الأمين العام المفقود!

الأمين العام المفقود!

يوسف أحمد سعد

رغم تنعُّم كل وزير سوري بعدد سخي وقياسي على المستوى العالمي من المعاونين وربما النواب, فإنك تشعر بالشفقة عليه عندما تدخل مكتبه  وتعتريك الدهشة من حجم البريد اليومي المكدس أمامه, وتعجب كيف له أن يفكر في استراتيجيات عمل الوزارة ضمن هذا الكم الهائل من الأوراق التي تتوافد على مكتبه زرافات وفرادا على مدار الساعة.
وتعتقد للوهلة الأولى - وربما الثانية - أن هذه الأوراق عبارة عن ملفات مهنية بالغة الحساسية والأهمية وأن طريقة البت بها هي الفيصل بين النجاح الحكومي وبين الخيبة لا قدر الله, ولكنك في "الوهلة الثالثة" وبعد قليل من الفطنة تكتشف أن هذا البريد المهيمن على طاولة الوزير وعقله واهتماماته ووقته ما هو إلَّا ال" لاشيء" بل هو البريد القاتل لوقت الوزير ومهامه والقاتل للوزارة ولأهداف إحداثها.

هو عبارة عن أوراق مثقلة بتواقيع وأختام الجهات التابعة قطعت المسافات عبر المحافظات والقفار تتعلق في معظمها بطلب الموافقة على إجازة هنا ومكافأة هناك أو ترقية أو طلب شراء أو تخصيص سيارة وغير ذلك من أمور ينبغي البت بها من المدراء المباشرين وليس للوزير السوري أن يشغلنا ويشغل وقته بها.
ومنهم من يكلف مدير مكتبه البت ببعض هذا البريد رغم وجود عدد لافت من المعاونين المعينين بمراسيم جمهورية, وفي كل الأحوال فإن منصب معاون الوزير يدل على أحد أمرين:
أولهما أن الوزير يعاني من نقص في الإمكانيات والموهبة بالشكل الذي يستدعي أن يعاونه البعض وفي هذه الحال عليه أن يستقيل أو أن يقال عند توفر الأكفأ.
وثانيهما أن يكون منصب الوزير بالفعل أكبر وأعقد من أن يتحمله شخص واحد بمفرده, وفي هذه الحال يتوجب إعادة النظر بهيكلة الوزارات وتفصيل الصلاحيات والمسؤوليات لتنسجم مع قدرة وطاقة التحمل للوزير.

وما يدعو للدهشة كيف أن الوزراء عينهم يحاولون دون ملل وكلل جمع الصلاحيات من مرؤوسيهم ومعاونيهم مما يلقي بظلال من الشك حول صوابية وجود منصب المعاون, ومنهم من يتعمد تفاخراً ان تكون طاولته شديدة الاكتظاظ بالملفات كدليل على حجم الأعباء ومقدار التفاني, وكوسيلة لاستجرار الدعاء له بالصبر على بلواه.

يمكننا تفهم أن يكون لكل وزير نائب لتسيير الأمور العاجلة أثناء غياب الوزير, وكذلك أن يكون لكل وزير عدد من المستشارين يغطون القطاعات ذات الصلة بعمل الوزارة, لكن وجود هذا الكم من المعاونين في الوزارات السورية يعطي انطباعاً غير مريح إما حول إمكانات الوزراء الشخصية أو حول خلل في هيكليات المناصب والإدارة.

فالوزير لا يحتاج معاونين بل مستشارين متخصصين ومنصب الوزير مصمم ليشغله شخص واحد بكفاءة وجدارة, وبطبيعة الحال فإن كل موظف في الوزارة هو معاون للوزير بشكل أو بآخر.

إن أهم ما تحتاجه أي وزارة هو إحداث منصب أمين عام  الوزارة, وهذا المنصب يتم شغله من شخصيات إدارية كفوءة وغير مرتبط بالتشكيلات الحكومية وتعاقب الوزراء, عندها يتفرغ الوزير للعمل على الاستراتيجيات الخاصة بوزارته دون إضاعة الوقت والتفكير في الشؤون الإدارية وشؤون الموظفين والعلاقات مع الوزارات والجهات الأخرى.
إن تشعب العمل الوزاري واتساع رقعة التحديات والمصاعب يفرض دون شك إحياء منصب أمين عام الوزارة، أسوةً بمنصب أمين عام رئاسة مجلس الوزراء.

هذا المنصب الذي يغني الوزير عن الدخول في متاهات ودهاليز الشؤون الداخلية لوزارته ويريحه من السيل الجارف والعكر من البريد الروتيني والبريد الذي لا يمت لصلب مهامه ويلهيه عن مهامه الأساسية, كما يغني عن مبرر وجود معاون الوزير لأنها صفة هلامية عديمة الملامح وغير محددة في الواجبات والمسؤوليات والصلاحيات.

إضافة لذلك فإن منصب امين عام الوزارة يجعل الوزارة بحد ذاتها أكثر حيادية تجاه الوزراء المتعاقبين, إنه المنصب المفقود, إنه المنصب الذي يؤدي غيابه إلى غياب دور الوزير مهما عزز بالمعاونين.

شارك برأيك .. لتكتمل الصورة


استطلاعات الرأي

يجب ان تختار خيار قبل ارسال التصويت
هل تعتقد أن الوقت قد حان لبدء تطبيق الدفع الإلكتروني في سوريا؟
نعم، حان الوقت لبدء تطبيقه وفرضه فوراً وهو ضروري للاقتصاد
لا، يجب إعداد بنية تحتية تقنية ومن ثم البدء بفرضه
لا، غير جاهزين بالوضع الراهن نهائياً لتطبيق الدفع الإلكتروني
النتائج
نعم، حان الوقت لبدء تطبيقه وفرضه فوراً وهو ضروري للاقتصاد
لا، يجب إعداد بنية تحتية تقنية ومن ثم البدء بفرضه
لا، غير جاهزين بالوضع الراهن نهائياً لتطبيق الدفع الإلكتروني

الأكثر مشاهدة هذا الشهر