التحفيز الوظيفي موجود.. لكنكم تفضلون كثرة الاجتماعات!

التحفيز الوظيفي موجود.. لكنكم تفضلون كثرة الاجتماعات!

حدث في إحدى المؤسسات الخدمية، ان أحد العاملين بصفة "مستخدم" بدأ يتغيب عن مكان عمله وبشكل مفاجئ ومبالغ فيه، ما دفع الإدارة إلى استدعائه للاستفار عن وضعه المستجد، على اعتبار ان سجله نظيف لجهة مواظبته لسنوات على القدوم إلى عمله، وكان يصل قبل جميع الموظفين ويغادر بعدهم جميعاً، (الرواية واقعية وسمعتها من مدير تلك المؤسسة).

تصلح هذه الحادثة لأن تكون مقدمة للبحث عن السبب الذي يحفز مئات الآلاف من الموظفين في الجهات العامة للاستمرار بعملهم في ظل الرواتب الهزيلة التي يتقاضونها

المهم ولدى مثوله أمام المدير الذي اخطره انه في حال استمرار غيابه على هذا النحو بدون مبرر قانوني، ستلجا الادارة الى فسخ عقده (موظف بعقد سنوي)، المفاجئ في الأمر أن العامل استقبل هذا الإخطار الشفوي باستخفاف، ما دفع المدير لسؤاله بطريقة لطيفة عن سبب تغير حاله، فأجاب العامل: "كنت في ما مضى آتي كل يوم لكي أجمع الكرتون في هذه المؤسسة وهو موجود بكثرة نظراً لطبيعة عملها، وابيعه، وكان ذلك يحقق لي عائداً مقبولاً، ومؤخراً منعت من ذلك، وانا اقطن بمنطقة بعيدة عن دمشق، وليس هناك مبيت، ما يعني ان راتبي الذي اتقاضاه سيذهب أجور تنقل من والى الوظيفة، والأفضل أن تفسخوا عقدي، فاتفرغ لجمع الكرتون من الشوارع!.

في الحقيقة تصلح هذه الحادثة لأن تكون مقدمة للبحث عن السبب الذي يحفز مئات الآلاف من الموظفين في الجهات العامة للاستمرار بعملهم في ظل الرواتب الهزيلة التي يتقاضونها، ومن المؤكد اننا سنجد ان لكل موظف سبباً او لنقل حافزاً واحداً على الاقل، يدفعه لعدم ترك الوظيفة، هذا السبب غالباً يشبه السبب الذي كان يحفز جامع الكرتون في الاستمرار بعمله لدى تلك المؤسسة.

في إحدا المرات سألت مدرس رياضيات للمرحلة الثانوية عن سبب تمسكه بعمله في مدرسة يحتاج إلى ثلاث وسائل نقل للوصول إليها، أخبرني ان وجوده على رأس عمله في تلك المنطقة يوفر له عدداً لا بأس به من الطلاب الذين يحتاجون لدروس خصوصية وبأسعار أكثر من جيدة!، يبدو أن مدرس الرياضيات أوفر حظاً من العامل جامع الكرون، على الاقل لا أحد يمكنه مصادرة عمله الاضافي!.

نحن كمواطنين بتنا نعرف ذلك جيداً، ومنذ زمن بعيد أقررنا نظاماً تحقيزياً خاصاً، دون أن نضطر لعقد اجتماع واحد!.

عندما صدر مرسوم ما بات يعرف بالتحفيز الوظيفي في العام 2022، كان الهدف المعلن هو ربط الراتب بالانتاج، بمعنى من يعمل أكثر وينتج يحظى بحوافز أعلى، لكن تحقيق هذا المعيار بقي مقتصراً على المؤسسات الانتاجية، وكان هناك تساؤل دائم حول كيفية احتساب انتاجية عامل في قطاع خدمي، مثل عمال البلديات، وعمال الصيانة في مؤسسات الكهرباء والاتصالات وغيرها، وأيضاً بالنسبة لعدد كبير من القطاعات الادارية.

 بالمناسبة وعلى سيرة "الاتصالات"، راجعت مؤخراً مركز البريد لعطل في شبكة الهاتف الأرضي، بعد تسجيل عدة شكاوى عبر الهاتف دون جدوى، فأعطوني رقم عامل التركيبات، وقال لي موظف الاستعلامات بالحرف: "في حال كان حظك جيد سيرد على اتصالك لأنه غالباً لن يرد"، بالفعل هذا ما حدث، فاتجهت إلى مدير المركز، وأخبرته بالامر، فحاول الاتصال به فلم يرد أيضاً، وهنا قال بنبرة لا تخلو من الشكوى : "ليس لدينا لهذه الأحياء وعددها ستة أو سبعة ومن ضمنها الحي الذي تقطن فيه سوى عامل واحد، وهذا ما يؤخرنا عن الاستجابة للشكاوى، وسبق وأعلنا عن عدة مساباقات توظيف ولم يتقدم أحد، وإن كنت مستعجلاً ولا تستطيع الانتظار إلى يوم غد، سأعطيك رقم موظف آخر متقاعد يمكنه أن يساعدك، أكرمه على كل حال، وهذا ما حدث بالفعل، والحقيقة أن الاكرامية التي ذهبت لعامل التركيبات المتقاعد هي نفسها التي كانت ستذهب للعامل الذي ما زال على رأس عمله، عموما لا عامل الهاتف ولا عمال صيانة الكهرباء سيأتون لإصلاح الاعطال دون إكراميات، وهذه الاكراميات هي التي تحفزهم على الاستمرار في وظيفتهم، نحن كمواطنين بتنا نعرف ذلك جيداً، ومنذ زمن بعيد أقررنا نظاماً تحقيزياً خاصاً، دون أن نضطر لعقد اجتماع واحد!.

ألا يجب الاعتراف بأن الوزارة اضاعت وقتها ووقت الجهات الحكومية عبر عشرات او ربما مئات الاجتماعات التي تطلبها إقرار نظام التحفيز الوظيفي، الا يجب ان تتحمل جهة ما مسؤولية ما حدث؟!

تشير وزيرة التنمية الادارية في تصريحات أدلت بها مؤخراً لتبرير تريث الحكومة في تطبيق نظام التحفيز الوظيفي إلى وجود فهم خاطئ لدى الجهات العامة أثر على مسار هذا التوجه، وهذا الفهم سيؤدي إلى هدر المال العام، ولن ينصف العامل النشبط، ولن يربط الاجر بالانتاج، وبالتالي لن يحقق العدالة، ربما كان ما تقوله الوزيرة صحيحاً، لكن وهنا نسأل - وإن بدا سؤالنا خارج السياق-ألا يجب الاعتراف بأن الوزارة اضاعت وقتها ووقت الجهات الحكومية عبر عشرات او ربما مئات الاجتماعات التي تطلبها إقرار نظام التحفيز الوظيفي، الا يجب ان تتحمل جهة ما مسؤولية ما حدث؟!، بينما كل شيء واضح ولا يحتاج إلى كل تلك الجلبة التي أحدثتها اجتماعات التحفيز الكثيرة والكثيفة، ثم هل فعلاً لم يكن المقصود بنظام الحوافز تحسين معيشة الموظف؟!، أو تحسين الرواتب؟!.

على كل حال -كي لا تبقى الحكومة تدور في دوامة الفهم الخاطئ- فإن السؤال الذي على الحكومة البحث له عن إجابات، يتركز حول سبب تمسك اغلب موظفي القطاع العام بوظائفهم، في ظل تدني قيمة الاجور التي يتقاضونها، لا شك ان هناك سبب ما، وهذا السبب سيختلف بين موظف وآخر، غالباً سيتوفر لدى الحكومة بنك أسباب يجعلها تعيد النظر بكثير من النظريات الادارية التي تتبعها في مجال إدارة الموارد البشرية المتكدسة في مؤسساتها.

شارك برأيك .. لتكتمل الصورة


استطلاعات الرأي

يجب ان تختار خيار قبل ارسال التصويت
هل تعتقد أن الوقت قد حان لبدء تطبيق الدفع الإلكتروني في سوريا؟
نعم، حان الوقت لبدء تطبيقه وفرضه فوراً وهو ضروري للاقتصاد
لا، يجب إعداد بنية تحتية تقنية ومن ثم البدء بفرضه
لا، غير جاهزين بالوضع الراهن نهائياً لتطبيق الدفع الإلكتروني
النتائج
نعم، حان الوقت لبدء تطبيقه وفرضه فوراً وهو ضروري للاقتصاد
لا، يجب إعداد بنية تحتية تقنية ومن ثم البدء بفرضه
لا، غير جاهزين بالوضع الراهن نهائياً لتطبيق الدفع الإلكتروني