"ادفع بقشيشاً تلق احتراماً" البقشيش: ثقافة تباهي أم طيب خاطر؟

"ادفع بقشيشاً تلق احتراماً" البقشيش: ثقافة تباهي أم طيب خاطر؟

اللاذقية-أسعد جحجاح

بعد انتهاء الدوام الرسمي لعمله في إحدى الدوائر الحكومية في محافظة اللاذقية ينطلق فواز الحامد (35 عاماً) إلى أحد المطاعم الفاخرة في مدينة  اللاذقية ليعمل "نادلاً"، يقدّم الطعام والشراب إلى الزبائن،  مردداً عباراته المعتادة "هلا يا باشا"، "نورتنا يابيك"، "نورالمطعم ديموزيل"، "اطلبوا واتمنوا".. كلُّ ذلك لإرضاء الزبائن، وجعلهم سعداء، بحيث لا يستطيع الزبون أن يتمالك نفسه من كثرة الفرح خصوصاً  إذا كانت بجواره معشوقة أو صديقة ونتيجة لما يسمع، يظهر فجأة كرمه و5000 ل.س "بقشيش" تفي بالغرض وهي كفيلة بتقديم أفضل أنواع الخدمة.

فرضَ "البقشيش" ثقافة التباهي، وتحوَّل إلى انطباع "مظهري" بأنَّ من يدفع "البقشيش" هو إنسان من الطبقة المخملية الغنية هذا ما يراه الكثيرون، فعندما يدفع الزبون بقشيشاً للكرسون أو الكوميك، يشعر بالاحترام، ويُنظر إليه نظرة ملؤها التقدير، وتتحوَّل الكلمات الموجهة إليه: "أمرك أستاذ"، و"تكرم"، و"من عيوني".. ومن جهة أخرى، يرى البعض أنَّ معظم الشباب لاتروق لهم فكرة "البقشيش" إلا من باب التباهي، في حين إنَّ معظم النساء يدفعن ذلك من باب التعاطف مع هذا العامل ، فالسيدة مديحة (40عاماً) ترفضُ أن تسمي دفعها مبلغاً من المال إلى أحد عمال المطاعم بـ"البقشيش"، وتفضل تسميته بـ"الإكرامية"، لقاء ما يقدّمه عامل المطعم من خدمات لها.. فالإكرامية حسب رأيها من حقه الطبيعي، ففي أحيان كثيرة يتحمل هذا العامل مزاجية الزبائن، مضيفة: إذا لم أعطه أيَّ زيادة لن يستطيع مواجهة غلاء الحياة وظروف المعيشة، فهذا العامل  راتبه من المطعم لايكفي ودفع 1000 ل.س مثلا لهذا العامل لن يؤثر عليّ، لاسيما أنَّ هذا يشكل حافزاً ودافعاً له للقيام بعمله بأفضل صورة، مضيفة:"عندما أفكر بالذهاب إلى أيّ مطعم سأضع في حساباتي أنَّ هناك إكراميات سأدفعها للنادل وصبي النرجيلة، إضافة إلى الشخص الذي سيتولى صفّ سيارتي. مشيرة إلى أنها إذا لم تدفع إكرامية للعامل، فإنه لن يهتم بطاولتها، ولن يقدّم لها الخدمات المميزة.
غير منطقي
من أين أتوا بهذه الموضة؟ ولماذا أدفع "بقشيش" ولاسيما أنني أدفع في المطعم فاتورتي يضاف إليها ضريبة؟!.. هذا ما أشارت إليه لانا (27عاماً)، معتبرة أنَّ "البقشيش" أمرٌ غير منطقي، والخدمة المقدمة لها هي أصلا من حقها، ولايعقل أن يتحوَّل موضوع "البقشيش" إلى فرض، لاسيما أنَّ الكرسون عمله الأساسي في المطعم هو خدمة زبائن هذا المطعم، ويتقاضى راتباً لقاء خدماته، متسائلة: لماذا إذاً أدفع له زيادة؟! ومن غير المعقول أن تكون تكلفة الذهاب إلى أيّ مطعم تتجاوز 15000 ل.س، وإذا كنت سأدفع إكراميات سيتجاوز المبلغ الـ 18000ل.س.
أما سماهر القادري(موظفة قطاع خاص) ترى أنَّ دفع "البقشيش" أمرٌ اختياريّ، للزبون الحق في أن يدفعه أو لا،  وفي أحيان كثيرة، أدفع حسب مزاجي وحسب العامل إذا كان يستحقّ أو لا، والغريب أن نجد مثلا "كرسوناً" يتذمَّر ويتأفف إذا دفعت له مبلغاً قد لايرضيه، وتخرج من المطعم بوداع ناشف وبارد من قبله.

ابتزاز واستغلال
آخرون يخالفون ذلك، على اعتبار أنَّ "البقشيش" يدفع عن طيب خاطر و"براحة الزبون"، لكنَّ البعض في المطاعم عند دفع الفاتورة يخصمون إكراميتهم لوحدهم، ودون إذن مسبق وهذا إكراهٌ، وتتحوَّل الفكرة إلى ابتزاز واستغلال وهذا مرفوض بشكل عام  على الرغم من ذلك، يبقى الاختلافُ في وجهات النظر بين الزبائن والنادل سيّد الموقف، حيث يرجع عدنان سيفو(نادل في مطعم) سبب تقاضيه البقشيش إلى أنَّ صاحب المطعم الذي يعمل فيه يضع في حسابه عند تحديد أجره أنه من خلال العمل في المطعم سيحصل على إكراميات قد تفوق راتبه بأضعاف.. لذلك يقول عدنان:" من حقي الطبيعي أن آخذ مبلغاً خاصاً لي، وإذا اعتمدت فقط على الراتب الذي لايتجاوز 50ألف ليرة، لن أستطيع العيش ومواجهة غلاء الأسعار، ولن أستطيع تحمل مصاريف أسرتي المؤلفة من 6 أشخاص.

أنواع البقشيش
ماهر الصايب (صاحب مطعم) أكد لـ"المشهد " أن البقشيش ليس إلزامياً فالفاتورة تتضمَّن الخدمة ولكن لا يمكن منع الزبائن من إعطاء إكرامية للعامل عندما تكون خدمته مميزة وبرأيي، هذا تشجيع له على حسن خدمته وهو ليس أجره الأساسي، لأنه بشكل تلقائي يحصل على أجره براتب شهري من المطعم  وهذا الراتب مقبول ، لافتاً إلى أن  المبلغ المقدم للعامل يسمى "الترون"، ويختلف باختلاف الزبون، وللترون نوعان، وهو يختلف بين مطعم وآخر: النوع الأول (ترون جينرال): وهو عبارة عن جميع المبالغ المالية الواصلة إلى يد الكوميك والكابتن والاستقبال ومشرف الصالة ومدير الصالة، بالإضافة إلى المبالغ الزائدة على الفاتورة، جميعها توضع في صندوق مخصص للترون جنرال، وهذا الصندوق يفرغ يومياً من قبل مدير الإنتاج، ويقوم بجمعه وتقسيمه بنسب معينة على كل العاملين في المطعم، من مديرين ومشرفين وعمال مطبخ، وتخصّص نسب أيضاً للأدوات المحطمة المستخدمة في المطعم، وفي الكثير من المطاعم، يحاسب كلُّ شخص يأخد الترون ولا يضعه في الصندوق، وكأنه قد سرق فاتورة كاملة، ولو كان المبلغ 100 ليرة سورية.
 ونوه الصايب إلى أن المظلوم الوحيد بالنسبة لهذا النوع من "الترون" هو الكوميك، لأنه لا يأخذ نتيجة أتعابه الإضافية التي يقدّمها للزبون، أي مكافأة أو مقابلا مالياً ، أما النوع الثاني من "الترونات"، والمستخدم في مطاعم أخرى، اسمه "ترون النسبة": وهو عبارة عن نسبة معينة يتمّ الاتفاق عليها بين الإدارة والكابتن، وتكون -على سبيل المثال- بنسبة 3 % من المبلغ الزائد على الفاتورة، والمبلغ المتبقي يأخده الكابتن لجيبه الخاص، وإذا شاء يستطيع أن يعطي الكوميك من الزيادة يفرحُ الكوميك كثيراً في حال كان الترون نسبة، أي أنَّ كلّ المبلغ المقدم من الزبون وبالاتفاق مع الجميع إلى جيب الكوميك الخاص، ولا أحد له علاقة به، أما إذا كان "جنرال" فيختلف الأمر تماماً.
مرض نفسي
يختلف البقشيش بين شخص وآخر حسب تربيته وطبيعته، فأحياناً يشعر الشخص، وبشيء من التخاطر مع العامل بأنه بحاجة فيقدّم له البقشيش، وأحياناً يعطي البقشيش رغبة في أن تكون الخدمة أفضل وأسرع في المرة القادمة، وهو شيء مقبول نوعاً ما" جاء ذلك على لسان الأستاذ ماهر السالم إخصائي(علم اجتماع)، حيث أكد لـ(المشهد) أن بعض الأشخاص يكون تقديمهم للبقشيش يعبّر عن عقدة ومرض نفسي موجود عندهم، لأنَّ البقشيش في هذه الحالة يعطيه قيمة استعلائية وقيمة تكبر، وهذا منتشر أيضاً في مجتمعنا، و قلة من الأشخاص، يقدمون البقشيش على أنه عمل خير، ومحاولة لمساعدة هذا العامل الذي من المفترض ألا تكون أحواله المادية جيدة.

حق اجتماعي
"البقشيش" اليوم أصبحَ جزءاً من المعاملات اليومية، إذ يندر أن يُقدم لك ميزة إضافية، لأنه انتقل من كونه وسيلة الميسور إلى كونه حقاً اجتماعياً للعامل، ولزاماً على المواطن، ففاتورة المطاعم أعلى من الحد المقبول والرقابة عليها قليلة، وأجرة التكسي لها الحال نفسه، والمواد الغذائية كذلك.. وفوق هذا، على المواطن المسكين أن يدفع بقشيشاً، ليبحث تلقائياً عمن يدفع له هو بقشيشاً!.
بدأت فكرة البقشيش عند الأمريكيين بكلمة " تيبس "وكان معناها أن تدفع زيادة مقابل أن تأخذ خدمة أسرع أما كلمة بقشيش العربية، فجاءت من الكلمة التركية بخشيش بمعنى هبة أو منحة (نوع من المساعدة أو الإعانة) في مجتمعنا يعتبر البقشيش اختيارياً وهو منتشر في كثير من المجتمعات الأخرى خاصة المجتمعات الأوروبية، بينما هناك مجتمعات أخرى ترفض البقشيش ولا تسمح بالتعامل به كالصين واليابان فهم يعتبرونه إهانة ومذمة.

 

شارك برأيك .. لتكتمل الصورة


آخر المقالات

استطلاعات الرأي

يجب ان تختار خيار قبل ارسال التصويت
هل تعتقد أن الوقت قد حان لبدء تطبيق الدفع الإلكتروني في سوريا؟
نعم، حان الوقت لبدء تطبيقه وفرضه فوراً وهو ضروري للاقتصاد
لا، يجب إعداد بنية تحتية تقنية ومن ثم البدء بفرضه
لا، غير جاهزين بالوضع الراهن نهائياً لتطبيق الدفع الإلكتروني
النتائج
نعم، حان الوقت لبدء تطبيقه وفرضه فوراً وهو ضروري للاقتصاد
لا، يجب إعداد بنية تحتية تقنية ومن ثم البدء بفرضه
لا، غير جاهزين بالوضع الراهن نهائياً لتطبيق الدفع الإلكتروني

الأكثر مشاهدة هذا الشهر