الألعاب والمواقع الالكترونية بنيان اجتماعي غير سليم والنتيجة بناء عالم افتراضي آخر

الألعاب والمواقع الالكترونية بنيان اجتماعي غير سليم والنتيجة بناء عالم افتراضي آخر

حمص - خاص
"آن سين" شخص خرافي يعتقد الطفل "جاد" ذو التسعة أعوام وجوده في عالمنا، ولا يمكن لأحد رؤيته سواه، و "آن سين" شخص غامض، مُبهم المعالم، يظهر دائماً بحلل مختلفة، وهو القادر على فعل كل شيء، إذ يُجسد مخاوف حقيقية لجاد بحسب رأي العائلة.
"آن سين" لم يفعل شيئاً حتى اللحظة، ولم يتسبب بأي شيء، لكن مجرد قناعة الطفل بوجوده يشكل تخوفاً مما قد يقوم به مستقبلاً، إذ لا يمكن لأحد التكهن بما قد تقوم به هذه الشخصية من إيحاءات للطفل، وقد تدفعه للقيام بأفعال معينة، تصل حد التسبب بالأذى لنفسه أو لمن حوله، هذه المخاوف أعربت عنها والدة "جاد" وأضافت:" قد يجد ابني ترجمة لمشاعره وميوله، من خلال أفعال ينسبها إلى الشخصية العالقة في خياله".
تبدَّل سلوك "جاد" في الآونة الأخيرة كثيراً، حيث فقد الطفل قدرته على التفاعل مع محيط العائلة، والأصدقاء، وبات يُمضي أكثر من نصف يومه على الألعاب الالكترونية مثل لعبة (حرب الشوارع)، إضافة إلى مقاطع الفيديو تلك التي تحاكي في مضمونها أشخاصاً مرعبين لا ينتمون إلى الواقع في شيء، ولم تكن عائلته آنذاك على دراية بالخطر الذي يحدق بابنها.
بناء عالم افتراضي
توصف "شآم عباس" الاختصاصية في الإرشاد النفسي، وتقديم المشورة النفسية لـ " المشهد" أسباب بناء العالم الافتراضي عند الأطفال إذ قالت:"
يهتم الأطفال والمراهقون كذلك، بالألعاب الالكترونية إلى حد كبير، الأمر الذي دفع علماء النفس والتربية إجراء دراسات فعلية للألعاب التي يمارسها الأطفال في مختلف فئاتهم العمرية، وخلصت معظم الدراسات أن هذه الألعاب مُضرة جداً، فسلبياتها ذات علاقة مباشرة في بناء شخصية الطفل وميوله، حيث تنمي لديه مظاهر العنف، والعدوان، وبالتالي تخلق شعوراً بالانعزال عن المحيط الاجتماعي، كما أنها تؤدي إلى ضعف قدرة الطفل والمراهق معاً على التحصيل العلمي بسبب ولعه الشديد بها".  
وأضافت "عباس" هناك دراسات غربية أكدت أنَّ الألعاب الإلكترونية تساعد المراهق تحديداً على تعلم طرق الجريمة وارتكابها، وتنفيذ الحيل المناسبة لذلك".  
الأزمة السورية... سبباً
أثرت الحرب السورية على مسار الحياة الاجتماعية بالنسبة إلى العوائل السورية، ففي بداية الأزمة، لجأ معظمنا إلى وسائل التواصل الاجتماعي كحل بديل، عن الخروج من المنزل الذي شكل خطراً في بعض المناطق الساخنة، الأمر ذاته انسحب على فئة الأطفال إذ ضيقت الحرب المساحة الآمنة لهم، ولم يعد بإمكان ذويهم، توفير مناخ ملائم وآمن لأطفالهم، وكل تلك الظروف ساهمت بجعل الأطفال فريسة المواقع الالكترونية، وما تحمله من مضامين سلبية.
تقول "عباس" يؤدي انشغال الأهل وغيابهم المتكرر عن المنزل وتركهم الأطفال لساعات طويلة أمام شاشة الكمبيوتر أو على الموبايل، إلى نشوء سلوك مضطرب وغير متزن عند الكثيرين من الأطفال، إذ يعتقد الأهل أنَّ الحصول على الألعاب من الانترنت أرخص وأيسر من شراء حاجيات ترفيهية للطفل".
الألعاب الالكترونية... قاتلة
في سورية لا توجد دراسة فعلية لأثر الألعاب الالكترونية على الأطفال والمراهقين، ومعظم الدراسات فردية ذات مجهود شخصي، حيث أكد أحد العاملين بمجال الإرشاد النفسي خلال إعداد هذه المادة لـ "المشهد" انتشار الألعاب الالكترونية القاتلة مثل (لعبة الحوت الأزرق- البوكيمون) وغيرها بين الفئات العمرية من (13-17) عاماً، وأشارت أميمة خضور أخصائية في معالجة الاضطراب السلوكي عند الأطفال أنَّ: البقاء لفترات طويلة على الموبايل، أو شاشة الكمبيوتر من شأنه التأثير على سلوك الأطفال _تحديداً_ وبالتالي تنمية السلوك العدواني لديهم، وخلق شعور بالعزلة عن المحيط.
وأضافت "خضور": نواجه تعقيداً في التعامل مع بعض حالات الاضطراب السلوكي الناتج عن تأثر الأطفال بالألعاب الالكترونية، حيث يعيش بعض الأطفال للأسف في واقع افتراضي بعيد تماماً عن الواقع الحقيقي لهم، ومنهم من يقوم بخلق شخصية افتراضية بهدف التعويض عن نقص ما، وبالتالي فإن اضطراباً يتكرس من خلال سلوك عدواني مع الآخر، ونبذ المحيط الاجتماعي، وربما الصراخ المتكرر للفئات العمرية الصغرى، والمشكلة تزداد سوءاً بسبب عدم إدراك الأهل أحياناً خطورة ما يكتسبه أطفالهم من هذه المواقع".

 


 

 

 

 

 

 

العالم الافتراضي ... للكبار أيضاً
تمت معالجة فكرة العيش في عالم افتراضي سواء في دراسات أو أبحاث وحتى في السينما، ومن يتذكر فيلمي (The Matrix) و (Inception) يفهم تماماً فكرة الازدواجية المرتبطة بالعيش ضمن واقعين أحدهما خيالي وآخر حقيقي، والمعاناة تكمن عند صعوبة التمييز بينهما، فيكون الإنسان وسط حالة تخبط أو انفصال نسبي عن الواقع الحقيقي وهي أشبه بحالات الفصام والأمراض النفسية المشابهة لها.
وفي الحقيقة، فإنَّ: حالة الانخراط المبالغ به في وسائل التواصل التقنية تخلق وضعاً مشابهاً من حيث استبدال الواقع الحقيقي المحيط بالشخص بواقع آخر له ظروفه المختلفة، وبالرغم من أن الإنسان المتزن لا يفقد القدرة على التأقلم والتمييز بين الواقعين، إلا أنه قد يكون عرضة لاختلال في ردود الفعل وأسلوب التفاعل مع المحيط لأن التواصل المباشر مع المجتمع يختلف عن التواصل من خلال الهواتف والأجهزة التقنية التي لا يمكن لها ترجمة ردود الفعل بأكثر من النقر على لوحة المفاتيح أو تسجيل مقطع مرئي.

 

 

 

 

 


 

 

ألعاب الكترونية... الطريق إلى الموت
بيَّنت إحدى الدراسات المتعمقة بمسألة أضرار الألعاب الالكترونية أنَّها: تدفع الأطفال بين عمر (10-17) عاماً إلى التفكير بالانتحار، أو الإقدام عليه بالفعل، وهي تهدد حياتهم بشكل فعلي.
في مصر خلقت حادثة انتحار نجل نائب برلماني سابق وهو محمد الفخراني البالغ من العمر 18 عاماً جدلاً واسعاً، بعدما قامت شقيقتاه بكتابة منشورات على صفحات التواصل الاجتماعي "فيس بوك" تؤكد إدمان شقيقهما على ممارسة لعبة الحوت الأزرق إلى الحد الذي أقدم فيه على الانتحار.
ولعبة الحوت الأزرق ظاهرة على وسائل التواصل الاجتماعي،  منتشرة في دول عدة  ويعود تاريخها لعام 2016، حيث تتكون من تحديات لمدة 50 يوماً، وفي التحدي النهائي يُطلب من اللاعب الانتحار، ومصطلح "الحوت الأزرق" يأتي من ظاهرة حيتان الشاطئ، التي ترتبط بفكرة الانتحار، ويشتبه في كونها أصل حوادث الانتحار، ولا سيما في صفوف المراهقين.
بدأت لعبة الحوت الأزرق في روسيا عام 2013 ، بصفتها واحدة من ما يسمى "مجموعة الموت" ، ويُزعم أنها تسببت في أول حادثة انتحار في عام 2015.
حيث قال مبتكر اللعبة  فيليب بوديكين ــ وهو طالب علم النفس السابق الذي طرد من جامعته لابتكارهِ اللعبة ــ أنَّ هدفه هو "تنظيف"  المجتمع من خلال دفع الناس إلى الانتحار الذي اعتبر أن  ليس لهُ قيمة".
في الوقت ذاته تسببت لعبة أخرى وتدعى "تحدّي شارلي" بحدوث عدة حالات انتحار لأطفال وشباب، آخرها في ليبيا التي انتحر فيها أكثر من 10 أشخاص شرق البلاد خلال شهر إبريل في العام 2018، وتحدّي " تشارلي " هي لعبة شعبية انتشرت من خلال مجموعة فيديوهات على شبكة الإنترنت في عام 2015، وساهم في انتشارها استهدافها لأطفال المدارس، حيث تعتمد في لعبها على اللوازم المدرسية وبالتحديد الورقة وأقلام الرصاص لدعوة شخصية أسطورية مزعومة ميتة تدعى "تشارلي" ثم تصوير حركة قلم الرصاص مع الركض والصراخ.
في عام 2018 اعتبرت لعبة "بابجي" اللعبة الأكثر خطورة في العالم بحسب المختصين بعلم النفس والإرشاد النفسي، من حيث تأثيرها على الأطفال والمراهقين من ممارسي اللعبة، حيث تسببت العام الماضي بمقتل معلمة على يد طالب كان أحد مدمني اللعبة.
وترتكز لعبة "بابجي" على فكرة "غريزة البقاء" إذ تبدأ اللعبة بصعود مائة لاعب على متن طائرة حربية، بعدها يختارون إحدى الجزر ويقومون بجمع الأسلحة، والدروع الواقية الموزعة ضمن الجزيرة بشكل عشوائي، وهنا تبدأ المعركة
 حيث شريعة الغاب كل شيء فوضوي والجميع يريد قتلك، وثمة فائز واحد هو وحده من سيتمكن من البقاء حياً دون غيره.

 

 

 

 

 

 

 

 

الحاجة إلى رقيب...
تجاوزت مشكلة إدمان الألعاب الالكترونية حدود كونها وسائل تسلية، لتصبح ظاهرة منتشرة وبكثرة في مجتمعنا، وبالتالي فإن خطراً حقيقياً يهدد الأجيال الناشئة.
وهنا لا بد أن نتساءل هل تنفع مراقبة الأهل وحدها في معالجة ظاهرة إدمان الأبناء ممارسة الألعاب الالكترونية؟ أليس من الضروري وجود خطة واستراتيجية كاملة للحد من انتشار هذه الألعاب عن طريق حظرها من التداول، ومعاقبة كل من يروج لها؟
نحن أمام مشكلة صعبة الحل ولكنها ليست مستحيلة... في حال وجدت النية لدى كل الأطراف بدءاً من بيئة الطفل، ومن ثم مدرسته التي يقع على عاتقها الجانب التثقيفي والتوعية بمخاطر الشبكة الذكية، وصولاً إلى الإدارات الحكومية والجمعيات الناشطة على الأرض علها تساهم بالتخفيف من آثار هذه الظاهرة القاتلة.   

 

 

شارك برأيك .. لتكتمل الصورة


استطلاعات الرأي

يجب ان تختار خيار قبل ارسال التصويت
هل تعتقد أن الوقت قد حان لبدء تطبيق الدفع الإلكتروني في سوريا؟
نعم، حان الوقت لبدء تطبيقه وفرضه فوراً وهو ضروري للاقتصاد
لا، يجب إعداد بنية تحتية تقنية ومن ثم البدء بفرضه
لا، غير جاهزين بالوضع الراهن نهائياً لتطبيق الدفع الإلكتروني
النتائج
نعم، حان الوقت لبدء تطبيقه وفرضه فوراً وهو ضروري للاقتصاد
لا، يجب إعداد بنية تحتية تقنية ومن ثم البدء بفرضه
لا، غير جاهزين بالوضع الراهن نهائياً لتطبيق الدفع الإلكتروني