حزب طروادة التركي

حزب طروادة التركي

يوسف أحمد سعد

رغم أنني اعتدت أن أكتب في شؤون الاقتصاد، لكني ونظراً لارتباط الاقتصاد بالسياسة ولخصوصية اللحظة الوطنية أسمح لنفسي أن أكتب في الشأن الوطني العام، فالاقتصاد والثقافة ومستقبل التنمية متوقف على طبيعة الخيارات الوطنية الكبرى.
فمن يراقب الحراك التركي حيال ما يجري في بعض البلدان العربية التي تقر دساتيرها بوجود الأحزاب أو تعترف بالجماهير من حيث الشكل كصانعة للسياسات والخيارات، ومن يتذكر خطاب أردوغان بعد فوز حزبه بالانتخابات وإهدائه ذلك الفوز للشعوب العربية ،ومن يقرأ  كتاب عبد الله أوغلو، ومن يتذكر الاستثمار السياسي والشعبي لأساطيل الحرية، وكذلك استثمار مسرحية المشاحنات الشخصية العلنية بين أردوغان وبيريز في منتدى دافوس، يسهل عليه أن يستنتج مدى جدية القرار التركي بدور إقليمي هائل ومؤثر على الساحة الدولية خصوصاً بعد أن أوصدت أوروبا أبوابها أمام دخول تركيا إلى الاتحاد الأمر الذي ساهم بدفع أنقرة إلى عرض خدماتها الاستراتيجية على الولايات المتحدة الامريكية التي تلقفت الفرصة لتكون تركيا واسرائيل أدوات ضغط امريكية على أوروبا والإقليم في سياق المنافسة الاقتصادية وهواجس الخوف الأمريكي من منطقة اليورو، وكذلك القيام بترويض الإسلام السياسي تحت المظلة التركية ولم يكن إعلان مقتل بن لادن سوى الإعلان الرسمي عن طي صفحة وبداية صفحة جديدة بكل ما فيهما من رموز وأدوات.
الآن تترقب القيادة التركية وتحديداً قيادة حزب العدالة والتنمية وبشغف كبير ولادة أحزاب العدالة والتنمية في البلدان العربية التي خرجت من أحزابها أو على أحزابها، هذه البلدان التي لم تستطع أو لم تشأ أن تؤمن بأهمية وجود أحزاب فاعلة تمتلك قاعدة تمثيلية وتمتلك برنامج تنموي نهضوي لمجتمعاتها، بل انها استمرأت اختراع هيكليات متعفنة للحياة الحزبية بما فيها تلك الأحزاب التي تشكل مظلات زاهية الألوان لحكوماتها ،
المشكلة الآن أن هذه الأحزاب لم تعد تشكل غطاءً ودرعاً ولم تعد تحظى بإعجاب رعاتها طالما أنها رسبت في أول اختبار جدي لها فتحولت من مظلة إلى عبء ومن ترس إلى سهم.
البلدان العربية تتلمس الآن قاطرة الخلاص والتنمية والاستقرار، لكن الأحزاب الموجودة على الأرض غير جاهزة ومرفوضة من الناحية النفسية ولا يمكنها الإقناع، هنا تتلقف تركيا الفرصة الذهبية فيلوح نجم حزب العدالة والتنمية من شمال الأفق ليملأ الفراغ الحزبي والتنظيمي، ويقدم على أنه حزب مجرب وقادر على كسب ود ورضا كل من العلمانيين والمتدينين والعسكريين والمدنيين، إنه فرس الرهان الأكثر تشويقاً للامبراطورية التركية والأكثر انسجاماً مع المتطلبات الامريكية في المنطقة، إنه النجم اللامع في ظلام الأحزاب العربية المنهكة والمتهالكة،
الآن في مصر حزب للعدالة والتنمية يستعجل الولادة ويستعجل اكتساب الرتوش العلمانية، و في ليبيا السراج وغداً في اليمن، وفي نهاية المطاف استنساخ هذا الحزب في البلدان العربية وربطه بالحبل السري التركي، فإن وصل للسلطة يسهل على تركيا ربط هذا البلد العربي أو ذاك بتحالفات اقتصادية ومحاور سياسية بامبراطوريتها ، وإن لم تصل للسلطة استطاعت أن تشكل وسيلة ضغط فعالة ومصدر نفوذ محتمل،
ليس الآن الوقت المناسب لنندب غياب الأحزاب الفعالة عن الساحة العربية والإشارة إلى خطأ تغييب الحياة السياسية عن المجتمع العربي ، لكنه الوقت المناسب بالتأكيد للتفكير في كيفية إعادة إنتاج الأحزاب العربية وبشكل يحقق التنافسية المطلوبة والضرورية مع سلسلة أحزاب العدالة والتنمية المنتظرة ، فمن حق المواطن العربي أن يجد خيارات عديدة جيدة من الأحزاب من بينها حزب العدالة والتنمية التي تمثل مصالحه إلى هذا الحد أو ذاك ، فعودة الحياة السياسية البناءة تحت سقف الوطن ممكنة بل ممكنة جداً.
حزب العدالة والتنمية التركي يسرح ويمرح في بلدان الخريف العربي من خلال أشقائه المأجورين في البلدان العربية ومن خلال ثقافة تعويم التيارات الأخوانية ، والقبيسيات وسواها،
وسط غياب الأحزاب الوطنية وتغييبها وافراغها من محتواها إن وجدت،، إنه الانتحار الوطني                   

شارك برأيك .. لتكتمل الصورة


استطلاعات الرأي

يجب ان تختار خيار قبل ارسال التصويت
هل تعتقد أن الوقت قد حان لبدء تطبيق الدفع الإلكتروني في سوريا؟
نعم، حان الوقت لبدء تطبيقه وفرضه فوراً وهو ضروري للاقتصاد
لا، يجب إعداد بنية تحتية تقنية ومن ثم البدء بفرضه
لا، غير جاهزين بالوضع الراهن نهائياً لتطبيق الدفع الإلكتروني
النتائج
نعم، حان الوقت لبدء تطبيقه وفرضه فوراً وهو ضروري للاقتصاد
لا، يجب إعداد بنية تحتية تقنية ومن ثم البدء بفرضه
لا، غير جاهزين بالوضع الراهن نهائياً لتطبيق الدفع الإلكتروني

الأكثر مشاهدة هذا الشهر