انخفاض فاتورة النفط 60% : نافذة ضيقة للوضع السوري فهل نضيعها؟!

انخفاض فاتورة النفط 60% : نافذة ضيقة للوضع السوري فهل نضيعها؟!

عشتار محمود

أسعار النفط العالمية في أدنى مستوياتها، وقد تراجعت أسعار نفط برنت من 60 دولار إلى أقل من 30$  للبرميل، ومع امتلاء الاحتياطيات العالمية فإن سفن النقل تبحث عن مشترين حتى وصلت الأسعار مع التخفيضات السعودية إلى قرابة 10-15$ للبرميل.

ورغم انخفاض فواتير استيرادنا من النفط، فإن الحكومة أعلنت أنها لن تغير السعر المحلي أو تخفّضه، بل ستكتفي بتراجع فاتورة دعم المحروقات بنسبة 70% تقريباً وفق تصريحات وزير النفط.

صرح وزير النفط علي غانم أن انخفاض سعر النفط العالمي قلص فاتورة المشتقات النفطية وتراجعت قيمة الدعم من 1,6 مليار ليرة يومياً إلى 525 مليون ليرة!

ما يعني أن استمرار هذا السعر وسطياً خلال عام قد يعني وفراً مالياً يقارب: 400 مليار ليرة، وحوالي 570 مليون دولار.

إنّ وفراً بهذا الحجم قد يشكّل فرصة جدية، رغم وجود توقع بعدم استمرار أسعار النفط على هذا المنوال في الأجل الطويل... ولكن انتهاز الفرصة التي قد تمتد لمدة بين 9 أشهر وعام تقريباً قد يُحدث فروقاً جديّة في الظرف الاقتصادي السوري المتعب.

فاستخدام هذه الوفورات لمضاعفة استيراد النفط، قد يرفع إنتاج الطاقة داخل سورية إلى مستوى يقارب ما قبل الأزمة...

تشير البيانات الدولية إلى إن مجمل استهلاك الطاقة في سورية تراجع بنسبة 60% بين عامي 2010-2017، والتراجع استمر بالتأكيد في عامي 2018-2019.

إن الطاقة المستهلكة بسورية، في المناطق التي تقدم خدماتها وتديرها الحكومة، هي محلية بنسبة 53% من إنتاج حقول الغاز بالدرجة الأولى، ونسبة قليلة من حقول النفط في مناطق سيطرة الحكومة، بينما باقي الحاجات يتم استيراد جزء منها وتستمر حالة تقشف في تدفق الطاقة وتقنين كهربائي وغيرها من ظواهر أزمة الطاقة التي اعتدناها في سنوات الأزمة.

 

 

إن تراجع سعر النفط قد يتيح تخفيض فاتورة المستوردات النفطية والمشتقات بنسبة 60% خلال عام تقريباً، هذه الفاتورة التي بلغت في عام 2018 حوالي: 1100 مليار ليرة كما تشير بيانات المكتب المركزي للإحصاء عن مستوردات عام 2018، استورد بها كميات تقارب 4.5 مليون طن من الزيوت النفطية الخام والمشتقات.

وبافتراض أن كميات الاستيراد ستبقى نفسها، فإن الفاتورة التي قاربت 2.5 مليار دولار بسعر صرف 440 ليرة للدولار في حينها، ستنخفض إلى قرابة 1 مليار دولار حالياً لاستيراد الكميات ذاتها، وبقياس تقديري بسيط فإن استثمار هذا الوفر في توسيع استيراد الوقود يتيح زيادة إمدادات الطاقة الإجمالية لتقارب لتفوق استهلاك 15 مليون طن مكافئ نفطي.

فما الفائدة من توسيع إنتاج الطاقة؟ الجواب بسيط... الطاقة عصب إنتاجي، ووفرتها حالياً ستعني توسيع القاعدة الاستثمارية في البلاد: ارتفاع مستوى ري المحاصيل وزيادة منتوج الأراضي واستثمارها، وارتفاع مستوى الإنتاج الصناعي في المعامل والحرف والورش، وتتيح إنهاء السوق السوداء للطاقة وبالتالي تخفيض أسعارها الوسطية، وما يتبعه من تخفيض مجمل التكاليف، إضافة إلى أن زيادة المخصصات المنزلية يعني رفع مستوى المعيشة عموماً، بل قد ينعكس ارتفاع مستوى مازوت التدفئة انخفاضاً في عدد وفيات الأطفال وكبار السن... على اعتبار أن نقص التدفئة هو واحد من العوامل الهامة في تدهور مؤشرات الصحة العامة في البلاد.

لا داعي لإثبات فوائد زيادة إنتاج الطاقة، ولكن الأرقام تقدم أحياناً وقائع ملفتة... إن الطاقة ترتبط مباشرة بزيادة الناتج الاقتصادي والدخل، والعلاقة بين ارتفاع استهلاك الطاقة وارتفاع الناتج هي علاقة وثيقة.

وفي الحالة السورية وبناء على أرقام عام 2017: كانت كل وحدة مكافئ نفطي مستهلكة يقابلها ناتج يقارب 960 ليرة. ما يعني أن زيادة وحدات الطاقة بمقدار يقارب 4 مليون طن يفتح الباب لتوسيع الناتج الاقتصادي بمقدار: 3840 مليار ليرة تقريباً، أي زيادة في الناتج تعادل 20 ضعف دعم المحروقات التي تعلن الحكومة أنها تنفقه...

بالطبع إن هذه المقاربة هي مقاربة بسيطة، يراد منها القول إن تحقيق وفورات في موضع ينبغي أن يتحول إلى مورد حقيقي في موضع آخر. ولكن فرصة انخفاض أسعار النفط قد تنضم إلى سلسلة الفرص الضائعة في إدارة الأزمة الاقتصادية الكارثية في سورية. ولكن هذه المرّة ينبغي التذكر أن هذه النافذة الضيقة التي يفتحها الوضع الاقتصادي الدولي سيعقبها تعقيدات مستدامة مع تصاعد الأزمة الاقتصادية العالمية، والهشاشة الكبرى للوضع الاقتصادي والاجتماعي والسياسي للبلاد.

 

شارك برأيك .. لتكتمل الصورة


استطلاعات الرأي

يجب ان تختار خيار قبل ارسال التصويت
هل تعتقد أن الوقت قد حان لبدء تطبيق الدفع الإلكتروني في سوريا؟
نعم، حان الوقت لبدء تطبيقه وفرضه فوراً وهو ضروري للاقتصاد
لا، يجب إعداد بنية تحتية تقنية ومن ثم البدء بفرضه
لا، غير جاهزين بالوضع الراهن نهائياً لتطبيق الدفع الإلكتروني
النتائج
نعم، حان الوقت لبدء تطبيقه وفرضه فوراً وهو ضروري للاقتصاد
لا، يجب إعداد بنية تحتية تقنية ومن ثم البدء بفرضه
لا، غير جاهزين بالوضع الراهن نهائياً لتطبيق الدفع الإلكتروني