صحافتُنا الرقميةُ يقودُها جُحا!
ارتدى "جُحا" قميصه وربطة عنقه، وبعض الإكسسوارات؛ كي يبدو أكثر تحضراً من أهل القرية على اعتباره صاحب أول صفحة أخبارٍ فيها على "فيس بوك"، وذهب إلى مضافة القرية؛ حيث يجتمعُ وجهاؤها مرةً كل شهر؛ ليحلوا مشاكلها ويتباحثوا خطط تطويرها.
لا يتركُ "جُحا" اجتماعاً إلا ويكون أولَ الحضور؛ يحلل ويسأل وينظِّر؛ لطالما امتعضوا منه إلا أنَّ ما يغفر له وظيفة والده في البلدية.
جلس في الاجتماع الأخير قرب عتبة الباب _المكان المناسب له_ بسبب تأخره في تسريحة شعره (آخر صيحات الموضة) على اعتباره مواكباً لتطورات العصر، وصل والناسُ تبارك للمختار تجديد ثقة أهل القرية، فراح يرميه بأسئلته الارتجالية اللاذعة عن سبب فوزه بالانتخابات رغم أن شهادته لا تتعدى "السرتفيكا"، وعن رأيه بما يرمونه به من اتهامات التلاعب بصناديق الاقتراع، وعن علاقة موت بقرتِه بنتائج الانتخابات، فكان يجيبه حانقاً: سبحان الله..
جلس يترقب عيون الحاضرين وحركات شفاههم فإذا ما نطق أحدهم انقض عليه بسؤالٍ ما، راح يوجه أسئلته إلى رئيس الجمعية الفلاحية عن سبب شح موسم الزيتون، ودور الجمعية في نقص هطول الأمطار.
جحظتْ عينا رئيس الجمعية وأجابه: سبحان الله!
لم يشأ "جُحا" أن يخرجَ من المضافة دون تصريح يكون "ترند" الشهر، فتوجه إلى مدير المدرسة يرشقه بأسئلته عن سبب قلة عدد الطلاب المتقدمين للثانوية العامة، وعن سبب كون آذن المدرسة ذكراً وليس أنثى، والعلاقة النفسية بين تراجع المستوى الدراسي للطلاب والتزامهم بالزيِّ الرسمي، هزَّ المديرُ رأسَهُ، وهو يقول: سبحان الله!
امتعضَ "جُحا"، ونظر إلى الطبيب مدير المركز الصحي، فرفع الطبيب يديه وصرخَ: لا علاقةً لي بانتشار كورونا في الصين!
نظر إلى أبيه بحنقٍ، وسألهُ بدهاءٍ: سمعتك البارحة تتحدث مع أبي سعيد عن نسبتك في صفقةِ التفحيم القادمة؛ ماذا تقول في ذلك؟!
نظر والده إليه وشرار الغضب يتطاير من عينيه، وأجابه:
أقول سبحان الله؛ سبحان الله ما أجحشك ولا حول ولا قوة إلا بالله، وصل البل لدقننا..
حمل حذاءه ورماه به، وهو يصرخ به: أبوك على أبو الصحافة تبعك!
هرع "جُحا" خارج المضافة بعد أن نفد برأسه، وفي اليوم التالي احتل صفحته "مانشيت": (وجهاءُ القرية عاجزون في مضافتها؛ يشربون القهوة ويسبحون الله!).