"نقاوم لنعيد البسمة" رحلة علاج لمرضى أطفال السرطان مليئة بالحب والترفيه (فيديو)

"نقاوم لنعيد البسمة" رحلة علاج لمرضى أطفال السرطان مليئة بالحب والترفيه (فيديو)

تقرير ريم غانم
في أروقة الانتظار تجلس والدة حلا ذات الثمان سنوات لتنتظر طفلتها كي تنهي رحلة علاجها بعد أن أنهك السرطان جسدها الغض جالبةً معها الكثير من الحاجيات تحسباً لفترة مكوث طويلة، وهي القادمة من محافظة إدلب منذ عام ونصف إلى مشفى البيروني الجامعي في دمشق لضمان حصول ابنتها على العلاج بشكل منتظم، تاركةً خلفها أطفالها الستة الآخرين، تقول: ”مرضت ابنتي بورم على الكلية واستأصلوها، لكن بعد ست جرعات عاودها المرض في الرئتين وهي في العلاج حالياً، ولأنني لا أستطيع تحمل تكاليف العلاج الباهظة لجأت إلى جمعية “بسمة” التي تقدم هذه الخدمات مجانا."

تعيد الابتسامة
بدأت جمعية بسمة مشوارها الإنساني في سورية فعملت منذ تأسيسها عام 2006 على تحسين الواقع الصحي والاجتماعي للأطفال المصابين بالسرطان ولأهاليهم خلال فترة العلاج، فرافقتهم خلال ثلاثة عشر عاماً وشاركتهم تفاصيل حياتهم وعلاجهم وقصص نجاحهم في التغلب على المرض ومواصلة الحياة بكل معانيها فكتبت لنفسها قصة نجاح واكتسبت موقعاً رائداً بين الجمعيات الأهلية في سورية.
ريما سالم، المديرة التنفيذية لجمعية بسمة فَرَدَت بعض أوراقها وتحدثت عن تاريخ عمل الجمعية التي كانت بدايتها لتقديم الدعم النفسي والترفيهي للأطفال للتخفيف من معاناتهم ضمن مشفى الأطفال في دمشق، على اعتباره المشفى الوحيد الذي يستقبل الحالات من عمر سنتين إلى 18 عاماً من كل سورية، وكون سعة المكان محدودة والأهل لا يمكنهم البقاء بجانب أولادهم المصابين، بالإضافة إلى تقديم برنامج الدعم المادي عبر تأمين الدواء الغير متوفر في المشفى، وعليه أصبحنا نقدم الدواء المجاني للأطفال في مشافي الأطفال والمواساة والأسد الجامعي والبيروني.
وعن الشراكة مع مشفى البيروني أكدت المديرة التنفيذية أنه تم تأسيس أول وحدة علاجية تخصصية تقدم كل الخدمات للأطفال مجانية بكل ما يخص رحلة العلاج والتي تحتوي على 18 سرير، 11 منها داخلي، و 7 خارجي للأطفال الذين يأتون للمشفى لأخذ الجرعات والمغادرة، واليوم نحن بصدد العمل على توسيع الوحدة لتضم في نهاية العام 38 سريراً.

كما أنَّ تقديم الدعم للأطفال المصابين يشمل أهاليهم، حيث تقوم الجمعية بتأمين المسكن للأشخاص القادمين من المحافظات الأخرى، فتم عام 2007 استئجار مركز شعبي خاص في منطقة كفرسوسة مؤلف من 3 غرف مخصصة للسيدات وغرفتين للرجال مع تقديم وجبات غذائية ثلاثة أيام في الأسبوع، بالإضافة إلى تأمين المواصلات إلى دمشق عن طريق متبرع قدم جميع أجور التنقلات للأهالي، كل ذلك للتخفيف من أعباء السفر عن الأهالي الذين يرغبون بالبقاء إلى جانب أولادهم وتشجيعهم على مواصلة العلاج.

نشاطات تدعم المصاريف
لم يكن من السهل خلال أكثر من عشر سنوات الحصول على التبرعات والمصاريف التي تغطي عمل الجمعية كون كل الخدمات التي تقدمها مجانية، تضيف ريما: كل تمويل بسمة تمويل ذاتي عن طريق متبرعين وأشخاص ومؤسسات تجارية واقتصادية أو عن طريق الفعاليات التي تتوجه الجمعية لإقامتها، فقبل الحرب كنا نقيم خلال شهر شباط فعالية تعرف بـ 28 طريقة للعطاء  استطعنا من خلالها الحصول على  70% من المصروف السنوي، لكن خلال سنوات الحرب توقفنا، وأعدنا العمل عليها عام 2016 في الذكرى العاشرة لتأسيس  الجمعية، وفي عام 2017 استطعنا الحصول على مصروف شهر، وفي عام 2018 حصلنا على مصروف شهرين، وفي 2019 حصلنا على مصروف شهرين ونصف، فنحن كغيرنا تأثرنا بالوضع العام فتلاعبت بنا أسعار الصرف وأصبح مصروفنا السنوي يتجاوز ال 500 مليون ليرة سورية، وفي الشهر تصل تكاليف الدواء لوحدها إلى حوالي 17 مليون ليرة سورية. كما أقمنا العام الماضي حملة تحت اسم وعادت الابتسامة احتفلنا من خلالها بوصول عدد الأطفال الذين تعافوا من المرض بشكل نهائي 600 طفل منذ عام 2009، وهي نسبة جيدة جداً تصل إلى 50 % خاصة أن سورية دولة غير متطورة في علاج هذا المرض الذي يعد قضية مجتمع بأكمله وليس قضية فئة معينة، لذا تساعد التبرعات النقدية أو عن طريق حساب بنك لحساب الجمعية أو عن طريق التبرع برسالة عبر شركات الاتصالات السورية بـ 500 ليرة بجزء كبير من مصروفنا، ومنها الحفلة التي أقيمت مؤخراً وحضرها النجم اللبناني عاصي الحلاني في دمشق.

خدمات للأطفال تحت القصف
 "خلال سنوات الحرب العجاف صمدت وحدة العلاج التخصصية كونها كانت تقع قرب منطقة ساخنة في حرستا، ولم يتوقف العمل عن إعطاء الجرعات والأدوية للأطفال وعرض كل الكادر حياته للخطر ولم يتوقف عن تقديم الخدمات لهؤلاء الأطفال حتى الأهالي لم يتوقفوا عن إحضار أطفالهم تحت كل الظروف الصعبة إيماناً منهم بالشفاء، لكن اضطررنا في الشهر الثاني من عام 2018 وإلى غاية الشهر السابع من العام ذاته لمغادرة الموقع بعد أن تم إغلاق المشفى لأسباب أمنية، لكن لم نتوقف عن العمل بل واصلنا في مركز جراحة القلب التابع لمستشفى البيروني في المزة، وعندما عدنا إلى مركزنا قمنا بتأهيله وأصبح أفضل مما كان عليه وعادت الخدمات لنشاطها”.
تحدث الطبيب غانم عن طريق رحلة العلاج للأطفال المصابين تبدأ بعد تشخيص حالة الطفل عبر دراسة كاملة لحالته بعد التشريح المرضي للتأكد من إعطاء العلاج المناسب، وقال:
"نأخذ صور شعاعية وخزعات لنعرف درجة المرض أيضاً، وبعد ذلك نطبِّق البرتوكولات الموحدة الخاصة بكل حالة،" مضيفاً: :يُقسم العلاج إلى عدة أنواع منها العلاج الكيميائي الذي يقدم مجاناً من قبل الجمعية، أما الشعاعي فهو يقدم عبر مركز وحيد في سورية  ضمن مشفى البيروني في المزة، وبالنسبة للعلاج الجراحي هناك تعاون مع مستشفى الأطفال وهناك عمليات أخرى تجرى في مشافي خاصة بمتابعة وإشراف الجمعية، كما يتم تنفيذ هذه البرتوكولات على مدى ثلاثة أشهر أو سنة او سنتين ونصف، وجميعهم يبقون على تواصل معنا ليستكمل علاجه، حتى بعد فترة شفائه نبقى نراقبه على مدى خمس سنوات كي نتأكد من أنه هزم المرض.”

الخطَّة المستقبلية
كل النجاح الذي رافق مشوار بسمة عبر تاريخها يرافقه أحلام وخطط للنهوض بواقع العمل وزيادة عدد الحالات التي تشفى من هذا المرض الصعب، يضيف مدير الوحدة: "لذا نسعى منذ عام 2018 ولغاية خمس سنوات أن نرفع نسبة الشفاء لتوازي النسب في أوروبا وأمريكا عن طريق اتباع خطط معينة تتمثل بتطبيق بروتوكولات عالمية معينة وإعطاء علاج داعم للمرضى، ونحثُّ الأهالي على الالتزام بجلب أطفالهم لمواصلة رحلة العلاج. هذا بالإضافة إلى جذب أطباء جدد من داخل وخارج سورية بعد افتتاح توسعة الوحدة العلاجية في منتصف صيف هذا العام، والتي ستكون أفضل وأكبر وحدة علاجية من ضمن خمس وحدات في المنطقة.”  

متطوعون لرسم البسمة
بكادر وظيفي مؤلَّف من 65 شخصاً و 85 متطوعاً تواصل بسمة عملها الإنساني حيث كان للجانب التطوعي جزء كبير من عملها، فهي تستقبل المتطوعين من فوق عمر 18 بشرط أن يكون لديهم القدرة على التعامل مع الحالات الخاصة لهؤلاء الأطفال، بعد أن يخضعوا لفترة تدريب، حيث تنشأ علاقة ود ومحبة بينهم وبين الأطفال الذين أصبحوا ينتظرون قدومهم، وعليه يقدم المتطوعين برنامج دعم نفسي من خلال قراءة قصة أو الرسم والتلوين أو الغناء، كل ذلك بهدف الترفيه عنهم ومساعدتهم على تحمل فترة العلاج الصعبة."
ختمت ريما حديثها بالقول "بسمة
غيرت حياتي على الصعيد الشخصي كون فكرة التطوع تغير مفهوم الحياة والعطاء، وتجعلك تشعر بالفخر لمجرد رسم الابتسامة على وجه الأهل والأطفال الذين يتلقون العلاج والدواء فيها."

 وهو ما أكًّده المدير الطبي لوحدة بسمة التخصصية في مشفى البيروني الجامعي خالد غانم، فالأطفال المصابون بمرض السرطان مسؤولية المجتمع السوري ككل، ويستطيع كل شخص ان يساهم بدعم بسمة
 لأن الموضوع هنا حياة أو موت وكل طفل تعافى من المرض نجا من الموت بأعجوبة."

 وعن خطة العلاج المقدمة داخل الوحدة التخصصية قال: "خطط العلاج المقدَّمة في الوحدة تعد من أفضل الخطط على مستوى الشرق الأوسط ولدينا فريق متكامل مؤلف من خمسة أطباء وخمسة وعشرون ممرضاً وممرضة.” كيف أثرت العقوبات على واقع العمل الصحي والإنساني؟
على الهامش قبيل الحرب كانت سوريا تنتج 90% من الأدوية التي تحتاجها لكن أدوية السرطان كانت بين تلك النسبة القليلة التي تعتمد على الاستيراد في تأمينها، من هنا تركت العقوبات أثرها الكبير على عمل الجمعية بسبب نقص الأدوية وهذا ما اعترفت به سورية ومنظمة الصحة العالمية فالعقوبات الغربية قيَّدت بشكلٍ حاد واردات الدواء على الرغم من إعفاء الإمدادات الطبية إلى حد بعيد من الإجراءات العقابية التي تفرضها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي. فيما كانت إليزابيث هوف ممثلة منظمة الصحة العالمية في سوريا قد قالت سابقاً إن تبعات العقوبات الاقتصادية المفروضة على سوريا أثرت بشدة على شراء أنواع معينة من الأدوية بينها أدوية علاج السرطان، فالعقوبات تمنع الكثير من شركات الأدوية العالمية من التعامل مع سورية كما تعرقل البنوك الأجنبية في مجال التعامل مع المدفوعات الخاصة باستيراد الأدوية، كما منعت واشنطن تصدير أو بيع بضائع وخدمات إلى سوريا من الأراضي الأمريكية أو من مواطنين أمريكيين.


لقد أثبتت الجمعيات الأهلية يوما بعد آخر وجودها في المجتمع السوري وقدرتها على إحداث تغييرات إيجابية فيه حيث تحولت لرديف حقيقي للمؤسسات الحكومية في الارتقاء بالخدمات المقدمة للمواطنين ويبقى تطورها وتجربتها محكوما بتعزيز الدعم لها وتهيئة البيئة المناسبة لتفعيل الدور المنوط بها والتوسع فيه.

 

 

شارك برأيك .. لتكتمل الصورة


استطلاعات الرأي

يجب ان تختار خيار قبل ارسال التصويت
هل تعتقد أن الوقت قد حان لبدء تطبيق الدفع الإلكتروني في سوريا؟
نعم، حان الوقت لبدء تطبيقه وفرضه فوراً وهو ضروري للاقتصاد
لا، يجب إعداد بنية تحتية تقنية ومن ثم البدء بفرضه
لا، غير جاهزين بالوضع الراهن نهائياً لتطبيق الدفع الإلكتروني
النتائج
نعم، حان الوقت لبدء تطبيقه وفرضه فوراً وهو ضروري للاقتصاد
لا، يجب إعداد بنية تحتية تقنية ومن ثم البدء بفرضه
لا، غير جاهزين بالوضع الراهن نهائياً لتطبيق الدفع الإلكتروني

الأكثر مشاهدة هذا الشهر