هل ستؤدي زيادة أسعار البنزين والمازوت لحل مشكلة الاختناقات

هل ستؤدي زيادة أسعار البنزين والمازوت لحل مشكلة الاختناقات

لا يقف تأثير ارتفاع أسعار المحروقات على زيادة أسعار النقل فقط، بل يتغلغل في عناصر كلفة إنتاج الخدمات والسلع المؤثّرة في حياة الفرد والمجتمع. لذا، تشكّل «الصدمات» في أسعار المحروقات مشكلة أكثر تعقيداً من ظاهرها؛ فمن جهة، ينعكس ارتفاع أسعار المحروقات مباشرة على القدرة الشرائية للأسر. كل ارتفاع بقيمة 0.25 دولار لليتر المحروقات يؤدّي إلى انخفاض قيمة الأجور الحقيقية للأسر بنسبة 5.4%، وفق دراسة أعدّها فرانسيسكو أرزي وديفيد كودي، بعنوان «الفوائد غير المتكافئة لدعم الوقود: مراجعة الأدلة من البلدان النامية». ومن جهة ثانية، تدخل الطاقة الكهربائية والنقل في صلب عمليات الإنتاج وسلاسل التوريد، أي أن تداعيات ارتفاع أسعار المحروقات تصبح مضاعفة على الاقتصاد عبر قنوات متشعّبة الأسابيع الأخيرة.

الحكومة السورية رفعت اسعار المحروقات الاسبوع الماضي بحدود تتراوح بين 20 و30% وهي نسبة منخفضة مقارنة مع نسب الرفع السابقة وجاء القرار بعد أسوأ ازمة محروقات تشهدها البلاد منذ بداية الحرب مطلع العام 2011. وبرّرت المصادر في "وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك" بالقول إن قرار رفع سعر البنزين يأتي "بهدف التقليل من الخسائر الهائلة في موازنة النفط وضمانا لعدم انقطاع المادة أو قلة توفرها" وهنا فتح الباب على مصراعيه لعدة تساؤلات:

التساؤل الاول هي أن الأسعار ترتفع لكن الرواتب والأجور ثابتة في ظل التأثير الكبير لرفع أسعار أجور النقل على الاسعار في الاسواق، وهي أكبر مشكلة يعاني منها القطاع الاقتصادي من صناعيين وتجار لما لها من دور كبير في رفع الأسعار بشكل ضخم.

التساؤل الثاني يتعلق بالآثار غير المباشرة لارتفاع أسعار المحروقات على أسعار باقي السلع فغالبية السلع تتأثر بأسعار المحروقات، لأنها تدخل في عدد من عناصر إنتاجها. يحتاج إنتاج السلع إلى الكهرباء التي تتأثر بشكل مباشر بأسعار المحروقات. وتحتاج سلاسل التوريد إلى عنصر النقل، سواء نقل العمال، من وإلى العمل، أو نقل السلع، الأمر الذي يؤثر على أسعارها بشكل كبير. وهكذا، مع أثر ارتفاع أسعار المحروقات على مؤشّر التضخم، يتضاعف هذا الأثر من خلال ارتفاع أسعار السلع المتبقّية. وهذا الارتفاع أيضاً ينطبق على الخدمات، فمثلاً، سيطلب المهني أجراً أعلى تقديم خدماته لأن كلفة التنقّل ارتفعت عليه، وستطلب شركة الإنترنت بدلاً أعلى لأن تشغيل معداتها على الكهرباء يصبح مرتفعاً أكثر، وقِس على ذلك. وهذا الأمر يزيد الضغط أيضاً على مؤشر تضخّم الأسعار. وبذلك، تنخفض القدرة الشرائية للمواطنين، وتنخفض معها القيمة الحقيقية للأجور بشكل يؤثّر على الأمن الاجتماعي للأسر ويدفع بعدد كبير منها إلى ما تحت خط الفقر.


التساؤل الثالث : هل قرار رفع السعر سيؤدي إلى حل المشكلة الاجابة بكل بساطة بالنفي فرفع السعر يحل المشكلة للسلع التي تتصف بمرونة الطلب عليها والطلب على المحروقات غير مرن، نظراً إلى تغيّر الأسعار. أي أن ارتفاع أسعار المحروقات لا يؤثّر كثيراً على الطلب عليها، لأنها سلع أساسية في الحياة اليومية للعائلات السورية. فمثلاً، العامل والموظف والطالب بحاجة إلى استهلاك المحروقات للذهاب إلى العمل أو الجامعة حتى لو ارتفع سعرها. بمعنى آخر لن ينخفض طلبه على المحروقات حتى لو ارتفع سعرها. وكذلك الأمر بالنسبة إلى العائلات لذلك، يُعدّ الارتفاع في أسعار المحروقات سبباً في انخفاض الدخل القابل للإنفاق لدى العائلات السورية، بسبب ارتفاع الجزء المخصّص للإنفاق على المحروقات من مداخيل الأسر وهو ما يخفّض الجزء القابل للإنفاق على السلع الأخرى.
التساؤل الاخير ما تأثير  ارتفاع أسعار المحروقات على الاقتصاد الوطني ككل؟

 تؤدي عملية رفع الدعم عن المحروقات إلى زيادة تكاليف مدخلات الطاقة بالنسبة إلى الشركات، وبالتالي إلى ارتفاع أسعار الطاقة بشكل شبه آنيّ، وهي «صدمات» تتلمّسها الشركات في المقام الأول. والشركات الأكثر تأثراً بهذا الأمر هي العاملة في قطاعات الصناعة الكثيفة الطاقة، أي الصناعات التي تحتاج إلى كمّ هائل من الطاقة في إنتاجها. إن ارتفاع كلفة الطاقة بهذا الشكل السريع على الشركات، فهي تتعلق بتكاليف مدخلات الإنتاج الوسيطة. فالشركات التي تصنّع المدخلات الوسيطة، تتأثر بشكل مباشر بارتفاع أسعار المحروقات حيث ترتفع اسعارها، ، وبالتالي تنقل هذه الكلفة إلى الشركات التي تستخدم منتجاتها كمدخلات وسيطة. بهذه الطريقة ينتقل أثر «صدمات» أسعار المحروقات من خلال سلاسل التوريد، بحيث تنتقل الكلفة من شركة إلى شركة عبر هذه السلاسل.

الخلاصة إن القرار اخفق في حل أزمة الاختناقات وهو ليس فشلا حكوميا بقد ما هو محكوم بظروف خارجية وأعتقد ان التوقيت لم يكن مناسبا للقرار لعدم وجود انعكاسات ايجابية بالشكل الذي صدر لجهة تخفيف تكاليف الدعم او تحسين الاجور.

شارك برأيك .. لتكتمل الصورة


استطلاعات الرأي

يجب ان تختار خيار قبل ارسال التصويت
هل تعتقد أن الوقت قد حان لبدء تطبيق الدفع الإلكتروني في سوريا؟
نعم، حان الوقت لبدء تطبيقه وفرضه فوراً وهو ضروري للاقتصاد
لا، يجب إعداد بنية تحتية تقنية ومن ثم البدء بفرضه
لا، غير جاهزين بالوضع الراهن نهائياً لتطبيق الدفع الإلكتروني
النتائج
نعم، حان الوقت لبدء تطبيقه وفرضه فوراً وهو ضروري للاقتصاد
لا، يجب إعداد بنية تحتية تقنية ومن ثم البدء بفرضه
لا، غير جاهزين بالوضع الراهن نهائياً لتطبيق الدفع الإلكتروني