الصحة بين الدعم وتوقف الخدمة والدفع واستمرارها
بحسب التصنيفات العالمية يشمل أفضل شكل من الهياكل الأساسية للرعاية الصحية في أي بلد منشآت متطوّرة يعمل فيها مقدّمي خدمات مدرّبين تدريباً جيّداً ويتمتّعون بالوصول إلى المعلومات العلمية الصحية الموثوقة والحالية. وكانت الجمهورية العربية السورية بحسب الامم المتحدة قبل الحرب قريبة من هذا الهدف؛ فقد كانت هناك خمس كليات طبّ حكومية عاملة، وتتمتع بخطّة للرعاية الصحية الوطنية والعناية الطبية، وسبعة وثلاثين مكتبة طبية.
وخلال العقود التي سبقت الحرب الكونية على سورية، تحسن الوصول إلى المعلومات الصحية وتأمين الرعاية الصحية بشكل منتظم. فوفقاً لـ "منظمة الصحة العالمية"، كان العمر المتوقع للمواطن السوري 75.7 عاماً في عام 2012، ما يشكّل قفزة من متوسط الـ 56 عاماً الذي سُجل في عام 1970. وأفادت المؤشرات الصحية ما قبل الحرب والتي جمعتها منظمات دولية في عام 2012 إلى انخفاض كبير في معدل الوفيات الناجمة عن كافة الاسباب.
يقوم نظام الصحة في سورية على مبدأ حرية الوصول والرعاية المجانية في المستشفيات العامة، ولطالما امتلكت سورية نظاما صحيا متميزا على مستوى العالم قبل انطلاق الحرب الارهابية عام 2011 ولن نبالغ إذا قلنا ان نظام الرعاية الصحية للمواطنين السوريين قبل الحرب كان يضاهي الانظمة الصحية في اكثر البلدان رفاهية والصورة تتحدث :
كان المواطن السوري يدخل إلى المشفى ويجري فحوص واستقصاءات كاملة وتحاليل وعمل جراحي مجانا.
كان جميع مرضى الاورام السرطانية يحصلون على جميع علاجاتهم من جرعات وجلسات اشعة وتحاليل بشكل مجاني.
الولادات ومتابعة الطفل خلال مراحل نموه مجانا في المشافي الحكومية او مراكز تقديم الرعاية الصحية المنتشرة على كامل ارجاء القطر.
الامراض المزمنة من سكر وضغط وقلب يتلقون العلاج والدواء لمن يرغب مجانا
ووصلت الامور الى دخول المواطنين اللبنانيين الى الاراضي السورية للإستفادة من نظام الرعاية الصحية المجاني نتيجة ارتفاع كلفة الاستشفاء في لبنان على الحدود السورية
اليوم تغيرت الصورة بشكل جذري نتيجة لعدة اسباب ابرزها صعوبة تمويل المنظومة الصحية بالشكل الموجود قبل الحرب فالحكومة خسرت كثيرا من مواردها الاساسية ناهيك عن ارتفاع الكلف بشكل مخيف نتيجة ظروف الحرب وتدني قيمة العملة المحلية بسبب التضخم الجامح.
السبب الثاني يتعلق بالاستنزاف الهائل للكوادر الطبية حيث يمكننا القول أن انهيار الاقتصاد والتضخم الجامح والضائقة المعيشية دفعت كثيرا من السوريين لمغادرة سورية نحو الخارج.
إن مغادرة البلاد بهذا الشكل غير المدروس خاصة لفئة الاطباء والكوادر المهنية النوعية التي انفقت عليها الحكومة الملايين في ميادين التعليم والتدريب والتأهيل ادى إلى مشاكل حقيقية وبدأت الارقام بالظهور في أزمة في عدد أطباء التخدير لتنتقل لبقية الاختصاصات.
السبب الثالث يتعلق بإطالة عمر التجهيزات الطبية وتخفيف استهلاكها بشكل غير منطقي خاصة اجهزة التصوير الشعاعي والطبقي والمرنان واجهزة التحاليل الطبية وغيرها لصعوبة بل وتعذر تجديدها في الوقت الراهن نتيجة التكاليف العالية جدا فاليوم تتجاوز تكلفة جهاز واحد تكاليف انشاء مشفى قبل الحرب!
هنا تقف الحكومة امام خيارين لا ثالث لهما الخيار الاول هو استمرار نظام ادارة الدعم الصحي بنفس الطريقة وهنا باعتقادي وضمن الظروف الموضوعية الحالية نحن نكون متجهين لتوقف القطاع الصحي الحكومي عن العمل.
الخيار الثاني هو تغير الالية التي يدار بها القطاع من خلال استيفاء التكاليف من المواطنين وهنا نضمن استمرار القطاع الصحي بالعمل وتحسن اجور الاطباء بشكل يحافظ على الكادر الطبي من الاستنزاف ومن جهة ثانية يمارس المواطن دور المراقب على نوعية وجودة الخدمة الطبية كونها اصبحت مأجورة.
اليوم أي جهة محايدة تريد ان تأخذ خيار الرشد والعقلانية في اتخاذ القرار يجب ان تأخذ الخيار الثاني بشكل متدرج لأن استمرار العمل بالخيار الاول يشكل استنزافا للأموال والكوادر الطبية يقود في النهاية إلى انهيار المنظومة الصحية التي طالما تغنينا بها لسنوات.