالتالي تنتفي بشكل طبيعي إمكانية ظهور السوق السوداء وكذلك من يستفيد من الدعم لا يستطيع بيع مستحقاته بأعلى من سعر السوق.

فمثلاً أسرة من شريحة الدعم 60% تشتري المواد المذكورة أعلاه بسعر السوق يتم وضع نسبة 60% من سعر هذه المواد وبالكميات المحددة من قبل الحكومة للأسرة في حساب البطاقة الالكترونية وتتحصل عليها شهرياً.

إعادة توجيه الدعم بالتزامن مع إصلاح الرواتب والأجور

لكن هل يمكن أن تكون عملية إعادة توجيه الدعم مجدية إن لم تترافق بزيادة الرواتب والأجور وإصلاح التعويضات المرافقة لها؟ سؤال في غاية الأهمية، إذ لا يكفي أن يكون الموظف أو صاحب الراتب معتمداً على مبدأ الدعم الذي يأتي على شكل دعم مدخلات الإنتاج وكذلك المواد الأساسية، فلا بد أن يكون له راتب مناسب يؤمن له سبل العيش الكريم ويمنع عنه حالة العوز.

أولوية دعم قطاعات الإنتاج

 

كيف يمكن للحكومة أن تصل إلى مكان توجه فيه فعلاً الدعم في مسارات ناجحة ومثمرة وتكون نتائجها ايجابية لدى الشريحة الأوسع من السوريين الذين يستهدفهم الدعم؟ لا شك أن الدعم المقدم في مجالي الصحة والتعليم بحاجة إلى معالجة وتطوير أيضاً من حيث الكفاءة بما يضمن استمرار تقديم الخدمات بمستوى جيد ويحقق الغاية المرجوة وليس كما يحصل اليوم من تدني مستوى الخدمات الصحية والتعليمية.

ومن المطارح التي ينبغي ألاّ يتراجع فيها الدعم الحكومي هي القطاع الزراعي الذي يشكل عماد الاقتصاد السوري وأساس الأمن الغذائي للسوريين، لذلك لا يجوز تخفيض الدعم المقدم للزراعة والفلاحين تحت أي مسمى وخصوصاً في مجال المحروقات والأدوية والسماد بالإضافة إلى تأمين مصادر مياه للري تضمن ديمومة الإنتاج وغزارته ما يؤدي حتماً إلى انخفاض كلف الإنتاج وبالتالي أسعار المنتجات الغذائية التي هي حاجة منزلية يومية لكل أسرة سورية.

فهل تفكر الحكومة في بناء قرارات إعادة توجيه الدعم على أرقام وإحصائيات دقيقة مع تعزيز مطارح الدعم حيث يجب أن تكون لتصبح أكثر جدوى وتأثيراً لدى الفئات الأكثر احتياجاً من جهة وتعزيز الإنتاج من جهة ثانية؟ نأمل ذلك.

شارك برأيك .. لتكتمل الصورة


استطلاعات الرأي

يجب ان تختار خيار قبل ارسال التصويت
هل تعتقد أن الوقت قد حان لبدء تطبيق الدفع الإلكتروني في سوريا؟
نعم، حان الوقت لبدء تطبيقه وفرضه فوراً وهو ضروري للاقتصاد
لا، يجب إعداد بنية تحتية تقنية ومن ثم البدء بفرضه
لا، غير جاهزين بالوضع الراهن نهائياً لتطبيق الدفع الإلكتروني
النتائج
نعم، حان الوقت لبدء تطبيقه وفرضه فوراً وهو ضروري للاقتصاد
لا، يجب إعداد بنية تحتية تقنية ومن ثم البدء بفرضه
لا، غير جاهزين بالوضع الراهن نهائياً لتطبيق الدفع الإلكتروني