بين مسؤولية اتخاذ القرار وضبط تداعياته

بين مسؤولية اتخاذ القرار وضبط تداعياته

قد لا يعلم الجميع أن وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك ليست الجهة الوحيدة المعنية بتأمين الخدمات والمواد الأساسية وضبط الأسواق ومنع الغش ورفع الأسعار، وإن كانت مكلّفة بحكم اختصاصها بجزء كبير منها، لكن الوزير الحالي استطاع بفوضى ظهوره الإعلامي -اتفقنا معه أم لا - أن يحمل نظرياً تبعات هذا الملف الشائك دوناً عن غيره من الوزراء المعنيين.


ففي عملية رفع سعر مادة ما تقدمها الدولة سواء كانت منتجاً مادياً أم خدمياً، تجتمع اللجنة الاقتصادية المشكلة من عدد من الوزراء، لتدرس موجبات وتبعات رفع سعر هذه المادة وربما أثرها على جوانب اقتصادية أخرى، وبعد الموافقة على رفع السعر الذي تحدده، وقد يكون بناء على اقتراح الوزارة المختصة، تقوم هذه الوزارة بتصديره قراراً وتتابع تنفيذه، وهنا في الأغلب هي وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك.


ونلاحظ أنه في الشق المتعلق بإصدار قرارات رفع الأسعار تتم بجرة قلم ويتم تنفيذها بيسر وسهولة وما على المواطن سوى التقيد، لكن فيما يخص تبعات القرار نجد أن الوزارة وغيرها من المؤسسات التنفيذية المعنية بضبط تبعات القرار على حركة السوق شبه غائبة. وبالرغم من عدد الضبوط التي تسجلها مديريات التجارة الداخلية وحماية المستهلك، فهذه المخالفات غيض من فيض الفوضى في مواصفات الإنتاج من جهة والأسعار التي تكوي المواطن ليل نهار من جهة ثانية.


وليس دفاعاً عن وزارة التجارة، فهناك وزارات وجهات أخرى معنية بمتابعة وإدارة تداعيات وأثر رفع سفر مادة ما على السوق والخدمات الأخرى المتعلقة بها. فمثلاً رفع سعر البنزين المدعوم من 750 ليرة إلى 1100 ليرة مساء 11 كانون الأول الجاري يفترض أنه أثّر على أسعار وسائل النقل العامة العاملة على البنزين وسيارات الأجرة على امتداد الطرق السورية، وبالتالي ينبغي أن يكون قرار تسعيرة النقل الجديدة بنفس التوقيت أو لنقل صباح اليوم التالي حتى لا يقع المواطن ضحيةً لمزاجية السائقين، وكي تستطيع الجهات الرقابية المحاسبة وفق النشرة السعرية الجديدة. لكن هذا عادة لا يحصل في بلدنا قبل أسبوع، حيث ينتظر حتى تجتمع المكاتب التنفيذية في كل محافظة لتضع التسعيرة الخاصة بها. 


وهكذا، فإن غياب أو تأخر الجهات المعنية عن متابعة تداعيات رفع سعر مادة ما على السوق، يضع المواطن بين مطرقة الحاجة لتأمين احتياجاته وسندان ارتفاع الأسعار بدون رقيب. وفي مثالنا عن رفع سعر البنزين.. ضاعفت معظم سيارات الأجرة التسعيرة في مختلف المحافظات ولم تصدر حتى ١٨ الشهر  تسعيرة جديدة لإلزام أصحاب سيارات الأجرة بها.


يضاف لهذا الجانب، أنه حتى عند وضع تسعيرة سواء لسيارات الأجرة أم السرافيس لا تلتزم بالتسعيرة التي يتم وضعها، وحتى العدادات المركبة في سيارات الأجرة هي منظر فقط. 


فكيف ستقنع الوزارات المواطن أنها تقف إلى جانبه وتهتم لأمره وتعمل على حمايته من جشع أشخاص بطونهم لاتشبع؟ المواطن يتفهم بعض القرارات الحكومية غير الشعبية المتعلقة برفع أسعار المازوت والبنزين الذي يتم استيراده رغم الحصار، لكنه لا يمكن أن يفهم أو يتفهم سبب تقاعس الجهات الرقابية المعنية عن القيام بمهامها في وضع الأسعار و ضبط الالتزام بها. 


كيف لمواطن أن يتفهم قرار ببيع ربطتي خبز بكيس واحد بدل أن يكون لكل ربطة كيسها وخصوصاً انه جاء في متن تبرير القرار الذي صدر بأنه لتخفيف تكاليف إنتاج الخبز على المخابز الخاصة.. ما يوحي أن الوزارة مشغولة بتخفيف التكاليف على أصحاب الأفران الخاصة الذين يعلم المواطن كيف يغتنون على حساب لقمة خبزه !!! 

موضوع آخر طرحته وزارة التجارة الداخلية بعد اجتماعاتها مع الصناعيين والتجار في شهر تشرين الأول الماضي وهو تأمين المازوت للصناعيين والأنشطة التجارية والزراعية بمبلغ 1700 ليرة لتخفيف تكاليف الإنتاج عنهم وتخفيض أسعارهم تالياً باعتبار أنهم كانوا يشتكون من شراء المازوت ب 4000 ليرة.

لكن السؤال.. ما هي المواد التي انخفضت أسعارها بعد تزويدهم بالمازوت بهذا السعر؟ هل انخفضت أسعار الأمبيرات في حلب مثلاً ؟ أم سعر أي مادة منتجة في السوق؟ طبعاً سيأتيك الجواب أن المواد الموجودة في السوق هي منتجة سابقاً بتكاليف عالية وبحاجة إلى وقت .. وبعد ذلك، يقال لك أن نسبة سعر المازوت في تكاليف الإنتاج قليلة وغير ملحوظة وبالتالي لن يكون هناك انخفاض واضح، وبعد ذلك ينسى الجميع الموضوع سوى المواطن الذي يكتوي بنار أسعار المواد والسلع.


حتى يقتنع المواطن أن الوزارات تعمل لصالحه وأنها لا ترفع أسعار المواد إلا تحت عنوان الحفاظ على تأمينها له، لابد لهذا المواطن الذي صمد وصبر وقدم التضحيات دفاعاً عن الوطن وحماية له من قوى الإرهاب ورعاتهم، أن يشعر ويرى بأم عينه أن تلك المؤسسات تعمل لأجله على مدار الساعة وأنها تتحرك لضبط تداعيات رفع سعر أي مادة على السوق بنفس سرعتها في اتخاذ قرار الرفع، لمنع حيتان المال والأعمال كبارهم وصغارهم  من استغلال رفع سعر أي مادة لإرهاق كاهل المواطن الذي وصل إلى درجة الإنهاك.


ولكي يقتنع المواطن أن الوزارات جادة فعلاً في العمل لمصلحته كما يحلو دائماً للمسؤولين أن يصرحوا، ما عليهم سوى التوقف عن التبريرات الاستفزازية لأي قرار رفع الأسعار والحديث بمنطق الواقع فقط.

شارك برأيك .. لتكتمل الصورة


استطلاعات الرأي

يجب ان تختار خيار قبل ارسال التصويت
هل تعتقد أن الوقت قد حان لبدء تطبيق الدفع الإلكتروني في سوريا؟
نعم، حان الوقت لبدء تطبيقه وفرضه فوراً وهو ضروري للاقتصاد
لا، يجب إعداد بنية تحتية تقنية ومن ثم البدء بفرضه
لا، غير جاهزين بالوضع الراهن نهائياً لتطبيق الدفع الإلكتروني
النتائج
نعم، حان الوقت لبدء تطبيقه وفرضه فوراً وهو ضروري للاقتصاد
لا، يجب إعداد بنية تحتية تقنية ومن ثم البدء بفرضه
لا، غير جاهزين بالوضع الراهن نهائياً لتطبيق الدفع الإلكتروني