صحيفة محلية تتساءل لماذا لا تسعى سورية لتأمين عقود طويلة الأجل لتوريد الفيول مع الدول الصديقة عوضاً عن الحجج المتكررة؟!

صحيفة محلية تتساءل لماذا لا تسعى سورية لتأمين عقود طويلة الأجل لتوريد الفيول مع الدول الصديقة عوضاً عن الحجج المتكررة؟!

كلما دار النقاش حول أسباب عدم تشغيل محطات توليد الطاقة في سورية بأعلى استطاعة ممكنة، جاءت الردود الرسمية لتتحدث عن نقص كميات حوامل الطاقة اللازمة للتشغيل، ويجري التركيز بشكلٍ كبير على نقص توريدات الغاز الطبيعي. فوفقاً للمؤسسة العامة لتوليد الكهرباء، فإن كمية الغاز الواردة حالياً لمحطات التوليد لا تتجاوز 5 ملايين و500 ألف متر مكعب (بالمقارنة مع حوالي 20 مليون قبل الأزمة)، بينما الوارد من الفيول إلى محطات التوليد يقارب مليوناً و171 ألف طن.


وهنا تبرز مشكلة إلى الواجهة، وهي أن غالبية التوليد السوري الحالي للطاقة يعتمد على الغاز، وفي ظل انخفاض كميات الغاز المستخرجة في البلاد (وفقاً لبعض التقديرات، فإن ما تنتجه سورية حالياً من الغاز الطبيعي لا يعادل 40% مما كانت تنتجه قبل الأحداث)، فإن البلاد عاجزة حالياً عن سد النقص من خلال الإنتاج المحلي، وبالتالي فهي مضطرة للاستيراد من الخارج في ظل صعوبة نقل الغاز الطبيعي بالمقارنة مع سهولة نقل الفيول.


وهنا يكمن السؤال: هل من الضروري أن تبقى البلاد أسيرة العوز إلى الغاز الطبيعي؟ ولا سيما أن مسألة زيادة الاعتماد على الغاز في توليد الكهرباء هي مسألة حديثة نسبياً، حيث تشير أرقام ما قبل الأزمة، عام 2008 مثلاً، إلى أن نسبة توليد الكهرباء بالاعتماد على الفيول بلغت نسبة تقارب 62%، بينما لم يتجاوز التوليد بالاعتماد على الغاز الطبيعي نسبة 32.5%، أما نسبة التوليد بالاعتماد على الطاقة الهيدروليكية (الماء) فلم تتجاوز 5.5%.


وبالعودة إلى التقرير الاحصائي الصادر عن المؤسسة العامة لتوليد الكهرباء عام 2020، نجد أن الغالبية الساحقة من العنفات في محطات التوليد هي عنفات بخارية ومركبة (أي يمكن فعلياً الاعتماد على الفيول في تشغيلها، حتى وإن كانت تتطلب في حالات معينة بعض أعمال الصيانة والتغييرات في العنفات)، أما العنفات الغازية التي تعمل على الغاز الطبيعي (السويدية، والتيم، وتشرين الغازية، وتوسع بانياس) فإنها - وفقاً للتقرير ذاته- لا تمثل من مجموع الطاقة الاسمية سوى 407 ميغاواط من أصل 4382 ميغاواط، أي 9.2% من مجموع الطاقة الاسمية. وهنا نعود للسؤال: إذا كان بالإمكان زيادة الاعتماد على الفيول - كما كان الوضع سائداً قبل الأحداث- لتأمين الطاقة الكهربائية، فلماذا لا يتم تأمين العمليات اللازمة والكمية الضرورية منه لتشغيل المحطات؟


لا يضيف المرء جديداً إن قال إن الكلام عن الأعطال والاستطاعات ومشاكل المحطات وصعوبات التوريد وغيرها من العقبات تستخدم بكثرة، وبسبب ودون سبب، كحججٍ لتبرير عدم التحرك لوضع حد لحالة التدهور على صعيد الطاقة في البلاد.


السؤال هنا، وبعيداً عن الحجج والمبررات: هل سعى المعنيون في البلاد جدياً لتأمين عقود طويلة الأجل لتوريد الفيول من الدول الصديقة التي لا تلتزم بالعقوبات الغربية المفروضة على سورية؟ هل سعوا جدياً لإيجاد ترتيبات مع هذه الدول تضمن التدفق المستمر لحاجات البلاد من الطاقة اللازمة لتشغيل محطات التوليد دون محاولة جعل هذه الدول الصديقة بقرة حلوب تهدر ثرواتها لتملأ جيوب الفساد الكبير في سورية؟ أم أن التقاعس عن السعي لتشغيل المحطات بطاقتها الكاملة، وبالتالي حرمان ملايين السوريين من الكهرباء، يرتبط بمحاولة توفير كلف دعم الكهرباء؟ حيث لا يوفّر المسؤولون مناسبة لتذكيرنا بأن كلفة الكيلوواط الساعي على الحكومة تبلغ 315 ليرة سورية بينما تبيعه لنا بليرتين فقط

إذا كانت محاولة توفير كلف الدعم هي السبب في اعتكاف هؤلاء عن السعي خلف مصادر تشغيل المحطات، فإن هذا يكشف إلى أي حد يتمتع الممسكون بزمام القرار في البلاد بعقلية ضيقة الأفق. فهل يجب تذكيرهم بأن الإنفاق على دعم الكهرباء وتشغيل المحطات، وبالتالي تدوير عجلة الإنتاج من صناعة وزراعة وغيرها وضخ الدماء في شرايين الاقتصاد الوطني إلى أقصى حد ممكن، سيكون كفيلاً بتأمين إيرادات تفوق هذا الإنفاق بشكلٍ كبير؟ ثم هل يمكن لأي عملية حسابية حول تكاليف إعادة تأهيل قطاع الكهرباء من الألف إلى الياء أن تُقارن مع الخسائر المتراكمة الناتجة عن إيقاف عجلة الإنتاج وضرب عصب الاقتصاد الوطني؟


تدرك الغالبية الساحقة من الشعب السوري ببساطة أن إعادة تدوير عجلة الإنتاج ليست لمصلحة كبار الناهبين المستفيدين من تحويل اقتصاد البلاد إلى اقتصاد يعتمد "السلبطة" على عمليات الاستيراد والحوالات المالية فضلاً عن نشاط أمراء الحرب بقطاعات الاقتصاد الأسود من تهريب ومخدرات ومصادرات ومسروقات وغيرها... ليغدو الظلام الذي يخيّم في البلاد ومعاملها وقطاعاتها الإنتاجية وداخل منازل منهوبيها أداة في تكدّس ثروات إضافية في جيوب ناهبيها.

صحيفة قاسيون 
 

شارك برأيك .. لتكتمل الصورة


استطلاعات الرأي

يجب ان تختار خيار قبل ارسال التصويت
هل تعتقد أن الوقت قد حان لبدء تطبيق الدفع الإلكتروني في سوريا؟
نعم، حان الوقت لبدء تطبيقه وفرضه فوراً وهو ضروري للاقتصاد
لا، يجب إعداد بنية تحتية تقنية ومن ثم البدء بفرضه
لا، غير جاهزين بالوضع الراهن نهائياً لتطبيق الدفع الإلكتروني
النتائج
نعم، حان الوقت لبدء تطبيقه وفرضه فوراً وهو ضروري للاقتصاد
لا، يجب إعداد بنية تحتية تقنية ومن ثم البدء بفرضه
لا، غير جاهزين بالوضع الراهن نهائياً لتطبيق الدفع الإلكتروني