المكتومون  ومجهولوا  القيد  ... كارثة  أنتجتها الحرب

المكتومون ومجهولوا القيد ... كارثة أنتجتها الحرب


حمص - المشهد من عتاب حسن

عادةً ما يكون التقسيم ضمن المجتمعات على أساس (طبقي أو مادي أو ديني ومذهبي وكذلك عرقي) وما يتبعه من تقسيمات فرعية، (عائلية، مناطقية، عشائرية)، أوجدت الأزمة السورية حالياً مفهوماً جديداً للتقسيم مستقل عن الأسس السابقة وبنفس الوقت يتقاطع مع التقسيمات السابقة، ويصنع اختلافاً جوهرياً هو النظر إلى الوطن كانتماء وهوية، والنظر إلى فكرة الانتماء إلى الأصول على اعتبار أنها حالة مؤقتة أكثر منها حالة دائمة.

المكتومون في سورية ، من حالة نادرة ومستهجنة قبل الأزمة إلى ظاهرة فعلية انتشرت وتفشت بفعل الفوضى، وأصبح لها امتدادات أخطر (مجهولوا النسب)، إذ تُنذر هذه الظاهرة بنشوء طبقة تخلق أزمة أخرى في هيكلية المجتمع السوري , و بالإضافة إلى المشاكل المرتبطة بهؤلاء من حيث التعليم و الطبابة و الإرث و الدعاوى القضائية و غيرها , ستكون هناك أزمة اجتماعية في تكيفهم و اندماجهم مع المجتمع و تقبل المجتمع لهم كأفراد "سوريين".

حمص أنموذجاً

تشير الأرقام  التي حصلت عليها المشهد ضمن سجلات القصر العدلي بحمص أن عدد دعاوى تثبيت الزواج وصل إلى ما يقرب (1600) دعوى,  و (2500) مكتوم في (حمص المدينة) لعام 2018، الأرقام في الريف (المحرر تحديداً) تُنذر بكارثة حقيقة, إذ أن الأرقام تُعد بالآلاف، وهي للحالات التي عُرضت على القضاء، و هناك الكثير غيرها لم يُعرض بعد، و الكارثة الكبرى  برأي العديد من المحامين تكمن في العائدين من مخيمات اللجوء من جهة , و عند تحرير باقي المناطق الساخنة من البلاد –إدلب و ريفها تحديداً- من جهة أخرى , فالوضع هناك برأيهم سيكون كارثياً من حيث عدد الذين سيُطلب تسجيلهم كسوريين و قد تكون أصولهم غير سورية , و ليس مستبعداً أن تحصل حالة أشبه بفوضى اللجوء في أوروبا (العراقي والأفغاني والتركي والتونسي والمصري و غيرهم) كلهم لجأوا باسم السوريين ومئات الألوف وضعوا تحت قائمة لاجئ سوري.

لم أكن أعلم:

البت في دعاوى تثبيت الزواج يحتاج إلى إجراءات طويلة معقدة بسبب تعدد المعطيات و الأسباب (الزوج مفقود-متوفي – تعدد الزواج من كلا الطرفين وغيرها الكثير...)، ولا تخلو من اللبس لاستحالة التثبت من صحة الادعاء في كثير من الحالات .

" المشهد" قابلت خلال إعداد هذه المادة سناء (اسم مستعار) الفتاة الثلاثينية، وهي تجول في أروقة القصر العدلي علَها تجد مخرجاً آمناً لمشكلتها في تثبيت زواجها من والد طفلها الذي فُقد في العام 2012  إذ تقول سناء :" تزوجت قبل الأزمة بأشهر قليلة، اضطررنا حينها بسبب رفض الأهل إلى السفر إلى محافظة أخرى تم فيها عقد الزواج دون تسجيل رسمي في المحكمة، عدنا بعدها إلى حمص، ولم يهتم كلانا بمسألة تثبيت الزواج، حيث ازدادت الأوضاع سوءاً في المدينة، غادر زوجي كالمعتاد إلى عمله في صباح أحد الأيام، ولم يعد منذ ذلك الوقت، كنت وقتها حاملاً بطفلي، ومع ذلك لم أهتم كثيراً بمسألة تثبيت الزواج و تسجيل الولد، كنت دائماً أقول في نفسي سيرجع أباه ليتولى هو تلك المهمة،  وتضيف:" لم أتوقع أن يحصل ما حصل، كبر ابني وعليَّ تسجيله في المدرسة، ولأنني لا أملك أية إثباتات، نصحني مدير المدرسة بالتوجه إلى محام ومتابعة القضية، المشكلة الرئيسة أن عائلة زوجي رفضت الاعتراف بنا أنا وولدي، ذلك أن قضية إثبات الزواج تتطلب رفع دعوى على زوجي المفقود أو على ورثته في حال وفاته، وإلى اليوم مازلت أنتظر إما أن يعود زوجي أو حل المشكلة في القضاء كي لا يبقى ابني دون ورقة تعترف بوجوده أصلاً على هذه الحياة".

الجهل والإهمال للقوانين الناظمة لحياة الفرد السوري كانت عنواناً أيضاً للكثير من حالات المكتومين، فكيف نفسر وجود حالات تجاوز عمر المكتومين فيها 20 عاماً أي قبل الأزمة بسنوات كثيرة.

تفيد الأرقام الواردة ضمن سجلات مديرية التربية بحمص إلى وجود مكتومين من طلبة الصفوف الثانوية بلغ عددهم اثنان وعشرون طالباً، وفي بقية الصفوف الأخرى ما يقرب المائتي طالب، ما يشير إلى وجود حالة سابقة من الإهمال والجهل بالهوية الوطنية وعدم فهم للواجبات والحقوق عند بعض فئات المجتمع.

خليط بلا هوية

ظاهرة المكتومين في سورية تجمع تقاطعات من عدة أديان ومذاهب ومناطق وحتى جنسيات مختلفة وبالتالي ستشكل خليطاً غير متجانس في بنية المجتمع السوري، تجمعه سمة واحدة هي (اللاهوية – اللا انتماء)، وفي مجتمع شرقي متشرب بإرث ديني وسلوكي معين كحالة المجتمع السوري، لا ريب أن حالة عامة من النفور والحذر ستحيط بالمكتومين من قبل المجتمع بشكل عام، ما سيدفعهم إلى الانزواء والتكتل في حالة شبيهة بطبقة (الداليت) المنبوذين في الهند والتي تشكل واقعاً من الصعب حله.

نصف خطوة

أعطت الحرب السورية أسباباً كثيرة للحزن على بلدنا، مع أننا ما زلنا نحتفظ بحالة الفخر "أننا سوريون" قضية واحدة كقضية المكتومين كافية أن تعيدنا إلى الوراء عشرات السنين، في الوقت الذي نحتاج فيه إلى نصف خطوة إلى الأمام،

هل تقبل تزويج ابنتك إلى شخص مكتوم؟! أو مجهول النسب أساساً؟!

قد يبدو هذا السؤال غريباً وغير معتاد، ولكنه سيصبح ربما في السنوات القادمة مطروقاً بين فئات المجتمع السوري, لأن هؤلاء سيصبحون كأمر واقع جزءً من المجتمع في العمل و السكن و سيحاولون الاندماج مجتمعياً , و لكن هل سيكون اندماجهم سهلاً ؟ و إذا لم يتم ذلك سيكون حلهم الوحيد التقوقع على بعضهم في علاقاتهم (الزواج و السكن و التفاعل الاجتماعي) مما يخلق تجمعاً الرابط بين افراده هو عدم وجود رابط مع المجتمع السوري , و هنا ستكون المشكلة تحديداً , و لا ينقص المجتمع السوري معيار تفرقة جديد بين أفراده ليصبح مع غيره أسلوباً للتكتلات "المريضة" و المشبعة بعدوى الطوائف و العشائر و الولاءات .

شارك برأيك .. لتكتمل الصورة


استطلاعات الرأي

يجب ان تختار خيار قبل ارسال التصويت
هل تعتقد أن الوقت قد حان لبدء تطبيق الدفع الإلكتروني في سوريا؟
نعم، حان الوقت لبدء تطبيقه وفرضه فوراً وهو ضروري للاقتصاد
لا، يجب إعداد بنية تحتية تقنية ومن ثم البدء بفرضه
لا، غير جاهزين بالوضع الراهن نهائياً لتطبيق الدفع الإلكتروني
النتائج
نعم، حان الوقت لبدء تطبيقه وفرضه فوراً وهو ضروري للاقتصاد
لا، يجب إعداد بنية تحتية تقنية ومن ثم البدء بفرضه
لا، غير جاهزين بالوضع الراهن نهائياً لتطبيق الدفع الإلكتروني