عقوبات أمريكا الجديدة على بنوك إيران تهدد بعزلتها عن بقية العالم

عقوبات أمريكا الجديدة على بنوك إيران تهدد بعزلتها عن بقية العالم

وجّه قرار الولايات المتحدة فرض عقوبات بحقّ 18 مصرفاً إيرانياً رئيسياً ضربة شديدة للقطاع المالي في إيران، الذي يواجه تحدّيات كبيرة بظلّ سياسة «الضغوط القصوى» الأمريكيّة.
وقال وزير الخزانة الأمريكيّة ستيفن منوتشين في بيان ليل الخميس/الجمعة أن العقوبات «تُظهر التزامنا بوقف الحصول غير القانوني على الدولار الأمريكي». وأضاف «عقوباتنا ستستمر إلى أن تتوقّف إيران عن دعم النشاطات الإرهابيّة وتضع حدّاً لبرامجها النووية».
وقالت وزارة الخزانة الأمريكية أن أسماء البنوك التي طالتها العقوبات هي بنك أمين للاستثمار، وبنك الزراعة الإيراني، وبنك رفاه كاركران، وبنك شهر، وبنك اقتصاد نوين، وبنك قرض الحسنه رسالت، وبنك حكمت الإيراني، وبنك إيران زامين، وبنك كارافرين، وبنك الشرق الأوسط، وبنك مهر إيراني، وبنك باسارجاد، وبنك سامان، وبنك سرمايه، وبنك التنمية التعاوني، وبنك السياحة، وبنك التعاون الإقليمي الإسلامي.
ويُتوقّع أن يؤدّي هذا الإجراء، الذي دفع نحوه الصقور المناهضون لإيران في إدارة الرئيس دونالد ترامب، قبل أسابيع من الانتخابات الرئاسيّة الأمريكيّة، إلى عزل القطاع المالي الإيراني عن بقيّة العالم.
وحذّر وزير الخارجيّة الأمريكي مايك بومبيو من أن «حملتنا للضغط الاقتصادي الأقصى ستستمرّ، ما دامت إيران لا توافق على إتمام مفاوضات تعالج السلوك الضارّ للنظام» مشيراً إلى أن هذه العقوبات ستدخل حيّز التنفيذ في غضون 45 يومًا، أي بعد الانتخابات الرئاسية الأمريكية في الثالث من الشهر المقبل، ولكن قبل أن يتولّى الفائز بالرئاسة منصبه في 20 يناير/كانون الثاني.
واعتبر بهنام بن طالب، من «مؤسّسة الدفاع عن الديموقراطيّات» التي تسعى إلى تبنّي خطّ متشدّد تجاه إيران، أنّه «لا تزال توجد نقاط اتّصال عدّة بين القطاع المالي الإيراني والنظام المالي الدولي» وحان وقت قطعها.
وأضاف «هذه العقوبات دليل أيضاً على أنّه لا تزال توجد أهداف يمكن ضربها، لزيادة الضغط الاقتصادي على طهران».
وتجمد الخطوة أي أصول في الولايات المتحدة لمن جرى حظرهم كما تمنع الأمريكيين بشكل عام من إجراء أنشطة معهم، مع تمديد العقوبات الثانوية على أولئك الذين يجرون تعاملات معهم. ويعني ذلك أن البنوك الأجنبية ستكون عرضة لعدم القدرة على الوصول إلى السوق والنظام المالي الأمريكيين. وقالت وزارة الخزانة الأمريكية في بيان أن الموانع لا تنطبق على عمليات لتخصيص سلع زراعية أساسية أو أغذية أو أدوية أو أجهزة طبية لإيران، مضيفة أنها تدرك حاجة الشعب الإيراني للسلع الإنسانية. لكن محللين يقولون إن العقوبات الثانوية قد تجعل البنوك الأوروبية والبنوك الأجنبية الأخرى أكثر تردداً في العمل مع إيران، حتى ولو لتعاملات إنسانية مسموح بها.
وقالت إليزابيث روزنبرغ، من مركز أبحاث الأمن الأمريكي الجديد «إنها بمثابة صفعة على الوجه للأوروبيين الذين فعلوا كل ما بوسعهم للتلويح إلى الأمريكيين بأنهم يرونها تهديدا بالغا للمساعدات الإنسانية أو التعاملات الإنسانية مع إيران».
وأضافت «يريدون أيضا … تصعيب الأمر جدا على أي رئيس في المستقبل يريد إلغاء هذه الإجراءات والانخراط في دبلوماسية على الصعيد النووي» وذلك في إشارة إلى إمكانية فوز نائب الرئيس الديمقراطي السابق جو بايدن على الرئيس الجمهوري دونالد ترامب في الانتخابات الأمريكية في الثالث من نوفمبر/تشرين الثاني المقبل
ويخشى مراقبون كثر وكذلك دبلوماسيّون أوروبيون من أن ذلك سيخفّض قدرة إيران في الحصول على السلع الإنسانيّة (أدوية وغذاء) رغم تأكيد وزارة الخزانة الأمريكيّة أنّ تلك المواد تخضع لإعفاءات.
وقال وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف على تويتر «في خضمّ جائحة كوفيد-19، يسعى النظام الأمريكي إلى تدمير آخر قنواتنا لدفعِ ثمن الغذاء والأدوية». وأضاف «الإيرانيّون سيتجاوزون هذه الوحشيّة. لكنّ التآمر لتجويع شعب، هو جريمة ضدّ الإنسانية».
واعتبرت بابارا سالفين من مركز «المجلس الأطلسي» أن «هذه العقوبات ساديّة مغلّفة بسياسة خارجيّة». وأضافت أنها «لن تُركّع الحكومة الإيرانية، بل ستضعف الناس العاديّين، وتعزّز السوق السوداء وتقوّض على المدى الطويل العقوبات التي تدور حول الدولار».
وفي العام 2018، انسحبت الولايات المتحدة أحادياً من الاتفاق النووي الدولي الذي أبرم مع إيران إذ اعتبر ترامب أنه غير كافٍ لمنع طهران من الحصول على قنبلة نووية ووضع حد لسلوكها «المزعزع للاستقرار» في الشرق الأوسط. وأعاد فرض كل العقوبات الأمريكية التي رُفِعت عام 2015 مع تشديدها. وتضيّق هذه الإجراءات العقابية الخناق على الاقتصاد الإيراني لأنها مصحوبة بما يسمى العقوبات «الثانوية» ذلك لأن أي دولة أو شركة تواصل التجارة مع إيران تخاطر بمنعها من الوصول إلى السوق والقطاع المالي الأمريكي.
وكانت إدارة ترامب قد أعلنت هدفها المتمثل في إضعاف الجمهورية الإسلامية حتى «تغيّر موقفها» في المنطقة وتتفاوض على «صفقة أفضل». لكن مع اقتراب نهاية الولاية الأولى للملياردير الجمهوري، لم تحقق إدارة ترامب أي تقدم على أي من الجبهتين.
ويؤكد الرئيس الجمهوري الآن أن السلطات الإيرانية ستوافق على التفاوض لكن بعد الانتخابات الأمريكية التي ينافسه فيها الديموقراطي جو بايدن. في المقابل يشدد بايدن باستمرار على الأسس السلمية للاتفاق الذي أبرم في 2015 عندما كان يشغل منصب نائب الرئيس باراك أوباما وعلى أن الحلفاء الأوروبيين لواشنطن يدافعون عنه.
ورأت المرشحة لمنصب نائب الرئيس الديموقراطي كامالا هاريس خلال مناظرة مع نائب الرئيس الحالي الجمهوري مايك بنس أن الانسحاب من الاتفاق سمح لإيران بامتلاك «ما يمكن أن يؤدي إلى ترسانة نووية كبيرة». وقالت «بسبب المعالجة الدبلوماسية الأحادية لدونالد ترامب ونزعته الانعزالية، أخرجنا (من الاتفاق) وجعل أمريكا أقل أماناً».

سياسة ترامب في ممارسة ضغوط اقتصادية قصوى على خصوم الولايات المتحدة تفشل في تحقيق غرضها

 اتّبع دونالد ترامب أكثر من أي رئيس سابق خلال أربع سنوات سياسة تقضي بفرض عقوبات شديدة على خصوم الولايات المتحدة، لكن نهج «الضغوط القصوى» هذا الذي طبقه في جميع أنحاء العالم لم يعط النتائج المرجوة.
وأوضح ريتشارد غولدبرغ، من مؤسسة الدفاع عن الديموقراطيات والمؤيد لهذا الخط الصارم «من الواضح أن العقوبات كانت الأداة المفضلة لإدارة ترامب في التعامل مع الأنظمة المارقة».
وأضاف «كانت الإدارات السابقة تستخدم العقوبات، لكن على نطاق أضيق أو ضد أهداف محددة» بدون السعي لإحداث «بلبلة في الاقتصاد الكلي تزعزع حكومات وترغمها على تبديل مواقفها».
أما الإدارة الأمريكية الحالية، فتستمر في نهجها حتى النهاية، وتعلن بشكل شبه يومي قبل 25 يوما فقط من الانتخابات الرئاسية عن تدابير عقابية بحق كوبا وسوريا وبيلاروس.
وأحيانا تسدد ضربة كبرى، كما حصل الخميس حين فرضت الخزانة عقوبات على 18 مصرفاً إيرانياً رئيسياً.
وبذلك تكون واشنطن أحكمت قبضتها على جميع القطاعات تقريبا في إيران منذ انسحاب ترامب في خطوة أحادية عام 2018 من الاتفاق حول النووي الإيراني.
وعرض وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو مبدأ «حملة الضغوط القصوى» هذا في مايو/أيار 2018، معدداً 12 شرطاً من أجل التوصل إلى «اتفاق جديد» مع طهران.
والهدف المعلن لهذه السياسة إرضاخ السلطات الإيرانية من خلال خنق اقتصاد البلاد، لإرغامها على «تغيير سلوكها» ولو أن إدارة ترامب لطالما نفت أن تكون تسعى لتغيير النظام، من غير أن يكون تأكيدها هذا مقنعاً بالضرورة.
ولم تتحقق أي من شروط مايك بومبيو، لا بل استأنفت الجمهورية الإسلامية ردا على العقوبات بعض الأنشطة النووية التي تقربها من صنع قنبلة ذرية. وقال توماس رايت من «معهد بروكينغز» للأبحاث «ستقول الحكومة +أضعفنا إيران+، وهذا صحيح، لكن لم يحصل تغيير حقيقي في السلوك الإيراني».
ورأى ريتشارد غولدبرغ أن «نجاح» سياسة العقوبات «يتوقف على الأهداف المحددة». وأضاف «في إيران، يملك النظام موارد أدنى بكثير للانفاق على أنشطته الضارّة، وهذا بحد ذاته انتصار للأمن القومي الأمريكي» معتبراً أن «النظام سيضطر عام 2021 إلى التفاوض مع الفائز في الانتخابات الرئاسية الأمريكية أيا كان».
وفي فنزويلا، كان الهدف الأمريكي واضحاً وهو طرد الرئيس نيكولاس مادورو من السلطة باعتبار عهده غير شرعي.
لكن الرئيس الاشتراكي ما زال في سدة الرئاسة. وقال توماس رايت أن «ترامب صرف اهتمامه عن الملف حين رأى أن مادورو لن يرحل». أما في كوريا الشمالية، فالنتيجة أكثر تعقيداً. فبعد سلسلة من التجارب النووية وعمليات إطلاق صواريخ عابرة للقارات، توصلت واشنطن عام 2017 إلى الحصول على تأييد الأسرة الدولية في الأمم المتحدة لفرض عقوبات شديدة على هذا البلد.
وساهم هذا الموقف الدولي مدعوماً بالتهديد العسكري في حمل الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون إلى الجلوس على طاولة المفاوضات خلال ثلاثة لقاءات تاريخية مع دونالد ترامب.
ولفت توماس رايت إلى أن «ترامب تخلى عن الكثير في نهاية المطاف» في «ما يشبه اتفاقا بحكم الأمر الواقع يجمد عمليات إطلاق الصواريخ العابرة للقارات والتجارب النووية لقاء علاقات أكثر هدوءا». لكن «نزع السلاح النووي الكامل والنهائي والقابل للتحقق منه في كوريا الشمالية» لم يتم، في حين أن واشنطن لطالما تمسكت به باعتباره النتيجة الوحيدة المقبولة، لا بل واصلت بيونغ يانغ نشاطاتها النووية.
لكن الموقف مختلف مع إيران إذ أظهر الأمريكيون مدى قوتهم الضاربة. فلم يكتفوا باستهداف المؤسسات والقادة والشركات الإيرانية، بل أرفقوا تدابيرهم بعقوبات «ثانوية» تطال أي بلد أو شركة تواصل التعامل مع طهران.
وكانت النتيجة جذرية، فبعدما حاولت الدول الأوروبية بكل الوسائل الحفاظ على علاقاتها التجارية مع إيران سعيا لإنقاذ الاتفاق النووي، تراجعت أمام الثمن الباهظ المترتب على ذلك، الذي كان يهدد بمنع شركاتها من الدخول إلى السوق والقطاع المالي الأمريكيين.
وقال ريتشارد غولدبرغ «العبرة الرئيسية من السنوات الأربع الأخيرة هي كل ما يمكن للولايات المتحدة القيام به بمفردها، بدون دعم حلفائها التقليديين» مضيفا «هذا يبدل الوضع».
لكن هل يبقى استخدام العقوبات على هذا النحو نهجا متبعا في الدبلوماسية الأمريكية؟
يجيب توماس رايت «ثمة إجماع متزايد داخل الطبقة السياسية على وجوب الانخراط في إستراتيجية أوسع نطاقا، عوضا عن انتهاج إستراتيجية بنفسها» كما حصل أحيانا خلال السنوات الأخيرة.
وكالات 

شارك برأيك .. لتكتمل الصورة


آخر المقالات

استطلاعات الرأي

يجب ان تختار خيار قبل ارسال التصويت
هل تعتقد أن الوقت قد حان لبدء تطبيق الدفع الإلكتروني في سوريا؟
نعم، حان الوقت لبدء تطبيقه وفرضه فوراً وهو ضروري للاقتصاد
لا، يجب إعداد بنية تحتية تقنية ومن ثم البدء بفرضه
لا، غير جاهزين بالوضع الراهن نهائياً لتطبيق الدفع الإلكتروني
النتائج
نعم، حان الوقت لبدء تطبيقه وفرضه فوراً وهو ضروري للاقتصاد
لا، يجب إعداد بنية تحتية تقنية ومن ثم البدء بفرضه
لا، غير جاهزين بالوضع الراهن نهائياً لتطبيق الدفع الإلكتروني