"حلم ابني جوز جرابات ع العيد"

"حلم ابني جوز جرابات ع العيد"

مع الناس

محمد الحلبي

لم تعد هذه الأيام تشبه الأيام التي عشناها في طفولتنا، بتنا نعيش كالغرباء في هذه الحياة..
بهذه الكلمات بادرني صديقي أيام الدراسة عندما التقينا مصادفة في الشارع.. وتابع قوله: كانت أيام رمضان مميزة عن باقي أيام العام، عندما تتزين الموائد التي يعدها أهلنا لنا كل يوم بأطايب الطعام ومختلف أنواع الشراب من عرق السوس والتمر هندي، لتحتار من أين تبدأ، وبعد أن تفرغ من الطعام تأتيك قطعة المعروك المحشوة بالعجوة أو المزينة بالسمسم مع كوب الشاي، وبعد صلاة التراويح تحمل الوالدة طبق الحلوى الذي كان يجلبه أبي بشكل شبه يومي من الجزماتية في الميدان.. يوم نمورة وآخر مغشوشة وثالث نهش ورابع وربات بالقشطة والفستق، وهكذا، وقبل العيد بأيام تستنفر والدتي في الأسواق لاختيار ملابس العيد لي ولأخوتي، أما حلويات العيد.. فما أدراك ما حلويات العيد، كنت أنتظر والدي كي يصطحبني معه لشراء حلويات العيد وأنتظر  صاحب المحل أن يقوم بضيافتنا قطع الحلوى ووالدي يقول له :" 2 كيلو مبرومة، 2 كيلو آسية، 2 كيلو كول وشكور، 2 كيلو معمول، 2 كيلو تويتات (معمول بالجوز) مع علبة ناطف، 2 كيلو برازق ومثلها من الغريبة والعجوة" وهنا تقول له والدتي اجعل العجوة 3 كيلو.. الأولاد يحبونها... ليصرخ صاحب المحل بشغيله ويقول له " جهزلي هالطلبية وتوصى بالأستاذ يا حدو.." يصمت صديقي وكأنه يسترجع تلك اللحظات لتوه من رفوف الزمن ليقول: هل تعرف كم كان ثمن هذه الطلبية يا صديقي؟.. أومئ برأسي.. ليقول لي بلهفة 3200 ليرة سورية، وهنا يقول والدي لصاحب المحل.. لماذا 3200 لن أعطيك سوى 3000، ليضحك صاحب المحل ويقول لوالدي: بتأمر أستاذ.. هذه الطلبية كانت تكلف والدي نصف راتبه فيما مضى، هل تعرف كم ثمنها اليوم إن أردت أن أحضرها لأطفالي.. إنها تكلف حوالي 400 ألف ليرة من النوعية العادية، أي أنها تكلفني راتبي لثماني أشهر فقط، وهي من النوعية العادية، أما لو كانت من النوعية الممتازة فثمنها لا يقل عن 800 ألف ليرة سورية، كان بإمكانك شراء منزل في الشام سابقاً بهذا المبلغ.. ويتابع صديقي..
أما ليلة العيد فكان كل منا أنا وأخوتي يحتضن ملابسه وحذاءه منتظراً تهليلات العيد.. وهنا يستدرك صديقي منوهاً بعد أن سرح بأفكاره قليلاً.. أنت تعرف أبي.. أبي ليس رجل أعمال أو من الطبقة المخملية، أبي كان موظف من أصحاب الدخل المحدود، " لكن كانت أيام خير " أما اليوم فأنا بالكاد أتدبر أمور يومي في شهر الخير، من أول رمضان إلى اليوم لم أشتر غير قطعة معروك واحدة ب 500 ليرة، قسمتها بين أطفالي الثلاثة، أما عن الحلويات فهي لم تدخل بيتي منذ سنوات، كيلو النمورة بالقشطة النوع العادي ب12000 ليرة يا رجل، أما سوق الحلويات في الميدان أو المرجة فأنا أتحاشى أن أمر فيه ومعي أسرتي لحفظ ماء وجهي.. وهنا تنهد صديقي قبل أن يكمل:  اليوم بدأ الحديث في أسرتي عن الاستعداد لأيام العيد، حيث تنازل ولداي عن شراء ما يحتاجونه من ملابس كي لا يحرجوني مدعين أن لديهم ما يفي بالغرض.. لينبري ابني الصغير ذو الست سنوات ويقول لي: بابا العيد على الأبواب " وبدك تشتريلي جوز جرابات منشان عيد في " أصبح حلم أطفالنا جوز جرابات يا رجل... ضحكنا بمرارة.. لكن دموع العين كان تختبئ خلف محاجرها لتحافظ على ما تبقى من بعض الكبرياء بداخلنا..

شارك برأيك .. لتكتمل الصورة


استطلاعات الرأي

يجب ان تختار خيار قبل ارسال التصويت
هل تعتقد أن الوقت قد حان لبدء تطبيق الدفع الإلكتروني في سوريا؟
نعم، حان الوقت لبدء تطبيقه وفرضه فوراً وهو ضروري للاقتصاد
لا، يجب إعداد بنية تحتية تقنية ومن ثم البدء بفرضه
لا، غير جاهزين بالوضع الراهن نهائياً لتطبيق الدفع الإلكتروني
النتائج
نعم، حان الوقت لبدء تطبيقه وفرضه فوراً وهو ضروري للاقتصاد
لا، يجب إعداد بنية تحتية تقنية ومن ثم البدء بفرضه
لا، غير جاهزين بالوضع الراهن نهائياً لتطبيق الدفع الإلكتروني

الأكثر مشاهدة هذا الشهر