لماذا لم تأخذ المشاريع الصغيرة دورها
دائماً يتم طرح استراتيجية نحو المشروعات الصغيرة والمتوسطة في كل مرة يتم الحديث فيها حول تحسين واقع الاقتصاد السوري، وتحريك عجلة الانتاج ورفع الناتج المحلي الإجمالي وبالتالي مستوى المعيشة.
عادة دور هذا النوع من المشروعات يختلف من قطاع إلى آخر ومن دولة إلى أخرى بحسب عوامل ومدخلات وطبيعة الإنتاج، وكذلك بحسب مستوى مؤهلات القوى العاملة ومدى التقدم التقني والمعرفي لكل اقتصاد.
ووفق بيانات هيئة تنمية المشروعات الصغيرة والمتوسطة فإن هذه المشروعات تشغل 57بالمئة من القوى العاملة في سورية وتسهم بـ41 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي، وأن معظم المشكلات الاقتصادية والاجتماعية التي تواجهها سورية يمكن حلها بشكل أساسي في دعم وتطوير قطاع المشروعات الصغيرة والمتوسطة لكونه قطاعاً حيوياً وتنموياً، مع عدم إغفال بقية القطاعات.
ولكن وعلى الرغم من كل ما يقال عن أهمية هذه المشروعات هل يمكن اعتبارها حاملاً أساسياً في الاقتصاد الوطني السوري او بمعنى ادق هل يمكن الاعتداد بالأرقام المذكورة من قبل هيثة تنمية المشروعات الصغيرة والمتوسطة فيما يتعلق بنسب القوى العاملة وتشكل الدخل؟
اذا انطلقنا من ارقام الموظفين الحكوميين في المؤسسات المدنية والعسكرية والتي تقدر بحدود المليونين فهذا يعني ان المشروعات الصغيرة تشغل اكثر من ثلاثة ملايين شخص مع الأخذ بعين الاعتبار القطاع الخاص
وهذا يعني ان البطالة شبه معدومة في سورية بعد الأخذ بعين الاعتبار الشرائح العمرية للسكان
الجميع يعلم ان البطالة في اعلى نسبها والبطالة المقنعة تشكل السواد الاعظم من السكان وهذا يتعارض مع البيانات المذكورة اعلاه
إذا أردنا الاجابة عن تساؤل عدم اخذ هذه المشاريع لدورها يجب ان نحلل اشكاليتها بشكل دقيق سواء المتعلقة بالحكومة او المستفيد او بنية وهدف المشروع نفسه.
المشكلة الاولى هي مشكلة التمويل التي تطرح دائماً على أنها المشكلة الأساسية لأصحاب المشاريع الصغيرة والمتوسطة، فحتى تاريخه مصارف التمويل الصغير لم تقدّم الدور المطلوب منها، وبحسب البعض إن البنوك الكبيرة تقدم تسهيلات أكبر مما تقدمه هذه المصارف.
المشكلة الثانية تتمثل في غياب الرؤية الاقتصادية الواضحة وطنياً ومحلياً، والتي تسهم في تحديد توجهاتنا الاستثمارية في الفترة القريبة أو المتوسطة أو البعيدة، و بمعنى ادق هذا بدوره يشتت جهد هذه المشاريع ويجعلها تعمل من دون أي تنسيق أو تكامل، وتضيع فرص استغلالها للموارد المحلية بالشكل الأمثل، إضافة لعدم قدرتها على تلبية الاحتياجات المحلية.
المشكلة الثالثة وهي ذات طابع مالي وتتمثل في موضوع الضمانات التي تطلبها البنوك العامة والخاصة التي لا يمكن لأي شخص تقديمها بشكل يعيق حركة ضخ الاموال إلى تلك المشاريع.
وكغيرها من المشاريع تعاني المشاريع الصغيرة من الإجراءات الروتينية والبيروقراطية فلا يوجد أي تسهيلات لهذه المشاريع، أيضا تأمين البنى التحتية من الكهرباء والمياه والوقود وغيرها من اللوازم الضرورية خاصة في الارياف بعيدا عن المناطق الصناعية.
اليوم اي اقتصاد في العالم لا سيما بعد سنوات حرب وحصار وشح تمويل كالاقتصاد السوري، يحتاج إلى المشاريع الصغيرة ومتناهية الصغر بل وحتى الحرف المنزلية، وهذا يفرض على المعنيين رسم استراتيجية وطنية معنية لدعم المشاريع المتناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة والحرف المنزلية، مبنية على أساس تشاركي بين الجهات الحكومية، والمدنية، والقائمين على هذه المشاريع بشكل أساسي مع حل إشكالية التمويل بحيث تنسجم سقوف التمويل مع امكانات المشغل وقدراته على الضمان مع توفير البنية التحتية اللازمة لقطاع المشروعات الصغيرة والمتوسطة لاسيما في المناطق النائية والارياف، وتعزيز مساهمة هذه المشروعات في الناتج المحلي الإجمالي والمؤشرات الاقتصادية الكلية، والاهم من هذا كله فرض رقابة لصيقة لضمان استخدام التمويل للغرض الذي منح من اجله بحيث تكون بيانات التشغيل دقيقة وليست ارقاما ناتجة عن تسجيل لدى التأمينات الاجتماعية لقوة العمل فقط. يضاف الى ذلك التركيز على مساهمة المشاريع في خلق بيئة اقتصادية متكاملة في المنطقة المقامة فيها بحيث تتكامل المشاريع مع بعضها ومع البيئة المحيطة.