المخاتير من مصدر لحسن السلوك إلى أثرياء أزمة!

المخاتير من مصدر لحسن السلوك إلى أثرياء أزمة!

تحقيقات - عتاب حسن

في سابق الأيام كان المختار وجهاً اجتماعياً، وممثلاً للناس القاطنين ضمن نطاق (مخترته)، ذلك أنَّ النظرة العامة للمخترة كمسؤولية أخلاقية واجتماعية تحولت تدريجياً لتصبح مهنة مبهمة المعالم، ووظيفة مجرَّدة من شروط محدَّدة لنيلها، والمحصلة فإن الساعين إلى مهنة مربحة وبلا ضوابط وظيفية وجدوا فيها ضالتهم، حيث كان لوجود هذه الوظيفة مبررات موضوعية، فالمختار سابقاً كان صلة وصل بين أجهزة الدولة والقاطنين في نطاق (سلطته)، ومعظم أعماله تتعلق بموضوع سندات الإقامة ومحاضر التعريف، والتبليغ، وكذلك تسجيل المواليد، وإخبار الوفاة إضافةً إلى الوثيقة الشهيرة سابقاً (حسن السلوك)، والتي كانت مطلوبةً بشكل رسمي في العديد من المعاملات الرسمية، غير أنَّ التزايد السكاني أدى تلقائياً إلى عدم قدرة المختار على الإحاطة بكل السكان في منطقته من جهة، ومن جهة أخرى توسعت أجهزة الدولة، وأصبح لكل معاملة جهة رسمية يناط بها إصدار الوثائق والصكوك، فموضوع تسجيل المواليد والوفيات صار عملًا محصوراً بمديريات الأحوال المدنية (النفوس) والتبليغات ومحاضر التعريف من صلاحيات الضابطة العدلية (قوى الأمن الداخلي)، كما ألغي العمل بشهادة حسن السلوك (التي لا معنى لها أساساً) حتى أنه قد صدر تعميم رسمي يمنع وضع ترويسة مديرية الأحوال المدنية على الوثائق التي يصدرها المختار، وأصبح عمل المختار شبه محصور بسندات الإقامة وقضايا لجان الأحياء.

مخترة الأزمة
أعادت الأزمة السورية القاسية لهذه المهنة ألقها، حيث باتت الأزمات المعيشية المتلاحقة والمتصاعدة أبواباً مفتوحةً، دخل منها المخاتير إلى الشهرة والعظمة، فتأمين الخبز، والمازوت والغاز عن طريق الجداول التي ينظمونها فرض حاجة جميع السكان (عدا المدعومين) لرضا المختار، هذا الرضا الذي يختلط في معظم الأحيان بالمنافع الشخصية، وللأسف أثارت الفوائد المجزية شهية الكثيرين لمحاولة نيل هذا "المنصب" المفرط في أهميته حالياً، وصار التزاحم على أبواب المسؤولين لهذه الغاية أمراً شائعاً، والأكثر منه التنافس المختلط بالتصيّد (طق البراغي) لزحلقة المختار واعتلاء مكانه.

المخترة في القرن 21
قامت المشهد بجولة ميدانية على بعض المخاتير، إذ تبيَّن بعد الجولة أنَّ هذه المهنة خالية من أية ضوابط قانونية، أو شروط موجبة لتولي هذه المهمة ولو بالحدود الدنيا، فأحد المخاتير حلاق سابق، وآخر موجه متقاعد، وآخر صاحب بقالية، والباقي كانت مهنتهم السابقة بين عسكري متقاعد، أو صاحب مكتب عقاري، ذلك أن التباين كبير بينهم في مستوى التعليم والثقافة والمعرفة القانونية وإن كان قانون الإدارة المحلية تعرَّض في بعض مواده إلى عمل المخاتير، ولجان الأحياء، غير أنه لم ينظم عملهم بشكل قانوني وفق  ضوابط، ولوائح وظيفية واضحة المهام، وبالتالي فإن صلاحيات المخاتير تختلف من منطقة لأخرى، ومن مختار لآخر أيضاً، حسب ثقل داعميه، ففي إحدى ضواحي حمص يحتاج الشخص إلى موافقة المختار لنقل أثاث منزله، ولتنظيم عقد الإيجار، وغير ذلك، وفي أحياء أخرى تُستخرج موافقة النقل من المخافر الشرطية، وعقد الإيجار في البلدية أو النافذة الواحدة بدون الحاجة لخدمات المختار(و التي يتقاضى عنها مبلغ 5000 ل.س) كتعويض له على موافقته نقل الأثاث للمواطن الذي لا يملك سند ملكية أو عقد إيجار موثق وهي حالة شائعة، وبالعودة إلى قانون الإدارة المحلية فهو لم يبيّن العقوبات الرادعة للمخالفين من المخاتير، ولم يحدد ساعات دوامهم (إذ لا يجرؤ أي مواطن أن يسأل المختار عنها مهما تأخر في فتح دكانة المخترة)، كما لم يحدد القانون تسعيرة موحدة يهتدي بها المواطن بدل دفع ذوات الألف ليرة على الأقل عند مراجعة أي مختار، وبالتالي بقيت هذه المهنة ضبابية، وتتبع لأهواء من يمارسها كلٌ حسب مرونته وأخلاقه الشخصية.

تحسين السلوك
كتساؤل منطقي، ألا تحتاج الدولة إلى سن قوانين تنظم وتبيّن ضوابط ومجالات عمل هذه المهن أسوةً بغيرها؟ ولماذا تتم محاسبة الموظف ومراقبة عمله ودوامه من قبل العديد من الجهات الرقابية، والوصائية بينما يمرح المخاتير بلا ضوابط تفرض عليهم بالحد الأدنى ساعة تواجدهم في دار المخترة؟ ولماذا يُلاحق مراقبو التموين التجار حاملين جداول التسعير للمواد بينما تسعيرة المخاتير كيفية وتصاعدية بلا حساب؟ ولماذا يُحدّد بالقانون لكل وظيفة شروط وشهادات تكافئ فئة التعيين بينما يكفي المختار حصوله على محو أمية مع دعم مناسب ليصبح قيّماً على حوائج سكان (أطيانه) التي ورثها عن سلفه، وليكون على بابه الطبيب والموظف والمهندس (طلاب حاجة)؟ لائحة التساؤلات طويلة، ولكن أكثرها إلحاحاً ومنطقيةً هو: لماذا لا يتم نسف هذه المهنة البالية من جذورها واستبدال خدماتها بأجهزة ومؤسسات حكومية تعمل وفق قوانين واضحة ليكون المواطن على مسافة واحدة منها وعلى دراية بخدماتها، بدل تكلف عناء استعطاف مختار الحي للحصول على جرة غاز أو وثيقة حسن سلوك مثلًا؟

مخالفات فاضحة
على أرض الواقع وما يثير الغرابة أن المختار لا يخضع لأية محاسبة، فالمخالفات الفاضحة المرتكبة بحق المواطنين بتوزيع المازوت، والغاز على وجه الخصوص، لم تتم محاسبة المخاتير المتورطين بها، وذكرت كثير من صفحات التواصل الاجتماعي أسماء بعينها تجاهلوا حق المواطن، واتبعوا أهواءهم الشخصية في التوزيع، واعتمدوا سياسة مساعدة المدعوم، والشعب الفقير (أمره إلى الله)، المشهد في طريقها صادفت أحد المواطنين الذي أكد أن مختار الحي الذي يقطن به ارتكب مخالفة جسيمة، من خلال إبلاغ شخص أن إحدى الجهات الأمنية سألت عنه، بعد أن نفى للجهة السائلة معرفته به، ليتبين لاحقا أن هذا الشخص مطلوب بجرم، حيث تم إلقاء القبض عليه واعترف بأن هروبه من منزله كان بناء على تبليغ المختار له، وبالتالي أوقف المختار عن عمله لفترة بعد حجزه ليعود بعدها وكأن شيئا لم يكن، ولم تتم محاسبته على إخلاله بالواجبات المنصوص عليها، وهنا نتساءل لماذا لم تعزل الجهات المعنية المختار المتورط من عمله؟

شارك برأيك .. لتكتمل الصورة


استطلاعات الرأي

يجب ان تختار خيار قبل ارسال التصويت
هل تعتقد أن الوقت قد حان لبدء تطبيق الدفع الإلكتروني في سوريا؟
نعم، حان الوقت لبدء تطبيقه وفرضه فوراً وهو ضروري للاقتصاد
لا، يجب إعداد بنية تحتية تقنية ومن ثم البدء بفرضه
لا، غير جاهزين بالوضع الراهن نهائياً لتطبيق الدفع الإلكتروني
النتائج
نعم، حان الوقت لبدء تطبيقه وفرضه فوراً وهو ضروري للاقتصاد
لا، يجب إعداد بنية تحتية تقنية ومن ثم البدء بفرضه
لا، غير جاهزين بالوضع الراهن نهائياً لتطبيق الدفع الإلكتروني

الأكثر مشاهدة هذا الشهر