كيف تحول الزواج إلى علاقة عابرة؟

كيف تحول الزواج إلى علاقة عابرة؟

المشهد – خاص
تركت الحرب آثارها الثقيلة على حياة السوريين، ليس فقط على صعيد القتل والدمار والهجرة. بل على صعيد الحياة الاجتماعية والاقتصادية. وكانت المرأة السورية أول المتأثرين بالهجرة والتعليم والبطالة والفقر.

لم تتخط فترة زواجها شهر حتى عادت مها إلى منزل والديها بورقة طلاق، وكانت قد تعرفت وهي في العشرين من عمرها على زوجها مهند عن طريق مواقع التواصل الاجتماعي. أخذت قرار الارتباط ولم تتجاوز فترة التعارف بينهما ستة أشهر، وبعد زواجهما بفترة قصيرة بدأت الخلافات تشتد فكل منهما جاء من بيئة مختلفة ولم يمنحا لنفسيهما الوقت لفهم طباع وطريقة تفكير الآخر ومعرفة الإيجابيات والسلبيات لديهما، فكان قراراً مستعجلاً يفتقد لكل معايير تكوين الأسرة نتج عنه طلاق أسرع، ترك مها تحت مسمى مطلقة  أما رانيا التي عادت من مصر بعد أن حصلت على الطلاق من زوجها لأنها لم تعد تحتمل طباعه الصعبة وطريقة تفكيره المختلفة عن مجتمعها وعاداتها في سورية والتي حولت حياتهما لجحيم يومي من الخلافات والصراخ وصلت إلى درجة أن يقوم بضربها كي يفرض عليها آراءه، فبعد سنة من الزواج أخذت قرار الانفصال والعودة لأهلها وكما قالت « اللي بياخد من غير ملتو بموت بعلتو «، وكان أفضل قرار اتخذته حسب رأيها.

تتكرر حالة مها ورانيا في المجتمع السوري فارضة ظاهرة سلبية لم تكن موجودة قبل الحرب، فحالات الطلاق بعد فترة قصيرة من الزواج أصبحت كثيرة حسب إحصائيات المحاكم الشرعية، والتي تقف خلفها الكثير من الأسباب أولها ظروف الحرب والنزوح، ولن يكون أخرها التسرع الذي يوقع الشباب في فخ الزواج والطلاق المبكر، حتى أصبحت بعض الزيجات تستمر بضعة أشهر فقط، وفي بعض الأحيان أياماً معدودة، يرافقها حالات تدهور نفسي واجتماعي وتفكك أسري،

المشهد وقفت على هذه الظاهرة التي تزداد يومياً وتنتشر بين أوساط الشباب ورصدت أراء بعض الجهات المعنية والمختصة، والتقت بحالات تحدثت عن تجاربها.

المرأة ليست الضحية دائماً
ليس صحيحاً أن المرأة هي دوماً الضحية في حالات الطلاق، فهناك شباب يتمسكون بزوجاتهم ويرفضون الطلاق، وهو ما تحدث عنه رامي، شاب عمره 25 عاماً تزوج منذ سنتين بفتاة تعرف عليها عن طريق أصدقائه، لكنه اكتشف بعد بضعة أشهر أن كل صفات الفتاة كانت مزيفة قهي لا تهتم بالمحافظة على بيتها. وهي تريد أن تواصل حياتها وكأنها لم تتزوج بعد وتخرج للتنزه مع أصدقائها، وعندما كان يمنعها كانت تطلب الطلاق، واستمرت على هذه الحالة سنتين وهو يرفض الانفصال قائلًا حسب المثل الشعبي »صبح مرتك بعلقه ومسيها بعلقه أحسن من الطلقة «، إلى أن طفح الكيل من تصرفاتها وقام بمخالعة عند المحامي كي لا يدخل بفضيحة أمام العائلة.

عدم التثبيت وبدون علم الأهل
القاضي الشرعي الأول في سورية محمود معرواي تحدث للمشهد عن حالات الطلاق خلال سنوات الزواج الأولى التي يلاحظ ارتفاعها منذ بداية الأزمة فهناك حالات كثيرة تراجع المحكمة الشرعية يومياً لإجراء معاملة الطلاق، والتي يعود معظمها إلى عدم تثبيت الرجل لحالة الزواج، أو لأنه زواج عرفي تم بدون معرفة الأهل، وهذه الحالات من الطبيعي أن تنتهي عند أو ل مشكلة تعترض الزوجين لأنها في الأساس ليست صحيحة وخارجة عن الأعراف والقوانين.

بعض الحلول: المعرفة الجيدة والتناسب الاجتماعي
على اعتبار أن هذه الحالة أصبحت أمراً واقعاً في المجتمع السوري طرحت الخبيرة الاجتماعية هبة موسى بعض الحلول لمواجهة هذه المشكلة التي تعدها غريبة عن عاداتنا وتقاليدنا. بل واصبحت منتشرة بكثرة للأسف، من هنا يجب قبل اتخاذ قرار الزواج أن يكون هناك معرفة جيدة وتناسب اجتماعي وعلمي واقتصادي بين الطرفين، كما أنصح الزوج والزوجة في حال توصلوا لهذا القرار أن يخضعوا لدورات تأهيل أسري عن الحياة الزوجية ولتجنب التسرع باتخاذ القرارات لما لها من تأثيرات سلبية على الطرفين وعلى الأسرة، فالرجل يتأثر كالمرأة ومن الممكن أن يصاب بردة فعل سلبية تمنعه من إعادة تجربة الزواج والاكتفاء بدخول العلاقات العابرة بعيداً عن مؤسسة الزواج وهو الأخطر، لذا يجب أن نفكر قبل الدخول في هذه التجربة كوننا نسعى خلال مرحلة ما بعد الحرب إلى إعادة إنشاء الأسرة الفعالة والمتوازنة.

قانون الأحوال الشخصية
بعد كل ما ذكرناه عن حالات الطلاق حاول قانون الأحوال الشخصية الجديد بعد تعديلات أقرّها مجلس الشعب في بداية عام 2019 وهي تعديلات غير كافية وتحتاج إلى مزيد من التطوير تنظّيم العديد من الأمور المتعلقة بالزواج والطلاق منها رفع سن الزواج إلى 18 عاماً، ومنح المرأة إمكانية وضع العصمة في يدها وتنظيم إجراءات الوصاية والمهر والطلاق، فهل سيساهم هذا القانون بتخفيض نسب الطلاق وتخليص المجتمع من هذه الظاهرة السلبية التي تنشر التفكك الأسري، أم أن المجتمع بأكمله أصبح بحاجة إلى إعادة ترميم للمفاهيم والأخلاق في التعامل مع بعضه.

نسبة الطلاق كانت % 18 قبل الحرب ووصلت إلى 31% أثناء وبعد الحرب
ويؤكد القاضي الشرعي أن حالات الطلاق ارتفعت خلال الأزمة بعد أن كانت نسبتها مسبقاً % 18 قبل الحرب، لتصل خلال سبع سنوات إلى 31 %، وازدادت حالات الطلاق في سورية مقارنةً بين سنوات الحرب وما قبلها، وتبين من خلالها أنه في عام، 2010 بلغ عدد عقود الزواج 21 ألف عقد، وشمل جميع أنواع عقود الزواج (إداري، تثبيت، دعاوى) قابلها في العام نفسه 5318 حالة طلاق، أما عقود الزواج المسجلة لدى المحكمة الشرعية في في عام 2014 سجلت المحكمة الشرعية 27355 عقد زواج، قابله 6514 حالة طلاق، لترتفع عام 2015 عقود الزواج إلى 33 ألف عقد، قابلها 7028 حالة طلاق، وفي عام 2016 سجلت المحكمة 27430 حالة زواج، ليقابلها 7423 حالة طلاق. لتعود وتنخفض عام 2018 إلى 29 %، بحسب أخر الاحصائيات التي سجلت في المحكمة الشرعية حيث توزعت حالات الزواج والطلاق على الشكل التالي: 28 ألف حالة زواج سواء دعوى زواج أو تثبيت زواج، و 8165 حالة طلاق من هنا وجدنا أن نسبة الطلاق قد انخفضت، نتيجة قيام وزارة العدل بافتتاح مراكز إصلاح أسري نجحت ولو بنسبة قليلة بإصلاح الوضع بين الزوجين. والتي أضيف لها غرفة تحكيم خاصة لتصبح المصالحة ضمن المحكمة الشرعية، وتحوي الغرفة شاشة عرض لأفلام وثائقية توعوية هادفة عن الإصلاح الأسري، وآثار الطلاق على الطفل والمجتمع، حسب ما أفاد القاضي الشرعي الأول المؤازر في دمشق د.عمار مرشحة. أما عن الحالات المسجلة عام 2019 أكد محمود معراوي أنه لا يوجد أي إحصائية محددة عن هذه حالات الطلاق لكنها قريبة من السنوات السابقة، لكن ظهر هناك ونتيجة الحرب أسباب جديدة للطلاق، لم تكن شائعة في المجتمع، كحالات اختفاء الرجال لفترات طويلة عن بيوتهم،

حيث تم تسجيل نحو 6946 حالة طلاق تحت بند ”دعوى تفريق لعلة الغياب“. فيما كشف د.عمار مرشحة أن عدد المعاملات التي تنجزها المحكمة ارتفع من 1000 معاملة إلى 3300 معاملة يومياً ما بين زواج وطلاق خلال عام .2019

الأزمة فرضت واقعاً جديداً
هذه الحالات المثبتة والمسجلة لدى المحاكم يقف خلفها الكثير من الأسباب تحدثت عنها الخبيرة الاستشارية في الشؤون الأسرية راما أحمد وقالت: ساهمت ظروف الحرب في سورية بشكل كبير في تفاقم ظاهرة ما يسمى ”الطلاق السريع“ من أهمها النزوح والتهجير الذي سبب الاختلاط المفاجئ بين سكان المحافظات السورية بالتالي باتت تختلف العادات والتقاليد المتبعة في الزواج بين الطرفين كثيراً، ولعل غياب الفهم الصحيح لمفهوم بناء الأسرة والزواج، واختلاف قيمة الحياة الزوجية لدى بعض الناس، بالإضافة إلى الحرب التي فرضت ظروفا معيشية واقتصادية صعبة، من الأسباب الرئيسية المؤدية إلى فشل العلاقة بعد عدة أشهر والطلاق في النهاية، وعلى الرغم من اختلاف الحالات والمواقف التي تؤدي إلى الطلاق، إلا أن التسرع في اختيار شريك أو شريكة الحياة دون تحري الدقة والبحث عن إذا ما كان الشخص الآخر شريكاً مناسباً بعيداً عما سيقدمه من أمور مادية.

كما أكد محمود المعراوي على أن أبرز أسباب الطلاق داخل سورية كان بسبب الأزمة التي أثرت بشكل مباشر على جميع مفاصل الحياة، فمعظم الناس كانوا قبل بداية الحرب يعيشون في »بحبوحة » كما يقال وباستطاعة أي شاب الحصول على منزل ولو بالإيجار، لكن ومع تغير الأوضاع والظروف المادية لم يعد بإمكان الكثير من الشباب تأمين الكثير من متطلبات الفتاة حتى النزوح الداخلي دفع بالكثيرين للسكن مع أهاليهم. وهناك أكثر من عائلة تسكن في نفس المنزل، ونتيجة هذه الظروف القسرية يحصل الطلاق.

طلاق لعلة التفاهم واختلاف التقاليد
حديث الخبيرة الأسرية جاء متطابقاً نوعاً ما مع ما أكده القاضي الشرعي الأول حول الزواج في بلاد المهجر، لكنه أضاف أن حالات الطلاق التي تحدث في سنوات الزواج الأولى خارج البلاد تكون أغلبها بسبب رفض أحد الطرفين الهجرة أو إصرار الطرف الأخر على الهجرة وتدخل الأهل في الموضوع، كما أن معظم الفتيات اللواتي تزوجن على سفر وجدن اختلافاً كبيراً في العادات والتقاليد والتي تأثرت بها الكثير من النساء ووصلت لمرحلة أنه اذا قام زوجها برفع صوته عليها أو في أول خلاف بينهمها تشتكي عليه لدى الشرطة، وهو ما أدى للطلاق في أغلب الحالات، كما أن هناك نوع آخر يؤدي للطلاق في دول المهجر وهو اختلاف سياسة البلاد الغربية في قبول المهجرين وعدم قبول معاملات لم الشمل في أكثر الأحيان، لذا وبعد أن تكون الفتاة قد تزوجت في سورية تضطر للطلاق نتيجة عدم قدرتها على السفر إلى زوجها

الزواج والطلاق تحول لمصدر رزق
تعود الخبيرة الأسرية راما للحديث عن الوجه الأخر للطلاق السريع  الذي يتحول فيها الزواج والطلاق لمصدر رزق تتخذه بعض العائلات للمنفعة المادية فيزوجون بناتهن لرجال أثرياء، دون أي مراعاة للفارق العمري والديني والاقتصادي، حيث يتم تزويج الفتيات من 4 أو 5 رجال، بغرض الحصول على مهر جديد، وبهذا يتعرضن للطلاق مراراً دون مراعاة لمشاعرهن، كما أن الوضع لا يختلف كثيراً في بلاد المهجر وأكثر الحالات المثبتة هي قيام الشاب بالادعاء أنه ذوو خلفية علمية ومن أصحاب الشهادات والأموال، ويوهم الفتاة بأنه العريس المنتظر وما إن ترتبط به الفتاة تتعثر بأول كذبة مما يدفع بها لطلب الطلاق، لكن في حالات أخرى يكون قد حصل الحمل، ما يضطر بعض النساء للبقاء مع الزوج فقط بداعي الأمومة.


زواج فيس بوك وطلاق على الورق
كما أن معظم حالات الطلاق تحدث في أوساط الشباب ممن يتزوجون في العشرينات نتيجة الشحن النفسي والاقتصادي والمادي لمعظمهم، خاصة أن أغلب هذه الحالات كانت تتم بشكل غير تقليدي عن طريق وسائل التواصل الاجتماعي الفيس بوك، وبعد زواجهم يتضح بان كل شخص قد جمل نفسه وكان مختلف عن الواقع الافتراضي، الزواج التقليدي الذي يعطي الفرصة للطرفين للتعرف وفهم بعضهما أكثر،والابتعاد عن تلك الطرق، فنسبة الطلاق في الزواج التقليدي 10 %، بينما نسبة الطلاق في الزواج بالطرق الأخرى تصل إلى أكثر من 50 %.

 

شارك برأيك .. لتكتمل الصورة


استطلاعات الرأي

يجب ان تختار خيار قبل ارسال التصويت
هل تعتقد أن الوقت قد حان لبدء تطبيق الدفع الإلكتروني في سوريا؟
نعم، حان الوقت لبدء تطبيقه وفرضه فوراً وهو ضروري للاقتصاد
لا، يجب إعداد بنية تحتية تقنية ومن ثم البدء بفرضه
لا، غير جاهزين بالوضع الراهن نهائياً لتطبيق الدفع الإلكتروني
النتائج
نعم، حان الوقت لبدء تطبيقه وفرضه فوراً وهو ضروري للاقتصاد
لا، يجب إعداد بنية تحتية تقنية ومن ثم البدء بفرضه
لا، غير جاهزين بالوضع الراهن نهائياً لتطبيق الدفع الإلكتروني

الأكثر مشاهدة هذا الشهر