أريافنا القابعة على بحر ثروات: عطشى وجوعى!!.. ليس بالشعارات وحدها يصمد الفلاح

أريافنا القابعة على بحر ثروات: عطشى وجوعى!!.. ليس بالشعارات وحدها يصمد الفلاح

المشهد | ريم ربيع

باع أبو محمد -65 عاماً- ما تبقى من أرضه، بعد أن خسر معظمها بالحرائق، وبات عاجزا (مادياً وصحياً) عن العناية ببقيتها، فيما اضطر جاره علاء لبيع آخر ما تبقى عنده من ماشية للمسالخ لـعجزه عن شراء الأعلاف الكافية لها، وضعف المردود المادي لمنتجاتها، أما أم أحمد -55 عاماً- فقد ضاقت ذرعاً بالمحاصيل التي تخسرها عاماً تلو الآخر نتيجة انخفاض أسعارها وتكدسها في الأراضي، فقررت أن تهجر القرية وتسكن مع بقية عائلتها في ضواحي دمشق، لتعيش قريبتها أم سعيد التي ظلت متمسكة بالقرية بانتظار ما يرسله ابنها المغترب، وما يرد إلى القرية من مساعدات، بعد أن تسبب نقص المياه بعزوفها عن الزراعة.

هي حالات من بين الآلاف التي تشهدها الأرياف السورية بشكل يومي، بعد أن تحولت من خزان زراعي إلى مجرد مجمعات ينهشها الفقر، ويتسرب إليها العطش والجوع وهي قابعة على ثروات أجهز الإهمال على ما تبقى منها بعد الحرب، فلم يبقى لها زراعة تتباهى بها ولا مواشٍ يربيها أهلها، ولا حتى أي من عوامل الجذب السياحي سوى المواقع الفريدة التي دمرها ضعف الخدمات.!

لا أمل فيه!

ومع كل يوم يمر، يزداد عدد من يحجم عن الزراعة ومن يقرر هجر الريف الذي "لا أمل فيه" حسب تعبير البعض، وسط غياب شبه كامل لمشاريع تنموية إنتاجية، تستقطب أهالي هذه الأرياف وتؤمن معيشتها على أقل تقدير، ففي حين تنشغل الجهات الحكومية باستقطاب المستثمرين والإعلان عن المشاريع الصناعية الضخمة التي تحتاج عشرات السنين لتبصر الضوء، يضطر أهالي بعض القرى لشراء الخضار والبيض واللحوم من المدن.! ويدفعون ثمن مياه الشرب بالآلاف شهرياً وهم قابعون على عشرات الينابيع، فهل يعتبر هذا المنطق من فعل الحصار والعقوبات أيضاً! 

نماذج فقط!

ورغم التباهي الحكومي والزيارات الميدانية "الصورية" للأرياف والحديث عن مقوماتها الهائلة للنهوض بزراعة وسياحة وصناعة تنقذ مسار الاقتصاد، إلا أن للواقع حديث آخر، فعقلية إدارة الموارد السائدة حالياً اتجهت لـ"الترقيع" في المدن على حساب الأرياف، وفي النتيجة نجد كلاهما خاسر، إذ اقتصرت مشاريع التنمية الريفية والبرامج التي وضعتها جهات عدة لتنمية الريف على بعض النماذج الفردية التي ورغم نجاحها الذي يشهد لها به إلا أنها لم تتجاوز فعلاً كونها "نموذج"، لم يعمم ولم يتجاوز أثره أسر بسيطة، فهل عجزت مختلف تلك الجهات عن إنجاز مشروع تنموي واحد على مستوى قرية بكاملها.!

فرصة وليس عبء

يعتبر الخبير التنموي أكرم عفيف أن تلك البرامج والمنظمات تطرح فكرة ما وتتحول لقصة نجاح وهي في الواقع لا تتجاوز الفقاعة، حيث يتركز السؤال اليوم عما حققته تلك المشاريع من أثر، فلو استفاد 10% فقط من سكان القرى منها لكنا اليوم بألف خير، موضحاً أن هناك غياب وجمود في دور الوحدات الإنتاجية والفكر التنموي الذي يرى في الفقر فرصة وليس عبء.

ويوضح عفيف أن المشكلة هنا ليست بالتمويل، فكل ما تتطلبه التنمية الحقيقية تنظيم وربط وبيانات وقرار وطني بأن لا يخسر المنتج، فالمجتمع السوري منظم ويسهل الوصول لكل فئاته وتحويلها لفئات منتجة، كما يمكن الاستفادة من مؤسسات التدريب المجاني المنتشرة في كل مكان، والأهم البحث عن عقلية مختلفة في إدارة الموارد تدرس الجدوى التنموية للمشاريع قبل جدواها الاقتصادية.

مؤسسات الوهم

وفيما يتم التركيز مؤخراً على المشروعات الصغيرة والمتوسطة ومصارف التمويل الأصغر كلاعب أساسي في تنمية الريف، يرى عفيف أن أثرها كان ضعيفاً جداً رغم رغبة الكثيرين من الاستفادة منها، وذلك لشروط الكفالة والرهن والفوائد التي أفرغت التمويل من هدفه الأساسي وحولت هذه المؤسسات إلى وهم، ففي حين يمنح المصرف الصناعي قرض بقيمة مليار ليرة، لا يمكن للفلاح أن يحصل على قرض لشراء بقرة.! داعياً لضخ الأموال المكدسة في البنوك في مشاريع تنموية تعيد للأرياف دورها الحيوي وألقها.

مأسسة  المجتمع الأهلي

من جهة أخرى، لا يمكن للتنمية الريفية أن تقتصر على جهود حكومية وحسب، حيث يؤكد عفيف على أهمية المجتمع الأهلي لنجاح أي مشروع، لافتاً إلا أنه في الوقت الذي عجزت فيه الجهات الحكومية عن زراعة 1000 شجرة سنوياً حول دمشق، نجح المجتمع الأهلي بزراعة 100 ألف شجرة في الغاب، ومن هنا لا بد من الاستفادة من هذا المجتمع المثقف بنسبة كبيرة منه، وإقامة مجالس تنمية في القرى، تعمل على تنظيم ومأسسة المجتمع الأهلي بعيداً عن الجهات الحكومية التي لم يعد بها ثقة، وتدريب جميع الأسر على إقامة مشاريعهم الخاصة.
ويوضح عفيف أن نمط إدارة الموارد الحالي تجويعي، وهو تدمير ممنهج للمنتجين، فخلال شهر واحد بيعت نصف الأبقار في معظم القرى للمسالخ بسبب ارتفاع تكاليف التربية وانخفاض سعر الحليب، بما يوحي بكارثة على صعيد الثروة الحيوانية إن استمر الوضع على ما هو عليه.

شارك برأيك .. لتكتمل الصورة


استطلاعات الرأي

يجب ان تختار خيار قبل ارسال التصويت
هل تعتقد أن الوقت قد حان لبدء تطبيق الدفع الإلكتروني في سوريا؟
نعم، حان الوقت لبدء تطبيقه وفرضه فوراً وهو ضروري للاقتصاد
لا، يجب إعداد بنية تحتية تقنية ومن ثم البدء بفرضه
لا، غير جاهزين بالوضع الراهن نهائياً لتطبيق الدفع الإلكتروني
النتائج
نعم، حان الوقت لبدء تطبيقه وفرضه فوراً وهو ضروري للاقتصاد
لا، يجب إعداد بنية تحتية تقنية ومن ثم البدء بفرضه
لا، غير جاهزين بالوضع الراهن نهائياً لتطبيق الدفع الإلكتروني

الأكثر مشاهدة هذا الشهر