حتى وفيات الحرب... أرقامنا لا تعترف بها..!!

حتى وفيات الحرب... أرقامنا لا تعترف بها..!!

إذا كان غياب تجهيزات البحث والإنقاذ هو ما عرقل جهود انتشال المحاصَرين من تحت ركام منازلهم، فإن الافتقاد إلى قاعدة بيانات تفصيلية مثّل السبب المباشر في الانتقادات المُوجَّهة إلى عملية الاستجابة الحكومية والأهلية لتداعيات كارثة الزلزال. وعلى رغم الجهود الإغاثية الكبيرة التي بُذلت، إلّا أن صدمة الأيام الأولى استمرّت أطول من المعتاد في مِثل هذه الكوارث، وتالياً تواصلت معها معاناة أُسر كثيرة لم تَجِد مأوى مناسباً لها، ولم تصلها كمّيات كافية من المواد الإغاثية، أو لم يصلها بالأصل أيّ شيء. لكن هذا لا يبدو مستغرَباً في بلد لم يتآلف يوماً مع الرقم الإحصائي، كما لم يتعامل معه كدليل ومُوجِّه لسياساته وقراراته الاقتصادية والاجتماعية، وحتى لم يحاول استثماره سياسياً في المعركة التي لم تهدأ منذ عقود مع الخارج، وتحديداً خلال سنوات الأزمة الحالية. فمثلاً، إلى اليوم، ليس هناك مؤشّر رسمي عن معدّل الوفيات في البلاد بعد 12 عاماً من الأزمة، فيما عدد من لجؤوا وهاجروا إلى دول إقليمية وغربية لا يزال محصوراً بما تقوله المنظّمات الأممية والدولية وتُحدّثه باستمرار. لا بل إن معِدّي التقرير الأخير المتعلّق بحالة السكّان، والصادر عن «الهيئة السورية لشؤون الأسرة والسكّان»، تعاملوا مع الرقمَين المذكورَين بقليل من الموضوعية، على رغم أن هناك بيانات رسمية كان يمكن الاعتماد عليها، وتالياً مقاربة المؤشّرَين بما يعطي مصداقية لبقيّة بيانات التقرير.

الموت يتراجع!

ليس ثمّة خلاف على أن السنوات التي سبقت الأزمة شهدت تحسّناً كبيراً في واقع جميع المؤشّرات الصحية، تجلّت آثاره في انخفاض معدّل وفيات الأمّهات والأطفال، وارتفاع معدّل العمر المتوقَّع للحياة، وهذا ما استمرّ أيضاً خلال العام الأوّل للأزمة، لتبدأ لاحقاً مسيرة التراجع على وقْع الاشتباكات المسلّحة والمعارك العسكرية. وبحسب مؤشّرات مسْح السكّان الذي أجراه «المكتب المركزي للإحصاء» منتصف عام 2014، فقد ارتفع معدّل الوفيات الخام من 4.4 بالألف عام 2010، إلى 10.9 بالألف عام 2014، علماً أن 85% من الوفيات الناجمة عن الأزمة كانت مباشرة، و15% غير مباشرة. والملاحَظ وفقاً للنتائج نفسها، أن النسبة الأكبر من تلك المباشرة وغير المباشرة سُجّلت بين السكّان المستقرّين مكانياً، والأقلّ كانت بين أولئك النازحين.

في الأعوام التالية، وتحديداً خلال الفترة الممتدّة بين عامَي 2015 و2019، تراجعت أعداد الوفيات الناجمة مباشرة عن الأزمة. وبحسب تقديرات باحثي المسح الديموغرافي لعام 2018، فإن معدّل الوفيات استقرّ عند 7 بالألف، إلّا أن صعوبة الأوضاع الاقتصادية والصحّية التي واجهها السوريون، وعدم تمكُّن شرائح واسعة من الحصول على الخدمات الصحّية اللازمة، ظلّا يمثّلان تهديداً حقيقياً لحياة الكثيرين وسبباً أساسياً في بقاء ذلك المعدّل مرتفعاً مقارنة بالعام 2010. ومع ظهور فيروس «كوفيد 19»، وانتشاره بداية عام 2020 وما تسبّب به من حدوث وفيات ملموسة، إضافة إلى شدّة الضغوط النفسية والصحّية التي واجهها السوريون بفعل التدهور غير المسبوق في الأوضاع الاقتصادية المعيشية، عاد الحديث عن تزايُد أعداد الوفيات خلافاً لمستوياتها المسجَّلة في الأعوام القليلة السابقة لعام 2020.

مع ذلك، ظلّت البيانات الرسمية للفترة نفسها تتجاهل جميع تلك المعطيات؛ إذ أشار «المكتب المركزي للإحصاء»، مثلاً، في مجموعته الإحصائية السنوية، إلى تراجُع أعداد الوفيات المسجَّلة في 2020 بحوالى 5.6%، مقارنةً بالعام 2019. وما يثير الاستغراب، أيضاً، التقرير الأخير لحالة السكّان، والذي تجاهَل مُعِدّوه ليس فقط ما خلص إليه مسْح السكّان لعام 2014 والمعتمَد رسمياً في معظم المؤشرّات الديموغرافية، بل وأيضاً ما خسرتْه البلاد من أرواح كثيرة في هذه الأزمة، إذ يَخلص التقرير المذكور إلى حدوث تراجْع في معدّل الوفيات من حوالى 4.2 بالألف في 2010 إلى حوالى 3.1 بالألف في 2014، ثمّ عودته في 2019 إلى مستواه المُسجَّل قبل سنوات الأزمة. وبحسب ما جاء في الوثيقة، فإن السبب في هذا الارتفاع يعود إلى تزايُد الوفيات «نتيجة الأزمة وانتشار جائحة فيروس كوفيد 19»، علماً أن أوّل إصابة سورية سُجّلت بالفيروس كانت في نيسان 2020.

وفيات الزلزال

مع تأخُّر صدور المجموعة الإحصائية، والتي ترصد مؤشّرات عام 2021، فإن البيانات الرسمية المتعلّقة بعدد الوفيات المسجَّلة في البلاد تتوقّف عند عام 2020، وتالياً، فإن محاولة قياس عدد الوفيات الناجمة عن كارثة الزلزال ستكون حصراً مقارنةً مع بيانات الفترة السابقة لـ2020. ووفقاً للتقديرات الحكومية، فإن وفيات الزلزال في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة بلغت حوالى 1414 شخصاً، فيما يرتفع الرقم ليلامس عتبة 6 آلاف وفاة لدى إضافة الخسائر البشرية الحاصلة في المناطق الخاضعة للفصائل المسلحة، وهو رقم يشكّل ما نسبته 7.6% من إجمالي الوفيات المسجَّلة في عموم البلاد في 2010. أمّا إذا ما تمّت مقارنة وفيات الزلزال في معاقل الحكومة بإجمالي الخسائر البشرية الموثَّقة رسمياً في 2020، فإن نسبتها تصل إلى 2.5%..

على أن الأضرار الناجمة عن الكارثة الأخيرة لن تكون مقتصرة فقط على الساعات الأولى لحدوثها؛ فالهزّات الارتدادية، وما تسبّبت به من هلع تُرجم بحدوث وفيات أُحصيت منها ثلاثٌ على الأقلّ، يعني أن التأثيرات النفسية والصحّية سوف تستمرّ لفترة زمنية معيّنة، مرتبطة من جهة بتبدّد حالة الرعب التي يعيشها أشخاص كثر تحت تأثير التنبّؤات المستنِدة في غالبيّتها إلى التنجيم وحركة الكواكب، ومن جهة ثانية بتحسّن الأوضاع الصحّية للمصابين جراء الزلزال الأوّل. وعلى أيّ حال، قد تكون وفيات الكارثة المباشرة وغير المباشرة محدودة مقارنة بإجمالي أعداد الوفيات التي سُجّلت طيلة سنوات الأزمة، والتي تُقدّرها الأمم المتحدة بأكثر من 306 آلاف شخص، إلّا أنها في النهاية تبقى مؤلمة على المستويَين الإنساني والاقتصادي، خصوصاً أن ثمّة أسراً كاملة دُفنت تحت منازلها، وأخرى فقدت أطفالها، وأطفالاً خسروا ذويهم، ووطناً ضيّع المزيد من أبنائه المؤمنين به.

الأخبار

 

شارك برأيك .. لتكتمل الصورة


استطلاعات الرأي

يجب ان تختار خيار قبل ارسال التصويت
هل تعتقد أن الوقت قد حان لبدء تطبيق الدفع الإلكتروني في سوريا؟
نعم، حان الوقت لبدء تطبيقه وفرضه فوراً وهو ضروري للاقتصاد
لا، يجب إعداد بنية تحتية تقنية ومن ثم البدء بفرضه
لا، غير جاهزين بالوضع الراهن نهائياً لتطبيق الدفع الإلكتروني
النتائج
نعم، حان الوقت لبدء تطبيقه وفرضه فوراً وهو ضروري للاقتصاد
لا، يجب إعداد بنية تحتية تقنية ومن ثم البدء بفرضه
لا، غير جاهزين بالوضع الراهن نهائياً لتطبيق الدفع الإلكتروني