"الماغوط" وديك الميرديان..

"الماغوط" وديك الميرديان..

يروي الدكتور غسان الرفاعي (وهو رئيس تحرير سابق لجريدة تشرين) حادثة طريفة حصلت مع الأديب السوري الراحل محمد الماغوط.

يقول الرفاعي: "لقد دعيت وكنت رئيساً لتحرير صحيفة "تشرين"، إلى حفل استقبال كبير بمناسبة تدشين افتتاح فندق الميريديان في دمشق، ولكن مشاغلي حالت دون حضوري، فرجوت "محمد الماغوط" أن يحضر الحفلة، وكان يتناوب هو وزكريا تامر على كتابة زاوية في الصحيفة تحت عنوان "عزف منفرد" كان لها معجبون كثر، بل لعلها من أكبر العوامل في نجاح الصحيفة، ومضاعفة انتشارها. ‏

ويضيف الرفاعي: "تردد "الماغوط"، وتذرع بأن "ذقنه غير حليقة" وأن حذاءه بلا "شواطات"، وأنه بحاجة إلى ربطة عنق، وقد حرصت على أن أُلبي له كل طلباته: "استدعي الحلاق على عجل، وأرسل من يشتري "الشواطات"، وتم الحصول على ربطة عنق فاخرة، وحينما أصبح "وجيهاً" كإقطاعي عريق، وضع في سيارة، أوصلته إلى فندق الميريديان. ‏

ويتابع روايته: "يبدو أن إدارة الفندق شاءت أن تجعل من حفل الاستقبال حدثاً إعلامياً واجتماعياً استثنائياً، إذ دعت إليه جمهوراً غفيراً من المسؤولين، وممثلي الفعاليات الاقتصادية والوجهاء والصحفيين، وحرصت على أن يكون نموذجاً رفيعاً في السخاء والذوق الفرنسيين، وأجمع المدعوون أن طاولات الطعام كانت أقرب إلى اللوحات الفنية النادرة من كثرة ماحشد لها من تنسيق وألوان وابتكار في العرض والزينة. ‏

ولم يصدق محمد الماغوط عينيه - فيما روى لي فيما بعد - إذ لم يكن قد اطلع بعد على ترف المجتمع المخملي البورجوازي، ولم يكن يتصور أن طاولات الطعام يمكن أن تكون بمثل هذا السخاء الجنوني، والجمال الأسطوري، وقد كتب زاوية لم أعد أذكر عنوانها، وصف فيها ديكاً محشواً يتصدر الطاولة الرئيسية، وقد أجاد الطاهي في تزيينه وترصيعه حتى خيل للجميع أنه ديك حقيقي، وليس ديكاً مطهياً، وكان مما كتبه الماغوط، على ما أذكر: "خشيت أن أمد إصبعي باتجاه منقار الديك، خشية أن ينقض عليها ويأكلها" وأنهى الماغوط زاويته بنداء إلى "جياع العالم أن يتحدوا" أسوة بعمال العالم.

ووفقاً لرواية الرفاعي: "كانت الزاوية قطعة رائعة من الأدب الساخر الرفيع الذي يمتاز به الماغوط، ويتفوق فيه على الجميع، وقد أثارت إعجاب كل من قرأها، وانهالت على "تشرين" مكالمات الإعجاب والاستحسان. ‏

ويذكر الرفاعي أنه في صبيحة اليوم التالي تلقى مخابرة هاتفية من وزير السياحة، ‏ قال: ‏"هل تقرأ ما يكتب في صحيفتك"، ‏ وأدهشني السؤال وقلت مازحاً: ‏"قد أقرأ ما يكتب بعض الأحيان!"، ‏ وانفجر سيادة الوزير غاضباً: "هل قرأت زاوية محمد الماغوط عن حفلة تدشين فندق الميريديان؟.. إنها فضيحة لا تحتمل لقد نسفت الخطة التي وضعتها وزارتنا لتشجيع السياحة، إنها تسخر من فكرة بناء فنادق من الدرجة الأولى، وتحرض على إجهاض مشاريعنا المستقبلية". ‏

يقول الرفاعي: "لم أنجح في تهدئة غضب الوزير الذي طالب، بكل جدية، بمنع الماغوط من الكتابة، وفرض عقوبة رادعة عليه.. ‏ وتشاء الصدف أن أدعى إلى حفل استقبال في فندق الميريديان في باريس، بعد عشر سنوات، بمناسبة انعقاد مؤتمر الفرانكوفونية، دعي إليه حشد كبير من المسؤولين ورجال الأعمال والكتاب والفنانين والصحفيين، وقد تعرفت إلى رئيس مجموعة فنادق ميريديان في العالم السيد فرانسواد، فخطر على بالي أن أحدثه عن افتتاح فندق الميريديان في دمشق، وعن الزاوية التي كتبها شاعرنا الحبيب محمد الماغوط، والضجة التي أثيرت حولها، استمع إليّ باهتمام، وطلب مني أن أوافيه بهذه الزاوية أو على الأصح بترجمة لها. فكان له ما أراد، وترجمت له الزاوية بإتقان وأرسلتها إليه، ولم يمض أسبوعان حتى تلقيت منه مظروفاً يتضمن رسالة ودية ونسخة من المجلة التي تصدرها إدارة فنادق الميريديان، وفيها الترجمة الحرفية لزاوية محمد الماغوط، إضافة إلى كلمة من المدير العام السيد فرانسواد، يقول فيها: "لقد استمتعت بقراءة ما كتبه شاعركم، وأنا مقتنع أن زاويته تصلح لأن تكون دعاية لفندق الميريديان في دمشق. شكراً". وشيكاً متواضعاً بمبلغ 1500 دولار، سلمتها إلى الماغوط الذي سُرَّ بها كطفل حصل على "لعبة"!.

شارك برأيك .. لتكتمل الصورة


استطلاعات الرأي

يجب ان تختار خيار قبل ارسال التصويت
هل تعتقد أن الوقت قد حان لبدء تطبيق الدفع الإلكتروني في سوريا؟
نعم، حان الوقت لبدء تطبيقه وفرضه فوراً وهو ضروري للاقتصاد
لا، يجب إعداد بنية تحتية تقنية ومن ثم البدء بفرضه
لا، غير جاهزين بالوضع الراهن نهائياً لتطبيق الدفع الإلكتروني
النتائج
نعم، حان الوقت لبدء تطبيقه وفرضه فوراً وهو ضروري للاقتصاد
لا، يجب إعداد بنية تحتية تقنية ومن ثم البدء بفرضه
لا، غير جاهزين بالوضع الراهن نهائياً لتطبيق الدفع الإلكتروني

الأكثر مشاهدة هذا الشهر