صبري المدلل أخر شيوخ المطربين العرب
المشهد - موسيقى
ولد صبري المدلل عام 1918 في حلب نشأ وعاش في حي الجلوم بحلب القديمة، كان والده صديقاً لعلاّمة حلب والشرق الموسيقي الشيخ عمر البطش، الذي أعجب بصوته فعلمه أصول الغناء وبرع في فن الموشحات والقدود.
إن أهم حاضنتين لموهبة المدلل الغنائية ترجع لمدرستين، الأولى المدرسة القرآنية التي ضبطت قواعد التجويد ومخارج الحروف والمد والنطق، والثانية هي المدرسة الحلبية التي ضمت أهم أساتذة الفن والغناء والقدود.
كان صوته الرخيم ينطلق من مئذنة جامع العبارة وسط حلب، تحمله النسائم لتوزعه في سماء المدينة، يتوقف السكان والناس في المنطقة عن أعمالهم ليصغوا للمدلل ومقاماته الساحرة، ومن غرائب الصدف أنه لم يتعلم النوتة الموسيقية كتابة، بل حفظها عن ظهر قلب ما يدل على موهبته الفريدة.
عند افتتاح إذاعة حلب عام 1949 استدعاه أستاذه عمر البطش مع مجموعة من فناني الشهباء ومطربيها، وعلى رأسهم بكري الكردي للعمل معه وكان نشاطاً متميزاً لهذه الإذاعة الفتية وسجل فيها أغاني وأقام حفلات على الهواء مباشرة.
ولسوء الحظ لم يحفظ منها أي أغنية، وأعطاه بكري الكردي ألحاناً عدة، لحن «إبعتلي جواب» الذي أشهره ثم غناه بعده محمد خيري، وصباح فخري، ثم حقق نجاحا آخر في لحن «يجي يوم ترجع تاني»، ثم عمل مع الملحن إبراهيم الدرويش وكاتب إذاعة حلب آنذاك مهوى أفئدة مطربي سوريا ولبنان ومصر.
في عام 1954 ترك الإذاعة لخلاف مع إدارتها الجديدة واتجه للعمل الحر «بائع مواد غذائية في حي الجديدة»، لكنه تمسك بحقه في الغناء وتابع مسيرته، وظل يعشق الكلمة واللحن، حتى زاره مبدع المدائح النبوية فؤاد خانطوماني وعرض عليه تأسيس فرقة إنشاد ديني لمدح النبي محمد صلى الله عليه وسلّم.
ولأنه كان أشهر من أنشد هذا الفن الخاص في بلاد الشام عامة وحلب بصفة خاصة، بدأت نقطة التحول في حياته وأسس فرقة في العام 1954 شاركه فيها كل من خانطوماني، عمر النبهان، أحمد المدني.
في مطلع 1960 قدم صبري لحناً لفرقته بعنوان «صلاة الله ذي الكرم على المختار في القدم» فكان أول لحن منهجي لمدائح الرسول وأدخل أدوات عدة لضبط الايقاع كالدف والطبل.
وتتالت العروض على فرقته وطافت شهرته الوطن العربي، وجدد الفرقة بأصوات شابة «عبد الرؤوف حلاق، عبد المهيمن قباني أبوالورد، حسن الحفار، محمد الصابوني، عمر الصابوني».
وفي العام 1974 كانت نقطة تحول في حياة الفرقة، فبعد عشرين سنة من تأسيسها انطلقت نحو العالمية حين سمعها المستشرق الفرنسي السوري الأصل كريستيان بوخه، فأثارت إعجابه بفنها وأصالتها ودعاها إلى فرنسا عام 1975، وكانت حفلة للذكرى، يقول صبري مستذكراً، إن كل من حضرها من العرب والمسلمين أبكاه بمدح الرسول.
في عام 1982 اختلف صبري مادياً مع صديقه وتلميذه حسن الحفار، فانفصلت العُرى، وأسس حسن فرقته الخاصة، ثم عاد صبري بعد تحريض ابن اخته الفنان محمد حمادية وأسس فرقة جديدة شاركت في حفلات في ألمانيا وفرنسا وهونغ كونغ ولبنان وتونس والمغرب، ونال صبري إعجاباً وشهرة كبيرين.
ولعل المشاركة في «مهرجان الأيام الموسيقية العربية» في باريس مع صباح فخري ووديع الصافي والقارئ المصري الشهير الشيخ عبد الباسط عبد الصمد أطلقته كأشهر منشد للمدائح في العالمين الإسلامي والعربي، يقول صبري: «بعدما سمع عبد الباسط صوتي في مدح الرسول، قال لي إذا كان صوتي معجزة في قراءة القرآن الكريم، فإن صوتك هدية الله لعباده لتمدح مصطفاه محمد صلى الله عليه وسلّم».
كان صبري المدلل يعشق أصوات كل من صباح فخري، ومحمد خيري، لطفي بوشناق، وعبد الوهاب، وأم كلثوم، وماري جبران، وفيروز، ونور الهدى، ووديع الصافي، وصباح، وسعاد محمد، ومن بين الأصوات الجديدة كان يفضل كاظم الساهر، ونبيل شعيل، وملحم بركات.
اعتزل الغناء عام 2001، قبل أن يغادر عالمنا في مارس/آذار 2006عن عمر ناهز 88 سنة، مخلفًا قرابة الـ40 لحنًا في الإنشاد الديني والمدائح النبوية.