استبدال الطبقة الوسطى بطبقة "مُحدثي النعمة"

استبدال الطبقة الوسطى بطبقة "مُحدثي النعمة"

حمص - عتاب حسن

لئن كانت الطبقة الوسطى المحرك الأساسي للحياة الاجتماعية في سورية، مثلها مثل باقي الدول التي سارت على طريق التمدن، إذ نجحت بفعل الحركة المجتمعية التي تسيّرها، بخلق نوع من التوازن والاستقرار في المجتمع، نظراً لدورها الفاعل في تخفيف حدة الصراع الناشئ بين فاحشي الثراء، والفقراء.
خريف... انتعاش... فاندثار
منذ أزمة الحصار الاقتصادي في الثمانينات بدأت هذه الطبقة بالانحسار، ولم تعد قادرة على ممارسة دورها كصمام أمان ضمن المجتمع، ذلك أنَّ بعض مكوناتها تغيَّر جذرياً وقتها، وهبطت شريحة واسعة منها إلى طبقة الفقر، في حين حافظ الباقي على تصنيفهم كطبقة وسطى بشق الأنفس.
انتعاش...
في سنوات ما قبل الحرب شهدت الطبقة الوسطى انتعاشاً ملحوظاً، على الرغم من اختلافها، واستطاع أبناؤها إيجاد صيغة تتلاءم مع المتغيرات الاقتصادية والاجتماعية وكذلك الثقافية، وأدت هذه العوامل إلى ريادتها، وقدرتها على تسلم زمام قيادة الوسط المجتمعي، كونها تضم فئات متنوعة من (الأدباء والمثقفين والأطباء والمهندسين وكذلك صغار التجار والحرفيين وغيرهم)، ووفقاً لبعض التقارير شكلت هذه الطبقة نسبة 60% من المجتمع السوري قبل الحرب.
اندثار...
غيَّرت الأزمة السورية طيلة الثماني سنوات التشكيل المجتمعي، والاقتصادي، وألغت إلى حد كبير فئة الطبقة الوسطى، التي أصبحت عاجزة أمام هذه المتغيرات عن مواصلة صراعها المستمر في الحفاظ على الحد الأدنى من المستوى المعيشي، إذ وصل أغلب المنتمين إليها حد الفقر أو أدنى منه، وأوجدت ظروف الأزمة تشكيلاً مجتمعياً جديداً، أو طبقة أخرى أقرب ما يقال عنها بأنها طبقة "مُحدثي النعمة".
و"محدث النعمة" في المفهوم السوري مصطلح أطلق سابقاً، على من ينتقل إلى وضع اقتصادي أعلى بشكل مفاجئ، ولم يتماشى وضعه الاجتماعي، والثقافي، والفكري مع الوضع الجديد، بل بقي يعيش بعقلية "المعدم" (أو العديم) ومن هنا جاء المثل السوري "العديم الذي وقع في سلة التين", وسلة التين التي "يتمرغ" فيها هؤلاء حالياً أوجدت مظاهر البذخ الفاحش التي نشهدها الآن والتي تعبر بوضوح عن قشور الإشباع المادي الذي يعيشونه حالياً، ومنها حفلات الزفاف الأسطورية، واقتناء السيارات الفارهة، وغيرها كثير.  
وفي الزمن الراهن بدا الفرق أنَّ "مُحدثي النعمة" الجدد، ليسوا ممن انتقل الى وضع اقتصادي أعلى، بل إلى وضع أعلى بمراحل عدة، ليتجاوزوا بذلك الطبقة الوسطى وطبقة صغار التجار، حيث وصل معظمهم إلى مصاف كبار التجار وتساووا معهم (مالياً فقط).

القاع المغرق بالفقر
منشأ أمثال هؤلاء بمعظمهم، لم يكن من الطبقة الوسطى لأن الأعمال التي بنت لهم هذه الثروات (من خطف وسرقات واحتيال وأعمال النهب المنظم)، ليست من الأعمال التي اعتاد أن يقوم بها أبناء هذه الطبقة، فمعظمهم ممن يتجه إلى الدراسة، والمهن العلمية، ووظائف الدولة، وأصحاب الورش وكذلك المهن الحرة.
 أما "مُحدثي النعمة" فهم غالباً من طبقة القاع المجتمعي القاع المغرق بالفقر الاقتصادي، كما هو مغرق بفقره الأخلاقي، و الثقافي، و لذلك كان من الطبيعي ألا يتورع مثل هؤلاء عن القيام بأية أعمال ما دامت مربحة مادياً، إضافة إلى أنَّ بدايات أغلبهم  كانت مرتبطة بعمليات السرقة البسيطة، للبيوت المهجورة، ومن ثم السلب المسلح، والاختطاف، و نصب الحواجز الوهمية، وعمليات الاحتيال، والسمسرة في تبادل المخطوفين، لينتهوا بالنهب على إطار واسع للمنشآت الاقتصادية، إذ كان لفوضى انتشار السلاح و انكماش أجهزة الدولة، وانشغالها الأثر الواضح في تنامي سلطة و ثروة هؤلاء، واللافت للنظر هو قيامهم بعملية أشبه بالتخصص كلٌ في مجال محدد، _ربما بهدف عدم تضارب المصالح_،  فمنهم من تخصص في عمليات نهب المعادن و الخردوات، و آخرين في نهب النحاس بشكل خاص، والبعض امتهن تجارة تبادل المخطوفين، خاصةً، وأنهم بعد زيادة ثرواتهم أصبح لهم أتباع و جماعات تعمل بإمرتهم لتنظيم عمليات النهب، و السمسرة وجباية الأموال .
طور تبييض الأموال
الآن وبعد انحسار الأزمة تدريجياً، انتقل هؤلاء إلى مرحلة جديدة للتكيف مع عودة سلطة الدولة، و هم الآن في طور تبييض الأموال، و استثمارها بشكل علني، أو مواربةً بأسماء آخرين في بعض الأحيان، فمنهم من دخل في تجارة العقارات و البعض انخرط في شراء محطات الوقود أو اشترى مشاريع جاهزة كمجمعات تجارية أو تجارة قائمة مسبقاً، و بغض النظر عن الكيفية، فإن هؤلاء الآن في الخطوات الأخيرة لما يشبه "المصالحة القانونية" لأوضاعهم و تطهير ثرائهم "المحدث" ، و في ظل الغياب التام لمبدأ "من أين لك هذا"؟! ، فلا شيء يمنعهم من تقديم أنفسهم كتجار و رواد أعمال، لاستثمار ملياراتهم المبيَّضة، والهاربة حتى من التحصيل الضريبي
أضف إلى ذلك أنَّ توفر الجامعات الخاصة سيُمكن هؤلاء من الحصول على الشهادات العليا المؤهلة لهم، للدخول في المجالس المحلية وربما مجلس الشعب مستقبلاً، وهذه الافتراضات، إن لم تُصب حالياً لا بد أنها ستكون محققة في عهد أولاد هؤلاء الوارثين لهذه الثروات.
وبالتالي استطاعت هذه الطبقة الجديدة تسديد ضربة قاضية على من تبقى من أبناء الطبقة الوسطى الذين ربما _ سيعملون كعمال ومحاسبين وموظفين لدى المستثمرين الجدد المنشغلين بإدارة أعمالهم_ ، ومن يدري قد يغرقوننا بمواهبهم الإبداعية (بحكم الوفرة) ليصبحوا بذلك أصحاب صالونات أدبية، ودور نشر ومحطات وشركات إنتاج، ويسبغون علينا من أدبهم ما ينسينا كتب "الماغوط"، و"مينة" وغيرهم.

 

 

شارك برأيك .. لتكتمل الصورة


استطلاعات الرأي

يجب ان تختار خيار قبل ارسال التصويت
هل تعتقد أن الوقت قد حان لبدء تطبيق الدفع الإلكتروني في سوريا؟
نعم، حان الوقت لبدء تطبيقه وفرضه فوراً وهو ضروري للاقتصاد
لا، يجب إعداد بنية تحتية تقنية ومن ثم البدء بفرضه
لا، غير جاهزين بالوضع الراهن نهائياً لتطبيق الدفع الإلكتروني
النتائج
نعم، حان الوقت لبدء تطبيقه وفرضه فوراً وهو ضروري للاقتصاد
لا، يجب إعداد بنية تحتية تقنية ومن ثم البدء بفرضه
لا، غير جاهزين بالوضع الراهن نهائياً لتطبيق الدفع الإلكتروني

الأكثر مشاهدة هذا الشهر