حل معضلة الضرائب الخطوة الأولى للإصلاح في سورية
تعتبر الضريبة أداة مهمة من أدوات السياسة المالية وذلك كونها أحد مصادر الإيرادات العامة التي تعتمد عليها الدولة في رسم سياستها المالية وكذلك دورها لا يقتصر على الهدف المالي بل اتسعت أهدافها لتشمل الأهداف الاقتصادية والاجتماعية والسياسية في ظل تطور مفهوم وظيفة الدولة الحديثة وفي مقدمة هذه الأهداف تحقيق التوازن الاقتصادي والاجتماعي وتعجيل عملية التنمية وإعادة توزيع الدخل.
في سورية تشير الأرقام غير الرسمية إلى ارتفاع حجم التهرب الضريبي بشكل كبير حيث يصل لحوالي 4 مليار دولار سنويا والفئة الوحيدة غير القادرة على التهرب الضريبي هي فئة الموظفين لكون دخولها مضبوطة في جداول حكومية نظامية.
تتعدد الوسائل المتبعة للتهرب الضريبي في سورية من محاولة إخفاء مبالغ تطبق عليها الضريبة. أوتقديم وثائق مزورة تدعيما لطلبات ترمي للحصول على تخفيض الضرائب. والاغفال عن قصد تسجيل حسابات غير صحيحة في السجلات التجارية. أو الاغفال أو التقليل عن قصد في التصريح برقم الاعمال أو التركات الخاضعة للضريبة. إضافة إلى استعمال فواتير أو الإشارة إلى نتائج لا تتعلق بعمليات حقيقية. وتضخيم النفقات بهدف تقليل الربح الصافي الخاضع للضريبة.
عادة يستغل المتهربون وجود الثغرات في نصوص القانون الضريبي او بعض العيوب في صياغة النصوص القانونية إضافة لما قد يشوب التشريع الضريبي من الغموض مما قد يفتح المجال امام المكلف باستغلال التفسير للتهرب من الضريبة.
لا يوجد أية دراسة علمية ميدانية منشورة عن التهرب الضريبي، وقد بينت وزارة المالية في بعض المناسبات أن مسألة تقدير حجم التهرّب الضريبي بالأرقام مهمة صعبة... إذا لم تكن مستحيلة ... إذ ما من جهاز متخصص أو باحث يستطيع تقدير حجم هذا التهرّب بالأرقام... إذ من المستحيل من الناحية العملية، لا في بلدنا فحسب بل في أي بلد من بلدان العالم حساب حجم التهرّب الضريبي بالأرقام.
ولكن من دراسة نتائج التحليل المالي نجد أن العبء الضريبي العام في سوريا يبلغ وسطياً بحدود 13.5 % من الناتج المحلي الإجمالي، ويعتبر من المعدلات المنخفضة بالمقارنة مع الدول النامية ففي مصر 25.6 % وفي الأردن 17.8 % وفي المغرب 22.4 % وفي تونس 26.5 % وفي تركيا 25.37% .
السؤال هنا هل يمكن السير بأي عملية اصلاح اقتصادي أو تحسين للوضع المعيشي بدون معالجة الخلل في النظام الضريبي؟ الجواب بالنفي المطلق ولكن كيف الحل؟
تختلف وسائل مكافحة التهرب من الضرائب من دولة لأخرى حسب نظامها المالي المطبق فبعض الدول تنتهج سياسات قانونية تتعلق بإصلاح النظام الضريبي وبعض الدول تنتهج سياسات ادارية تتعلق بنظام الدفع.
في سورية يجب ان يكون لدينا مزيج من الاجراءات الاول يتعلق بالشق التشريعي وهنا يجب تكون عملية إعادة النظر في التشريع الضريبي ضمن التوجهات العامة التي تضمن الانتقال من نظام الضرائب المباشرة النوعية إلى نظام الضريبة الموحدة كما هو الحال في معظم دول العالم وهنا نضم صوتنا إلى الاصوات التي طالبت بدراسة قانون الضريبة على المبيعات المطبق في كل من مصر والأردن والذي مضى على تطبيقه عدة سنوات بما في ذلك الانتقادات الموجهة إليه وكيفية معالجة الثغرات التي ظهرت فيه خلال التطبيق ثم إعداد مشروع قانون الضريبة على المبيعات ليكون بديلاً عن كافة الضرائب غير المباشرة المتعلقة بالاستهلاك مع الأخذ بعين الاعتبار أن لا تكون أسعارها مرتفعة مع توسيع السلع والخدمات المشمولة بها.
فيما يتعلق بالشق الإداري والاجرائي يجب تطبيق نظام الدفع الالكتروني وضع آلية متكاملة الأطراف تشمل تغطية كافة اشكال العمليات ذات الأثر النقدي والمالي وانسياب المعلومات حول هذه العمليات إلى الجهات ذات الصلة بحيث نصل في النهاية إلى مرحلة تكون فيها كافة الأسواق والتعاملات ذات الأثر النقدي ضمن الاشراف الحكومي الملائم.
أخيرا يجب ان تعتمد الحكومة سياسة اقتصادية ومالية واضحة تكون اساس السياسة ضريبية مستوحاة من حاجات البلاد ومتجاوبة مع متطلبات الاقتصاد الوطني وغاياته المحددة بصورة واضحة ضمن خطة انمائية شاملة ولا بد لذلك من اعادة دراسة التشريع الضريبي بوجه عام والسعي لوضعه في نظام ضريبي منسجم ومترابط خال من التعقيد والإبهام لايتضمن ثغرات تترك مجال للتهرب وعدم المساواة في الضريبة ويمكن في هذا الصدد اعتماد طريقة تقدير مادة التكليف استنادا للمظاهر الخارجية أو طريقة تحصيل الضريبة بحجزها عند المنبع.