من إيلوما إلى البوابة الذهبية.. كي لا تنحرف إلى استثمارات "من دهنو سقيلو"
منذ عدة سنوات كتبنا هنا في المشهد منتقدين السماح للمشغل الثالث "وفاتيل" استخدام أبراج المشغلين الحاليين، ريثما يتمكن من إشادة أبراجه الخاصة، وتساءلنا حينها، على ماذا سينافس المشغل الجديد إذا كان سيعتمد على البنية التحتية المتهالكة لسيرتيل وام تي إن؟، على اعتبار أن فكرة الترخيص لمشغل ثالث هدفها الرئيس خلق حالة من التنافس لتقديم الخدمة الأفضل وبسعر أقل، وخلصنا إلى نتيجة أن المشغل الثالث سينافس على الرداءة، فالمشغلين الحاليين كلما أرادا رفع أسعار خدماتهما وعدوا المشتركين بتحسين الجودة، وهذه مناورة لأن شبكة الاتصالات لكلا الشركتين لا تتمتع أصلاً بالجودة، هي رديئة جداً، والصحيح أن يقال تخفيف الرداءة، ومرت السنوات لا الخدمات تحسنت، ولا الرداءة تناقصت، بينما الأسعار حلقت، والأرباح تعاظمت وفقاً للبيانات المالية المنشورة، وأفضل ما حصل أن المنافس الجديد لم يتمكن من إطلاق مكالمته الأولى إلى الآن، لسبب بسيط هو أن الشركة مُنعت من استخدام أبراج منافسيها.
لماذا نستذكر ذلك؟، ببساطة لأننا اليوم أمام استثمارات جديدة وطارئة تفكر بنفس الطريقة، طريقة المثل الشعبي الشهير "من دهنو سقيلو"، بمعنى أنه كانت هناك نية لجعل المشغل الثالث يستفيد من العائدات خلال سنة أو سنتين دون ضخ أموال في إنشاء بنية تحتية خاصة به، هذه الأرباح ستؤسس لرأس مال يمكن الشركة من البدء بمشروع البنى التحتية، هو استثمار الخطف خلفاً، نحقق الأرباح قبل أن نبدأ بتأسيس المشروع!.
اليوم تتفوق شركة "ايلوما" الشركة المستثمرة لطيران السورية على مبتدع فكرة "من دهنو سقيلو" وتفاجئ كل المشككين بقدراتها العظيمة برفع رواتب العاملين لتساوي الرواتب العالمية، ويصفق الإعلام لهذا الإنجاز الباهر بعد 21 يوم فقط من تسلمها الإدارة دون أن يسأل أحد من أين لها هذا، ليتبين بعد يومين أوثلاثة، بعد تراجع دوي موجة التصفيق الحار، أن الإدارة الجديدة الخاصة، رفعت أجور الشحن الجوي للبضائع "الصادرات" لأكثر من الضعف، انتبهوا لعبارة "الصادرات" التي تتغنى أي حكومة بدعمها لجني مزيد من القطع الأجنبي، فبحسب إفادات وصلتنا فإن أصوات الشحينة ارتفعت ضد هذا الرفع، فاجتمعت إدارة الشركة مع بعضهم وخفضت الأجور قليلاً، ربما كي لا يشوشوا على الانجاز الكبير "أقصد زيادة رواتب الموظفين والطياراين".
طبعاً في المقابل، الشركة المستثمرة لم تحسن خدمات الشحن الجوي وفق إفادة مصادرنا، لم تضف رحلة شحن واحدة جديدة، لم تزد عدد العمال، لم تفتتح خطوط ووجهات جديدة، ولا حتى عربة تخديم نقل إضافية دخلت الخدمة، وهناك أنباء أنها أيضاً رفعت سعر التذاكر (الجماعة مستعجلين على الأرباح لتغطية نفقات الإنجاز).
على المقلب الآخر تابعنا مؤخراً سطوع نجم موزع جديد للمشتقات النفطية، جناح ضخم احتلته "البوابة الذهبية" في معرض اكسبو للصادرات السوري (للامانة لم أفهم سبب مشاركة شركة توزيع للمشتقات النفطية المستوردة بمعظمها في معرض مخصص للصادرات!)، على كل حال ليس هذا موضوعنا، فالشركة الناشئة، ستوزع المحروقات (غاز - بنزين - مازوت - وربما فيول) لشرائح معينة من المستهلكين (تجار - صناعيين - نقابات.. الخ) بأسعار فوق الحرة المحددة حكومياً، وطموحها حسب إفادة مندوبيها في المعرض أن توزع لكل شرائح المجتمع لاحقاً وبكميات غير محدودة، وبلا رسائل ولا طوابير ولا حتى بطاقة تكامل، وتمتلك لأجل ذلك اسطول من الصهاريج العملاقة المجهزة بالمضخات والشاشات لغزو مختلف المناطق بجميع المحافظات، وأيضاً ستستأجر محطات وقود قائمة، وطبعاً هذا كله يحتاج إلى رأسمال كبير، والأهم يحتاج إلى توفر المشتقات النفطية.
فأما عن راس المال فيبدو أن الشركة تفكر بخطف الاستثمار خلفاً، فآلية التزود التي وضعتها تضمن لها قبض ثمن بضاعتها "شندي" قبل تسليمها للمستهلك، كل شهر يشحن المستهلك بطاقته بدفع ثمن الكمية التي يريدها، وفي حال لم يستهلك كامل الكمية، ترحل الكمية المتبقية لنهاية العام!.
وأما عن مسألة توفر المادة؟، فالشركة ستتزود من المصافي الحكومية بمعنى أنها من حصة السوق، وكلكم يعلم ندرة المواد، التي دفعت الحكومة إلى ابتكار العديد من الطرق لإدارة النقص!، بمعى أن هذه الاشركة الاستثمارية الرائدة ستدفع ثمن المحروقات للمصافي بعد أن تكون أخذتها مقدماً من المستهلكين، والأدهى أنها ستضغط أكثر على حصة السوق الذي يئن من النقص!، هل سمعتم قبلاً عن استثمار أذكى وأدهى من هكذا استثمارات؟!.
بالمناسبة نحن هنا لا نشكك في أي استثمار وطني كما سيظن أو يتصيد البعض، ولا نعارض فكرة فصل الملكية عن الإدارة التي قد يراها البعض حلاً لمشكلات قطاعاتنا الانتاجية والخدمية العامة، لا، ولا نبخس الناس جهودهم، نحن فقط نضيء على التفاصيل التي تكمن فيها الشياطين والتي قد تدفع المندفعين للاستثمار فينا بدل الاستثمار لدينا.. وشكراً لتفهمكم.