الغائبون .... والقانون المفقود

الغائبون .... والقانون المفقود

 حمص - المشهد  عتاب حسن

في السياق العام للحياة، عادةً يكون الاحتكام إلى القانون هو الحل النهائي للمشاكل المتصاعدة ضمن المجتمع، وهذا يعني بالضرورة أن يكون القانون متطوراً، مرناً، ومسايراً لظروف الحياة المستجدة.
أفرزت الأزمة السورية عشرات الأوضاع الاجتماعية، والحالات الجديدة كلياً، ولم يكن من السهل إيجاد الحلول لها، وللأسف لم يقدر القانون في أحكامه وبنوده - أحياناً- على مجاراة سرعة ظهور تلك المستجدات بمضامينها الاجتماعية والقانونية، الأمر الذي خلق تناقضات ومشاكل، منها ما هو مستحيل الحل بكل معنى الكلمة وفقاً للقوانين الحالية.
ملف توفية المفقودين، وطلب الحصول على وكالة قضائية من قبل ذويهم، إحدى أهم المشاكل "الاجتماعية- القانونية"، وفي سجلات القصر العدلي بحمص يوجد ما يقرب 700 طلب للحصول على وكالة قضائية عن غائبين، ومفقودين منذ بداية العام الحالي 2018، فمسألة تعيين وكيل قضائي برأي العديد من المحامين ضرورة فعلية لتسيير أمور ذويهم الخاصة من رواتب وعقارات وغيرها، لكنهم لم ينكروا في الوقت ذاته وجود مشاكل كثيرة تتعلق بتعيين الوكيل القضائي.


ما بعد المفقود
أمل العودة في البداية، وفقدان الأمل والتسليم بالأمر الواقع في النهاية ماهي إلا باب لمشاكل ما بعد المفقود، فغياب الشخص يلحقه وضع اجتماعي وقانوني جديد في العائلة، وهو وضع أشبه بالمعلّق إلى حين استصدار حكم قضائي بوفاته وتصفيه حقوقه شرعياً.
رصدت "المشهد" عشرات من حالات المشاكل العائلية بهذا الخصوص، وعلى وجه التحديد مسألة تعيين "الوكيل القضائي" للمفقود، وهي حالة قانونية أشبه بالوصاية يتم بموجبها تعيين هذا الوكيل من قبل القاضي الشرعي كقيّم على مصالح وأملاك المفقود إلى حين عودته أو الحكم بوفاته وفق المهل القانونية المنصوص عنها (4 سنوات من تاريخ آخر قرينة على حياته: (صورة – شهود – رسالة – تسجيل ...)
وبغض النظر عن تقييم هذه الحالات، فإن العامل المشترك لمعظمها كان في خلاف أفراد العائلة بين من يريد توفية المفقود، ومن لا يريد ذلك، ليتطور الأمر إلى محاولات البعض تعيين وكيل قضائي، وعرقلة البقية له.
يدخل القاضي الشرعي – وهو صاحب السلطة في تعيين الوكيل في دوامة تجاذبات العائلة (وهي في الغالب بين أهل المفقود وزوجه)، ومحاولة كلا الطرفين إثبات صحة ادعائه.
أيام من الانتظار
تروي سهير (اسم مستعار) "للمشهد" معاناتها في عدم قدرتها تعيين وكيل قضائي عن زوجها الذي فُقد منذ ست سنوات بسبب الحرب – إذ تقول:" فقد زوجي بريف حمص خلال ذهابه إلى عمله صباحاً – الواقعة في بداية عام 2013-، حاولت حينها وبمساعدة أهله معرفة مكانه أو أية معلومات أخرى عنه، كل تلك المحاولات آنذاك باءت بالفشل، وبعد أن انقضت السنوات الأربع لاختفائه حاولت إقناع أهل زوجي بتوفيته، لأحصل على راتبه المتوقف منذ غيابه، وعلى التعويضات كافة، ما دفعني لذلك الظروف المعيشية الصعبة، وكوني أم لأربعة أطفال".
تتابع سهير قصتها بالقول:" رفض أهل زوجي توفيته، ولم أستطع تعيين وكيل قضائي، لأن والده ادّعى أمام القاضي الشرعي، بأن ابنه مازال على قيد الحياة، حيث قام بإحضار شاهد قدم معلومات مؤكدة للقاضي، بأن زوجي مخطوف عند جهة معينة وليس ميتاً، الأمر الذي يحتّم عليّ الانتظار مدة أربع سنوات أخرى".   


بين الإرث والابتزاز
بعض الحالات –نتيجة تعقيد وضعها- يظهر فيها وضع ابتزاز شبه علني من قبل بعض أفراد العائلة، بسبب حاجة البقية لهم في إتمام المعاملات، تابعت "المشهد" قصة فادية وهي – مطلقة- الإجراءات التي نجحت فيها بتعيين وكيل قضائي عن ولدها المفقود، الغريب في القضية أنها اضطرت لدفع مبلغ مالي لطليقها ليرضى أن يكون وكيلاً قضائياً عن ابنها المفقود منذ عام 2014 وفي التفاصيل:  
تقول فادية:" حصلت على الطلاق من زوجي منذ ما يُقرب العشرين سنة، لم يعترف بنا، ولم يسأل عن أحوالنا، قمت بتربية ولداي حتى كبرا، ومشت الأمور على خير إلى أن فقدت ابني في العام 2014، حاولت التواصل مع رفاقه وكل من حوله في مكان عمله، لم أحصل على معلومة واحدة".
تضيف فادية:" ما دفعني لطلب الحصول على وكالة قضائية عن ولدي، هو استدعاء أخيه للخدمة الاحتياطية، - وهو معيلي-، كانت هي المرة الأولى التي أتواصل فيها مع والده منذ طلاقنا، طلبت منه السير بأوراق المعاملة، لكنه رفض وبشدة، وبعد محاولات كثيرة فاوضته على مبلغ مالي ليقبل أن يكون وكيلاً قضائياً عن ابنه، وبالفعل حصلت على ذلك".
 
الحاجة في قفص الاتهام
إ
حدى الحالات التي تحدث بها أحد المحامين إلى "المشهد" وهي غريبة نوعاً ما، وتدعو إلى التفكير ملياً بالحاجة إلى تشريعات جديدة.
ملخص الحالة كالتالي: أرادت عائلة أحد المفقودين السير بمعاملة لتوفيته قبل انقضاء مهلة الأربع سنوات اللازمة، حيث أشار إليهم أحد الأقرباء بالتوجه إلى فرع الأمن الجنائي، وتصفح صور الجثث مجهولة الهوية، وانتقاء إحدى تلك الصور على أنها لفقيدهم، وبالفعل توجهت زوجة المفقود مع ابنها وقاموا بذلك وثبتوا واقعة الوفاة، وبعد التواصل مع الجهة العامة التي كان يعمل المفقود بها لتصفية حقوقه التأمينية، ظهر تناقض صاعق وغير متوقع حيث أظهرت السجلات وجود تضارب بين تاريخ الوفاة المسجل (و الذي تم تحديده بناءً على تاريخ العثور على الجثة التي "انتقاها" ذوي المفقود)، و بين سجلات دوام المفقود التي بيَّنت أنه كان على رأس عمله في هذا التاريخ.
تفاقمت المشكلة لأن الجهة العامة أصبحت موضع اتهام في صحة سجلات الدوام لديها الأمر الذي استدعى حضور خبراء جنائيين للخطوط ليؤكدوا لاحقاً أن توقيعه صحيح، لتصبح زوجه وابنه بذلك متهمين بالتزوير وإعطاء معلومات كاذبة.
تم حل الموضوع لاحقاً كما يلي: أقرت زوجة المفقود وابنه بحصول التباس خلال التعرف على الصور، حيث تم التعامل مع هذه الحالة بحسب المحامي بروح القانون، من قبل الجهات المعنية، ولولا ذلك لكانت الزوجة وابنها "مفقودين" حالياً في أحد السجون.
"الحاجة في قفص الاتهام" الفكرة هنا هي "الحاجة " التي أجبرتهم على الكذب جزافاً، والقيام بالتعرف على الصورة، واستلام الجثة، والقيام بإجراءات ومراسم الدفن اللازمة، وهم يعلمون يقيناً أنها ليست لفقيدهم، مع المخاطرة بالدخول في مشاكل قد تكون عاقبتها وخيمة، وهذه الحاجة إلى الراتب والتعويضات –برغم شحها-  دفعتهم للتصرف بشكل ليس غير قانوني فقط، بل غير أخلاقي أيضاً في المفهوم الاجتماعي والقانوني، وهي من يجب أن تكون في قفص الاتهام بدلاً عنهم.

 

شارك برأيك .. لتكتمل الصورة


استطلاعات الرأي

يجب ان تختار خيار قبل ارسال التصويت
هل تعتقد أن الوقت قد حان لبدء تطبيق الدفع الإلكتروني في سوريا؟
نعم، حان الوقت لبدء تطبيقه وفرضه فوراً وهو ضروري للاقتصاد
لا، يجب إعداد بنية تحتية تقنية ومن ثم البدء بفرضه
لا، غير جاهزين بالوضع الراهن نهائياً لتطبيق الدفع الإلكتروني
النتائج
نعم، حان الوقت لبدء تطبيقه وفرضه فوراً وهو ضروري للاقتصاد
لا، يجب إعداد بنية تحتية تقنية ومن ثم البدء بفرضه
لا، غير جاهزين بالوضع الراهن نهائياً لتطبيق الدفع الإلكتروني

الأكثر مشاهدة هذا الشهر