عمالة الأطفال... ظاهرة قديمة فما جديدها؟

عمالة الأطفال... ظاهرة قديمة فما جديدها؟

المشهد -  عتاب حسن

في الطرف الجنوبي الشرقي من مدينة حمص وجه آخر للحياة، يُشبه وجع المدينة المعلنة خلال عام 2018 مدينة خالية من كل مظاهر الإرهاب المسلح.

يعيش سكان منطقة (معامل الخفان) التسمية المعروفة عنها، في بيوت من صفيح لا تمتلك أدنى مقومات العيش الآمن، أسقف مفتوحة نوافذ مغطاة بشوادر استغنى ساكنوا هذه البيوت عنها كي لا يظنوا أنفسهم في العراء.

 عائلة حسام المكونة من خمس أبناء مع الأم دون الأب الذي توفي قبل نزوحهم بسنة واحدة من ريف حلب، إحدى تلك العوائل التي اضُطرت بسبب ظروف الحرب القدوم إلى مدينة حمص في مطلع العام 2014.


تفاصيل المشهد:

يُضطر حسام /15/ عاماً الخروج يومياً من منزله عند الساعة السادسة صباحاً إلى عمله المجاور لسكن عائلته، لا يعنيه الذهاب إلى المدرسة، تأمين لقمة العيش لأمه وإخوته الأربعة أهم بكثير، ليحصل يومياً على مبلغ /500/ ليرة سورية تكفيه شراء ربطة خبز ونوع واحد من الخضار فقط لا أكثر.

يقول حسام:" أودعني والدي عند صديقه في ورشة لإصلاح السيارات كان عمري آنذاك عشر سنوات، لم أكن معتاداً على ساعات العمل الطويلة، صاحب الورشة كان قاسياً في التعامل، تابعت العمل في الورشة حتى ساءت الأوضاع، وتعرضت الورشة للدمار جراء الحرب، توفي والدي أيضاً كان عمري ثلاثة عشر عاماً، أجبرنا على ترك منزلنا والنزوح إلى مدينة حمص عند أقارب لنا، حيث وجدت عملاً آخر". حالة حسام واحدة من حالات كثيرة رصدتها كاميرا المشهد خلال جولتها في تلك المنطقة.  

ظاهرة قديمة، فما جديدها؟

ليس غريباً عن المجتمع السوري أن يدخل الأطفال سوق العمل، ومثال ذلك الريف المعتمد أساساً على الزراعة والثروة الحيوانية وما يلحقها من صناعات بسيطة (تصنيع مشتقات الحليب - المجففات وغير ذلك)، ومن الطبيعي جداً قيام الأطفال بجزء رئيس من الأعمال مع ذويهم، إذ لا يختلف المشهد كثيراً في المدن المليئة بالورش، والمشاغل المتوسطة، والأعمال الحرفية، لذا زج الأطفال في هذه الأعمال بهدف تعلم مهنة أو مصلحة، تدر عليهم الرزق مستقبلاً أمراً غير مستغرب.

الجديد في الأمر أن مفرزات الأزمة التي ألقت بثقلها على كافة جوانب الحياة السورية، كان لها أثر واضح في زيادة نسبة عمالة الأطفال ولأسباب جوهرية، فغياب جزء كبير من الفئة الشابة لأسباب عدة (هجرة –موت-خدمة إلزامية ......) أدى إلى حاجة متزايدة لسد النقص في اليد العاملة مما هو متوفر (الأطفال والإناث)، ومشهد النساء العاملات في المطاعم والمكاتب، وغيرها أصبح معتاداً خاصةً في المدن الكبرى.

سبب آخر لا يقل أهمية عن سابقه في انتشار هذه الظاهرة وهو تدني المستوى المعيشي وانتشار الفقر، الأمر الذي يشكل ضغطاً على الأسرة السورية مما يضطرها إلى تشغيل الأفراد المتبقين في العائلة لتأمين دخل إضافي.

أصحاب العمل،  نحن مواطنون أيضاً:

بعيداً عن الاتهام المستمر والمعتاد لأصحاب العمل بأنهم السبب في هذه الظاهرة أو على الأقل شركاء في استغلال الأطفال، رصدت المشهد آراء بعض أصحاب الورش والمعامل الصغيرة، حيث تطابقت آراء معظمهم أن: ضغوط الأزمة نالت الجميع وإن بنسب متفاوتة، وبعضهم اضطر لتشغيل الأطفال، بسبب قلة تواجد الشباب في سوق العمل.

 يتحدث إياد (اسم مستعار) للمشهد وهو صاحب أحد ورش البناء قائلاً:" 

قبل الأزمة كان طالبوا العمل أكثر من حاجتنا، وكنا نطرد عمالاً كثيرين بسبب تقاعسهم في العمل لوجود كثيرين غيرهم، الوضع الآن اختلف كلياً في حال تقاعس العامل نلجأ إلى الخصم من يوميته، ولا نقوم بطرده إلا مرغمين، نحن لا نجبر أحداً على العمل، بل عائلات هؤلاء ترسلهم إلينا، خاصة العوائل المهجرة من مدنها وقراها، وبرأيي العمل، وأخذ أجرهم بالحلال، أفضل بكثير من التسول". 

تراوحت أعمار الأطفال الذين رصدتهم المشهد في المعامل الصغيرة وورش البناء بين 13 -17 عاماً    

كما يتساءل إياد قائلاً:" لماذا يتم الحديث عنا، وكأننا مجرمون؟! ، نحن مواطنون، وأصحاب عائلات أيضاً، فهل المطلوب منا أن نقفل معاملنا و نجلس في بيوتنا؟! ويضيف:"، نحن لسنا سبب الأزمة، ونعاني مثل غيرنا من الغلاء وصعوبة تأمين المواد و البيع، فليجدوا لنا حلولاً ولنحاسب بعدها".

وجب التنويه أنه وخلال إعداد هذه المادة رفض أصحاب معظم الورش، والمعامل

الحديث للمشهد، ومنعوا التحدث مع الأطفال العاملين عندهم، ربما خوفاً من عواقب قانونية ، وأغلب الذين  تحدثوا تجنبوا الإجابة عن قيمة الأجور التي يعطونها للعمال (الأطفال) متذرعين بأن الأجر متغير و يعتمد على نشاط و مهارة العامل !!! .

إيجابية غير مقصودة:

من ناحية أخرى , لا بد من الإشارة إلى أن زيادة مشاركة المرأة في سوق العمل (و إن كان هذا الأمر بفعل آثار الأزمة و ليس سياسة ممنهجة) سيكون لها أثر إيجابي مستقبلي بجانب الحالي , و النساء المنخرطات في مختلف أنواع العمل سيكون بالتأكيد منهن مستقبلاً صاحبات ورش و مشاغل نتيجة الإلمام بتفاصيل عملهن الحالي ، و بالإضافة للأهمية الاقتصادية لمشاركة المرأة فإن الجانب الاجتماعي لا يقل أهميةً من خلال تجاوز حالة الانكماش في المجتمع و خروج المرأة للعمل بجانب الرجل و تغيير الذهنية المرتبطة بمبدأ (الرجل المسؤول عن العائلة ) .

بين التباينات: هل من حلول؟؟

لا ريب أن موضوع عمالة الأطفال أصبح مشكلةً أكبر من أن يكون حلها بملاحقة أصحاب العمل من الجهات المعنية، بتطبيق أحكام القانون الراعي لهذا الأمر، و قبل الملاحقة و المنع يجب العمل على التفكير بحلول تضمن عدم إقفال آلاف الورش و محال الحرف، و تأمين مستوى معيشي و دخل يضمن للأسر (خاصةً أسر الشهداء و المصابين و المهجرين) عدم الاضطرار لإرسال أبنائهم إلى العمل بدل الذهاب إلى المدرسة.

عمالة الأطفال

 

شارك برأيك .. لتكتمل الصورة


استطلاعات الرأي

يجب ان تختار خيار قبل ارسال التصويت
هل تعتقد أن الوقت قد حان لبدء تطبيق الدفع الإلكتروني في سوريا؟
نعم، حان الوقت لبدء تطبيقه وفرضه فوراً وهو ضروري للاقتصاد
لا، يجب إعداد بنية تحتية تقنية ومن ثم البدء بفرضه
لا، غير جاهزين بالوضع الراهن نهائياً لتطبيق الدفع الإلكتروني
النتائج
نعم، حان الوقت لبدء تطبيقه وفرضه فوراً وهو ضروري للاقتصاد
لا، يجب إعداد بنية تحتية تقنية ومن ثم البدء بفرضه
لا، غير جاهزين بالوضع الراهن نهائياً لتطبيق الدفع الإلكتروني

الأكثر مشاهدة هذا الشهر